سياسة نظام

أ.د. عبد العزيز الحاج مصطفى

منذ بداية الثورة السورية في 15/3/2011م، تحولت سياسة النظام في سورية، من سياسة مظالم عامة قائمة على الفساد؛ تحقر الناس و تحط من كرامتهم، وتجحف بحقهم، إلى سياسة قتل وإرهاب. وهي سياسة طالت البنى الفوقية و التحتية ولم تستثنٍ.

    وكانت أدوات القتل تشمل مختلف صنوف أدوات الجريمة، فمن القتل  بالسكاكين ذبحا كالنعاج إلى القتل بالوسائط الحديثة المؤللة ، ومنها الطائرات و الدبابات. ومن الرصاص الحي و القنابل اليدوية، إلى الصواريخ و القنابل العنقودية و ثم إلى الغازات السامة و غيرها من أدوات القتل الفتاكة التي برع النظام باستخدامها .

    و بسبب من ذلك كثرة المجازر في سورية[1]، وتعددت أشكالها كما تعددت ادواتها و منها البراميل المتفجرة،  التي هي اختراع نظام بامتياز، ويراد بها –خلاف المتوقع قتل السوريين بعامة،  و الهدف من ذلك: تفريغ البلد قبل رحيل الأسد!!! وهي سياسة صهيو إيرانية مدعومة من قوى دولية كثيرة، وبعضها فاعل في الأزمة السورية. 

     و كما أن من المجازر التي اشتهرت، وكان لها صدى داخليا وخارجياً مجزرة الكيماوي التي وقعت في الغوطة  في 21/3/م وشملت بلدات (زملكا وعين ترما و عربين ومعضمية الشام) وقد بلغ عدد القتلى فيها (1722) قتيلا، يضاف إلى ذلك العدد(6210) من المصابين  الذين نقلوا إلى المستشفيات ، وهم بين الموت و الحياة. و مجزرة دوما الأخيرة وهي من مدن الغوطة الشرقية وقد ذكر ناشطون : أن الطائرات الحربية أغارت في 16/8/2015م  في وقت الظهيرة تسع مرات على المدينة  و استهدفت

سوقا شعبيا مكتظا بالباعة و المتسوقين وأكثرهم من صغار الصبية و من النساء،  ومن الباعة الذين بفترشون الأرصفة، كما ذكروا: أن أكثر من 40 قذيفة،  سقطت على أحياء سكنية ملأى بالأطفال و النساء و الشيوخ. وقد أُحصي جراء ذلك القصف أكثر من (120) قتيلا و (250) جريحا ،  وهذا الرقم أولي إذ أن كثيرا من المصابين  لما يزالوا تحت الأنفاض، ممايصعب حصرهم،  قبل إنقاذهم و الغريب أن كلتا المجزرتين وقعتا في النصف الثاني من شهر آب/ أغسطس وكلاهما في الغوطة تحديدا،و بفاصل سنتين حسب!!!

    وقد ذهب محللون إلى أن هدف النظام ديمغرافي ، فهويريد إفراغ مدن الغوطة من سكانها، فضلا عن خلخلت نسيجها الاجتماعي، وقد ذهبت المحادثات بشأن مدينة الزبداني بين الثوار و الجانب الإيراني إلى مثل ذلك وقد اشترط المفاوض الإيراني رحيل المدنيين أولا، و الهدف من وراء ذلك فرض الأمر الواقع على شعب سورية، بعد ضرب بناه التحتية و تهجيره و تشريده، وقتله على هذه الطريقة،  التي مثلت أحد أشكال الإبادة الجماعية في العصر الحديث و التي تشبه إلى حد كبير جريمة سربرنيتسا البوسنية التي وقعت قبل عشرين سنة وقد راح ضحيتها أكثر من (8000) إنسان.

     و الفرق بين مجزرة البوسنيين و مجزرة السوريين أن البوسنيين انتصر لهم العالم الحر ومعه الأمم المتحدة و مجلس الأمن بالرغم من الموقف  الروسي المعارض، كونه الحليف الداعم  للصربيين، وقد عدوا ذلك من جرائم الإبادة الجماعية، وقادوا زعماء صرب البوسنة، إلى المحكمة الدولية في لاهاي بينما وقف العالم الحر ومعه الأمم المتحدة من المجازر السورية التي تتكرر يوميا موقف المتفرج، وقد كادوا يساوون بين القاتل و المقتول. ولم يصدر عنهم إلى اليوم الموقف المشرف الذي يجب أن يقفونه، وهو موقف يجب أن يمليه عليهم ضميرهم الإنساني.

     و السؤال الكبير الذي يطرح نفسه تجاه القضية السورية، و الذي لايحظى بالإجابة الصحيحة إلى اليوم ينحصر في:

     (لماذا هذا الموقف الدولي من القضية السورية؟؟!!)

       ومن الذين ترتسم حولهم دوائر الشك: الأمم المتحدة و مجلس الأمن و محكمة الجنايات الدولية و موقف أصدقاء سورية تحديدا، و الجميع يتساوون في النتيجة. فخذلان الشعب السوري في محنته مع حاكمه الذي تحول إلى متغول هدفه الأساس قتل شعبه،مسألة في حاجة إلى موقف جاد وحازم.

      وصمت الهيئات الدولية ذات العلاقة، و الدول المعدودة من ( أصدقاء سورية) غير مقبول. سيما تلك التي تدعي رعايتها لحقوق الإنسان، ولقضايا الشعوب العادلة، بل و تزعمها العالم الحر. وقد تثقفوا على مبادئ الإعلان  العالمي لحقوق الإنسان ، ووعوه جيدا!! إ و قد كان عليهم أن يترجموا ذلك إلى مواقف دالة على نصرة الشعوب بدلا من الالتفاف عليها ومحاولةتفريغها من مضامينها المقدسة باعتماد سياسة ( الوجهين) و الكيل ( بمعيارين)إذ أن  هدفها الأول يجب أن يتمثل ب  (الحرية و الديمقراطية و التعددية  السياسية )و أن يكونوا مع حقوق الإنسان بعامة، وهي مبادئ تعد بمثابة القواسم المشتركة التي يلتقي عليها أنصار الحرية في العالم أجمع.

    ومع أن كثيرا من الغمز و اللمز و الحديث المباشر و غير المباشر يثار حول دور ما لإيران الصفوية ولإسرائيل الصهيونية، ولسماسرة الساسة ممن يتحركون وفق سياسات تمليها عليهم مصالحهم الخاصة، إلا أن  قدسية المبادئ تجعلنا نفكر في الاتجاه الصحيح طال الطريق أم قصر. فلا بد من يقظة شاملة للضمير الإنساني، ولابد لأحرار العالم من مواقف مشتركة ترتقي إلى المستوى المشرف الذي يجب أن تكون عليه. فمن  النواميس أن ينتصر الحق على الباطل كان ماكان من أمر ذلك الباطل، ولقي ما لقي من دعم الداعمين، ومن نصرتهم له في مواقفه الزائفة ولسوف يأتي اليوم الذي يعاقب فيه الشعب السوري. أصحاب المواقف على مواقفهم، فهي ليست مواقف الخذلان حسب و إنما هي مواقف المشارك في القتل العمد، وهي مشاركة قيد الدراسة و الرصد” ولتعلمنًّ نبأه بعد حين”

__________________________________________________

[1]ينظر كتاب النظام السوري و الجريمة المستمرة. جرائم القتل العمد

أ.د. عبد العزيز الحاج مصطفى                

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 631