التأزم الحضاري

د. حامد بن أحمد الرفاعي

الحضارة كما ذكرت أكثر من مرة..هي نتاج جهد بشري تكاملي تراكمي..وتقوم وتشمخ وتبدع وتتألق بالتكامل والتلازم بين مرتكزين اثنين:مرتكز القيم والمبادئ والأخلاق..ومرتكز الماديات والوسائل والمهارات..ويوم تختل معادلة التكامل والتلازم بين هذين المرتكزين..إذاك تبدأ حركة الانحدار والتخلف الحضاري..ومن اختلال واضطراب التكامل والتلازم بين طرفي المعادة الحضارية المعاصرة..أن التقارب والتواصل بين الأفراد والمجتمعات..خطى خطوات أكثر بكثير من خطوات التقارب بين القيم والمبادئ والمفاهيم..حقاً العالم اليوم في حالة تأزم حضاري حقيقي..سببه ومصدره تشتت مسارات توجهات الأذهان..واضطراب وتضاد الرؤى والفهوم والله تعالى يقول:"وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَ"ويقول سبحانه:"إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى"وكرَّم الله الإنسان فجعله حراً طليق الإرادة لقوله تعالى:"إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِر"ويقول جلَّ شأنه:"إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا"وأنصف الله العباد ويسّر لكل منهم أسباب الكسب والفلاح والتفوق في الحياة الدنيا دون تمييز كما هو مؤكد في قوله تعالى:"مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ"وقرر تباركت أسماؤه القاعدة التي تنهي جدلية من المسؤول فقال سبحانه:"ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"وبعد..فإن مسؤولية اختلال توازن السير الحضاري يتحملها الإنسان..رغم أن ربه سبحانه قد أهله وسخر له كل أسباب الصلاح والفلاح والإبداع لقوله تعالى:"قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى"ولقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:"اعملوا فكلٌ مُيسرٌ لِمَا خُلِقَ له"ولكنه أبى-إلا من رحم ربي-إلا أن يكون ظلوماً جهولاً..ولكن ألا من سبيل للبشرية اليوم للرجوع عن حالة التأزم الحضاري الجارية في حيات المجتمعات..؟بكل تأكيد سبل الصلاح والرشاد مفتوحة ومقومات سلوكها ميسورة..يوم تتوفر أذهان سليمة..وضمائر مستقيمة..ويوم تتوفر إرادة صادقة للتعاون على البر والتقوى..وللتنافس في الخير وإقامة العدل..ويوم تصحح معادلة التكامل والتلازم بين مرتكز القيم والمبادئ والسلوكيات..ومرتكز الماديات والوسائل والمهارات..آمل أن تتوفر إرادة وصحوةإنسانية راشدة لتصحيح المسار..والله المستعان.

وسوم: العدد 628