الأقوياء يصنعون الأبطال
حين ينظر المرء للرياضة من الناحية الحضارية، يستفيد ويفيد أمته في الأخذ بعوامل الحضارة الإنسانية التي تعلو المجتمع والجغرافيا. وقد انتهت منذ قليل البطولة العالمية للسباحة، المقامة بقازان روسيا 2015، فكانت هذه الملاحظات السريعة من الناحية الحضارية سجلت في حينها دون انتظار، مع التأكيد على أن هذه الورقة لاتعالج إطلاقا الناحية الفنية، فهذا ميدان له أهله وأصحابه ..
الأقوياء الخمسة..بينيدي الآن جدول الميداليات للبطولة العالمية للسباحة 2015، الخمس الأوائل، هم أنفسهم الخمسة الذين يملكون حق النقض في الأمم المتحدة.من كان قويا في بره وجوّه وفضاءه، كان قويا في ماءه.
حضارة الأرقام القياسية..الذين حطّموا الأرقام القياسية في الذرة والصعود إلى المريخ والفضاء، هم الذين يحطمون الآن أمامي أرقاما قياسية في السباحة. الحضارة كل متكامل، ترفع صاحبها إلى الفضاء، وتغوص معه نحو الأعماق.
أين العرب؟..أحاول عبثا أن أرى عربيا مسلما يردد دوما، علّموا أبناءكم السباحة، فلم أعثر على أحد أبدا..
إبداع في التنظيم..أتابع مع أبنائي البطولة العالمية للسباحة، المقامة في قازان بروسيا، عبر فضائية دبي الرياضية، فوقف المشاهد المتتبع على أن هناك..
بشر فوق البشر وبشر تحت البشر،أبدعوا في التنظيم، فأمسوا قدوة في كل تنظيم. أطفال في 18 من عمرهم، ينافسون الدلفين في خفته، والفقمة في براعتها. الأول يسلم على الثاني، والثاني يشجّع الأخير. نالوا الذهب والفضة بمواصلة الليل بالنهار، والقمة لاتعرف توصية ولا قربى . أرى الآن سباحة من مواليد 1997تقطع 1500 متر، أي 30 مرة مسافة 50 متر، وكأنها لعبة تؤديها، وهو مالم يقدر عليه الرجال. الجمهور يشجّع الجميع، دون النظر إلى لونه أو دينه أو وطنه. فـ "الساجي" بالتعبير الجزائري، يعجب نفسه ويعجب غيره.نظافة مكان، وجمال الجسد، ومرافق متعددة عالية الدقة والإتقان.
عظمة الدخول والخروج..خرج الجمهور العالمي من المسبح العالمي الروسيفي ثواني معدودات، بسهولة ويسر وسلاسة عجيبة فريدة.العظمة أن تحسن الدخول والخروج معا.
الكبار يختارون البطل..الصين ذات المليار و600 مليون نسمة، تبعث بأبناءها إلى البطولة العالمية للسياحة ،بقازان بروسيا 2015.فيحطمون الأرقام، ويحصدون الذهب، ويحتلون صدارة الترتيب.أبناء بوذا، لايعرفون أبناء المسؤول ولا أصهاره ولا إخوته ولا القربى ولا الكتف العريض، فيسهل عليهم إختيار البطل، ولو كان من بين 10 ملايير .
الرموز: هدايا الأبطال..الروس معجبون كثيرا بالدب الروسي، ويعتبرونه رمزا من رموز الدولة، ويقدمونه هدية للسباحين الأوائل والذين حطموا الأرقام العالمية في البطولة العالمية للسباحة في قازان بروسيا 2015.وفي جزائري الحبيبة، يحرم الطفل الصغير من التعلم بلغته العربية، وهي رمز من رموز المجتمع، ويتهم المتمكن فيها بالضعف والعنف والتخلف.
لماذا غاب الأبناء عن الأبطال؟..أقول لأبنائي،ونحن نتابع البطولة العالمية للسباحة بقازان روسيا 2015، كان من المفروض، أن تكونوا مع هؤلاء الأبطال، يجيبون بصوت واحد..
لو أتيحت لنا نفس الظروف لانتصرنا وحطمنا الأرقام. إكتفيت بالصمت، وأقول في نفسي، المسألة ليست في إتاحة الظرف،إنما لماذا يحرم أبناءنا من الظروف المواتية، وتسرق منهم الظروف المساعدة.
للقوة جمال..هل من شروط السباحة، أن تكون جميلا. أرى جمال الجسد، وجمال الوجه، وجمال التنظيم، وجمال التحكيم، وجمال المسبح، وجمال المدرجات، وجمال العسكر، وجمال القائمين على توزيع الميداليات.
تذليل السنتميترات..الصيني قصير القامة، هكذا كان. وهاهو الآن في البطولة العالمية للسباحة، يحصد الذهب والفضة، وصدارة الجدول. أمسى الصيني ينافس الأمريكان والروس في الطول، ويتفوق عليهم بالطول الذي كانوا يفتخرون به على الأمم التي رضيت لنفسها قصر الطول والنظر.الأمم التي ذللت الذرة والفضاء والجبال والمحيطات، أيعجزها أن تذلل بعض السنتمترات.
كن بطلا ورائدا..يقول لي أكبر الأبناء، ونحن نتابع الآن وعلى المباشر البطولة العالمية للسباحة، أكاد أحفظ النشيد الوطني للولايات المتحدة الأمريكية من كثرة تردده على الأسماع. أقول له..
كن بطلا ورائدا وأولا، وسيسمع لك الجميع، ويقرأون لك، ويفتخرون بما تأكل وتلبس، ويتنافسون على تقليدك والأخذ منك.
نيل الصدارة باحترام الشيخ..أتابع الآن البطولة العالمية للسباحة، بقازان روسيا2015..
سباح ياباني، يتحصل على المرتبة الأولى، فيسرع لمدربه وينحني أمامه إنحناء التلميذ لشيخه ويبادله التحية. سباحة يابانية، تنزع الميدالية من على صدرها، وتمنحها مدربها وتضعها على صدره. الصدارة تنال باحترام الشيخ والكبير والمعلم.
حين تتحول الحرارة والبرودة إلى لعبة.. أتابع الآن وعلى المباشر، البطولة العالمية للسباحة بقازان روسيا. الدول التي تحصد الذهب والفضة وتحطّم الأرقام القياسية العالمية في السّباحة،هي نفسها الدول التي تنال الذهب والفضة والأرقام العالمية في التزحلق على الثلج والجليد، الخاصة بالألعاب الشتوية تحت درجات حرارة منخفضة جدا.
المجتمعات العظمى، تذلل البحار والجبال، وتجعل من الحرارة والبرودة لعبة يتسلى بها الكبير والصغير، والمجتمعات المتخلفة هي التي ظلّت أسير رمالها وجبالها.
وسوم: العدد 628