لا تظلموا الخوارج…!!
لا ريب أن الخوارج والدواعش ومن على طريقتهم قوم سوء وشرٍّ على الأمة، وكما قال أعرابي وقد سُئل عن حماريه: أيُّهما أسوأ؟ فقال: هذا وهذا..!!
لكن العدل وتوخِّي الحق يحملنا على التفريق بين الخوارج البائدين والدواعش الحاضرين..
وبعد النظر وتقليب الرأي بدت لي هذه الفروق:
الأول: الخوارج الغابرون لم يكونوا مُنْتَعَلِين من أعداء الإسلام والمسلمين، أي ليسوا عملاء كما في التعبير المعاصر، وإن كانوا منحرفين في فهمهم السقيم للقرآن الكريم..
وقد بحثت لأجد من أشار إلى أنهم كانوا على اتصال بالدول المعادية المحيطة ببلاد الإسلام فلم أجد البتة..
أما الدواعش فلا يمتري عاقل في أنَّ رؤوسهم وكبراءهم أحجار على الأرض تُحرّكها الدول التي تكيد للأمة على حسب مصالحها..
الثاني: الخوارج كانت مصائبهم وبليّاتهم محصورة في ديار الإسلام فحسب، فلم يشمّ رائحة أفعالهم القبيحة واستباحتهم للدماء أعداء الإسلام المتربصون.. بل كان غير المسلمين كالذميين في مأمن من شرهم لأنهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم..!!
أما الذوابح الدواعش فأذاهم استطار في أصقاع الأرض وبلغ عنان السماء بما نشروه من فظائع القتل والذبح والتقطيع والتحريق التي سوّدت صفحة المسلمين إلى سنين، والإسلام ورسوله منها براء..
وكل ذلك باسم الإسلام والخلافة الإسلامية والدولة الإسلامية التي ينشدونها ويدعون لها..!!
الثالث: أن الخوارج لم ينبزوا مخالفيهم بفساد إيمانهم بالله عزوجل وصفاته، أما الدواعش فما أقربهم وأسرعهم للتكفير والتبديع لكلِّ من خالفهم، دون هيب ولا وجل ولا خشية من الله عزوجل، ولهم في هذا معايير ما أنزل الله بها من سلطان، وهم يصفون أهل السنة والجماعة بــــ المعطلة والمبتدعة..!!
الرابع: كان الخوارج على شيء من الأخلاق، كالوفاء بالعهد والوعد وتحريم الكذب، يقول المبرد في وصفهم: والخوارج في جميع أصنافها تبرأ من الكذب.. وقال ابن تيمية فيهم: ليسوا ممن يتعمد الكذب بل هم معروفون بالصدق حتى يقال إن حديثهم من أصح الحديث..
وأما الدواعش فهم أهل الغدر وهم قلاع الكذب والافتراء.. فكم وعدوا.. وكم أخلفوا.. وكم غدروا.. وكم كذبوا..
ومن أمثلة ذلك: أنهم كانوا يفاوضون في إطلاق سراح الطيار الأردني معاذ الكساسبة على أنه حي لمبادلته ببعض من ينتمي إليهم، ثم تبيّن أنهم حرقوه من قبل التفاوض لكنهم كانوا يكذبون.. عدا عن غدراتهم التي صارت مضرب الأمثال..
الخامس: كان من الخوارج علماء وشعراء وخطباء، واشتهروا بالفصاحة وقوة الأسلوب، وقد جمعت كتب الأدب أشعارهم وخطبهم، وأُلِّفت فيها دراسات ورسائل علمية.
ومن شعرهم الرائق قول قطري بن الفجاءة:
أقول لها وقد طارت شــــــــعاعا من الأبطـــــال ويحـــــك لن تراعــي
فإنك لو ســــــــــألت بقاء يـــوم على الأجل الذي لك لم تطاعي
فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيـــل الخـــــلود بمســـــــــــــــــــتطاع
ســـبيل الموت غايــــة كل حي فداعيـــه لأهـــــــــل الأرض داع
أما الدواعش فهم مطايا الجهل والحمق، فأعلمهم لا يحسن قراءة آية قراءة صحيحة، ولو سمعت خطبهم في أيام الجمع لعجبت من كمال جهلهم وأميتهم، حتى تكاد تخرج من جلدك كما حدثني بعض من حضر عندهم..
وقد ناقش بعض الأخوة بعض علمائهم العظام، وبيّن خطأه فحمل عليه واحمرّت عينه منه، وهذه طريقتهم في معاملة من يجادلهم فهم يحقدون عليه ويتربصون به ويكيدون له وربما قتلوه..
وطريقة تحصيلهم للعلم الشرعي تكون في دورة شرعية لا تزيد على شهر، يتلقى الطلاب علوم الشريعة دون اللغة العربية.. على أيدي علمائهم الجهلة الذين يحدثونهم عن الولاء والبراء والتكفير والقتل والتفجير.. والقبوريين والمشركين.. والمساجد التي ينبغي هدمها والأولياء الذين ستدّمر مراقدهم لأنهم يُعبدون من دون الله تعالى..!! أما الحديث عن العدل والقسط والإنصاف والسماحة والمسامحة والتدرج والرحمة والسَّعَة في الاختلاف، فلا مكان له في معاجمهم ولا في سلوكهم، وهذه المبادئ هي أساس الإسلام ودولته التي يحملون اسمها زوراً وبهتاناً، ويسيئون إليها صباحاً ومساءًا. والهدف من هذه الدورات تخريج جاهل ليعتقد أنه عالم، وليكون أداة طيعة في يد كبراء داعش يقتل ويدمر ويسلب ويخرب دون تردد أو تأنيب ضمير.
السادس: لم يُعرف عن الخوارج هذا التفجير والتدمير لبيوت الله تعالى، فلم ينقل لنا التاريخ أنهم هدموا مسجداً من مساجد مخالفيهم، كما يفعله الدواعش اليوم، إذ يفجرون بيوت الله فوق المصلين وهم راكعون ساجدون.. ويقولون: يُبعثون على نياتهم..!!
فهم وأعداء الإسلام الذين هدموا المساجد وأحرقوها سواء، لكن الفرق أن أولئك يهدمونها حقداً وكفراً، وهؤلاء يفجرونها عبادة وطاعة وقرباً..!!
السابع: كان الخوارج على جانب كبير من العبادة والزهد وقراءة القرآن كما جاء في وصفهم: (فانتهينا إلى معسكرهم فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن.. وإذا فيهم أصحاب البرانس..) أي المشهورون بالزهد والعبادة. بينما يقول الدواعش: إن الإكثار من الذكر والعبادات ما هو إلا لوثة صوفية أو بدعة في الدين.. واتباع الحق عندهم يغني عن النوافل والعبادات..!!
والدواعش لهم دويّ لكن برصاص القتل وسفك الدماء والالتذاذ بذلك، حتى ممن يقول وهو بين أيديهم: لا إله إلا الله، ويرفع يده بها، فيسرعون لقطعها لئلا يشير بها إلى توحيده..
وقد حدثني أخ كان في سجونهم أنهم علّقوه من قدميه بالسقف ورأسه إلى الأسفل سبعة وعشرين يوماً فكانوا لا يحلون وثاقه إلا بعد الآلام والبكاء، ليقضي حاجته فيقول لهم أريد أن أصلي فيقولون: صل هكذا..!!
فهل أكون مصيباً بعد هذا إن قلت: فلا تظلموا الخوارج الضَّالين الأشرار بالدواعش المجرمين العملاء الفجَّار...؟؟!!
وسوم: العدد 631