جيش الفضاء ” الإلكتروني ” الإيراني
تحاول النخب السياسية والعسكرية ، إضافة إلى الإعلام الإيراني إبراز قوة الجيش الفضاء الافتراضي” الالكتروني ” الإيراني باعتباره من أقوى الجيوش الالكترونية على المستوى العالمي ، وأنه جيش لا يقهر بحكم امتلاكه للكفاءات والخبرات التي تجعله سادس أكبر الجيوش الإلكترونية في العالم ؛ فعلى سبيل المثال صرح قائد القوة البرية التابعة للجيش الإيراني العميد احمد رضا بوردستان إلى أن قدرات الجيش السايبري الإيراني في مجال الحرب الالكترونية قد تعاظمت ، وأصبح مبعث فخر للأمة الإيرانية ، بحيث باتت تصل إيران لمصاف الدول العظمى.[1]
أعلنت طهران صراحة ” إيران ستستخدم كل أسلحتها في حربها ضد أعداء الثورة ؛ بما فيها الالكترونية “ [2]، ” وأضاف بأن لدى الجمهورية الإسلامية الحق المشروع لمواجهة المتربصين بها ، وذكر قائد قوات البسيج العميد محمد رضا نقدي صراحة بأن إيران لن تتوانى في توجيه سلاحها بما فيه الالكتروني ضد القوى ، التي تستهدف المستضعفين في اليمن ، في اشارة واضحة للسعوديه “[3]. وهو ما قامت به إيران فعلا ضد السعوديه مؤخرا من خلال اختراق العديد من المؤسسات ، وسرقة أكثر من نصف مليون وثيقة ، ونسب ذلك للجيش الالكتروني اليمني ، الغير موجود أصلاً. هي إذا حرب السايبر المقدسة الجديدة التي تخوضها إيران ضد دول المنطقة ، مستهدفة البنى الإلكترونية للدول التي تصنفها عدوة . أعقب ذلك إعلان إيران المتكرر إلى تمكنها من توظيف هذه الحرب من أجل السيطرة على أهّم وأكثر الطائرات الأميركيّة بدون طيّار ،وأعظمها كلفة عبر توظيف تقنيات متقدمة، ونقلت وسائل الاعلام الإيرانية تصريحات إعترفت بقدراتها في هذا المجال .[4]
في هذا الاطار اعترفت إسرائيل ” أنّ الإيرانيين يملكون سجلاً حافلاً من الانجازات في مجال الحرب الإلكترونيّة، حيث تمكّنوا من تحقيق انجاز وصفه بالمذهل-على حد زعمهم – تمثل في إبطال عمل هيئة القيادة التي تتحكم في تشغيل وتوجيه الطائرات بدون طيار الأميركيّة العاملة في العراق، مع العلم أنّ مقر هذه الهيئة موجود في قاعدة عسكرية داخل الولايات المتحدة، ونقلت وسائل الاعلام الإيرانية اعتراف اسرائيل أنّ أيّ حرب إلكترونيّة تُشّن على الكيان الصهيوني يُمكن أنْ تُحدث أضرارًا إستراتيجية أخطر بكثير من مجرد المسّ بذلك ، بل يمكن أن يمتد للقطاع البنكي من خلال استهداف بطاقات الائتمان، واعتبرت هذه الحرب الإلكترونيّة هي أمر دفاعي مشروع ، وأنها من أبرز ثمار ثورة تكنولوجيا المعلومات والإنترنت الذي حقق شباب الثورة المجاهد “. [5].ومؤخرا كرر القائد العام لقوات حرس الثورة الاسلامية اللواء محمد علي جعفري الحديث عن الحرب الالكترونية ، معتبراً إياها بأنها من أبرز انجازات الأعمال الكبرى التي طورتها إيران ، مشيرا إلى ضرورة إحتياجه إلى ادارة جهادية، ومؤكداً في الوقت نفسه على رسالة الحرس الثوري يتصدى ، الذي بات من أبرز إهتماماته التصدي لجميع التهديدات العسكرية والناعمة ؛ خاصة في مجال الحرب الالكترونية ، حيث أكد على توقع إيران المستمر والدائم لمثل هذا النوع من التهديدات الخطيرة ، وأن الجيش السيبري الافتراضي ، قد أعد العدة للوقاية منها واحباطها، وهو المنتظر من الحرس الثوري. واضاف، ان التهديدات الناعمة تشكل القسم الاكبر من التهديدات الموجهة للثورة الاسلامية ،لذا فان الاهتمام بالقيم المعنوية ، وتأثيرات حرب السايبر كعنصر اساس ، يعتبر من المهام والواجبات المهمة المناطة بقوة الحرس الثوري ، والتي تحظى باهمية بالغة.[6]
أدركت إيران إلى أن مصلحتها بهذا الخصوص لا بد أن ترتبط ارتباطا وثيقا من خلال التركيز على بعدين : الأول : بناء القدرات الذاتية . الثاني : أن الاعتماد على الأصدقاء والاستفادة منهم ؛ خصوصا مع روسيا ، والاستعانة بخبراتهم ؛ وتحديدا في أمن المعلومات، وحماية مرافقها ، لا يمكن أن تدوم أولا ، ولا يمكن الوثوق بها دوما ، وبالتالي يجب تطوير قدرات وبرامج البرنامج الفضاء الافتراضي الإيراني من خلال الاعتماد على الذات أولاً وأخراً.لكن ما هي قصة الجيش السايبري الإيراني “ارتش سایبری ایرانIranian Cyber Army” ، وكيف تشكل ؟ ماهي أسباب تشكيله ؟ كيفية تنظيمه ؟ أبرز مهامه ، وكيف توظفه إيران لحروبها ضد العالم العربي ؟ .
تسمياته
يطلق عليه الإيرانيين عدة تسميات :
“ارتش سایبری ایرانIranian Cyber Army”، الجيش السيبرى المؤمن ، الفيلق السايبرى المجاهد ، الجيش الألكتروني .وكلمة مجاهد ومؤمن لها مغزاها ودلالاتها .
الخطوة الأولى : تشكيله وتنظيمه
بداية هناك حالة تعتيم كبيرة على هذا الجيش ، حيث هناك ندرة في المعلومات حوله ، وما يتم تداوله ونشره لا يعدو كونه ترجمات عن مجلات غربية.
الأسباب والدوافع
كانت البداية الحقيقية للاهتمام للنشاط المتمثل بتشكيل كتيبة الحرب الالكترونية قد عهد فيها للجيش الإيراني، لتكون إحدى أذرعه ، ثم تم نقل الملف بشكل كامل إلى الحرس الثوري بأمر مباشر من المرشد علي خامنئي بحجة خطورة ما تواجهه إيران نتيجة للحرب الألكترونية ، خصوصا مع ااتطورات التي تمت في البرنامج النووي ،الصاروخي، والفضائي الإيراني . ومع تصاعد وتيرة ما تواجهه إيران على الصعيدين الداخلي والخارجي الإيراني ، وطرح شعار “ارتش سايبري ايران متعلق به سپاه پاسداران انقلاب اسلامي است ” أن الجيش الفضاء الإفتراضي الإيراني سيكون مرتبطا ًبالحرس الثوري الإيراني “[7]، وهذا يشير لتنامي وقوة تأثير ما عانت منه إيران ، وقطاعاتها الحساسة ؛ لاسيما برنامجها النووي ، نتيجة للهجمات الإلكترونية التي تعاظمت وتطورت بشكل كبير، وإستهدفت العلماء والفنيين العاملين في هذا القطاع ؛ هذا عدا عن عمليات الاختراق والتجسس التي تعرضت لها القطاعات العسكرية والأمنية الإيرانية .
ركز الحرس الثوري الإيراني على ضرورة تبني استراتيجية عاجلة لإعادة بناء هذا الفيلق المؤمن بصورة جديدة من خلال توظيف واحتضان الكفاءات العلمية التي تمتلك القدرات والخبرات ؛ خصوصا أن إيران تمتلك من الموارد البشرية العلمية في الجامعات ومراكز الأبحاث لهذه الغاية ،مع ضرورة بناء مركز متخصص للتأهيل و التدريب ، والاهتمام بمنهجية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى بهذا المجال ، مع إيلاء الروح الوطنية والثورية ، وأهمية استقطاب الفئات التي لديها من الولاء والانتماء ، وأهمية تبني الحرس الثوري لإستراتيجية التحفيز عن طريق الاغراء بالامتيازات والواتب ، لعمليات التجنيد في هذا القطاع .
قبل سبع سنوات نشرت بعض وسائل الإعلام الإيرانية إعلانات للحاجة إلى تجنيد أعداداً كبيرة وغير محدودة من التخصصات الخاصة بعلم الحاسوب بفروعه وإختصاصاته المختلفة ، وركزت هذه الإعلانات على المزايا الخاصة والكبيرة لهذه الوظائف ، مع إعطاء إمتيازات خاصة ، وغير مسبوقة للمتفوقين من الخريجين[8]، وعممت هذا الاعلان على الجامعات الإيرانية[9].كذلك تم عقد مسابقة على مستوى ايران لاستقطاب المبدعين في علم الكمبيوتر ، وتم استقطاب 10000 شخص مميز، ومبدع في هذا المجال ، بميزات ماديه ممتازه ، وبهذا تمكن الحرس الثوري باستكمال انشاء نواة ما يعرف “بالفيلق الالكتروني المؤمن “،حيث كان في السابق ضمن ما يعرف بادارة الحرب الالكترونية التابعة للجيش الإيراني .
الخطوة الثانية :إيران تعيد تشكيل وهيكلة المجلس الأعلى للفضاء الإفتراضي وتدمجه مع برامج حيويه أخرى[10]
بات مشروع الفضاء الإلكتروني الإيراني واحداً من أهم القطاعات بالنسبة لإيران وتقدم خلال السنوات الاخيرة ، حيث قامت بانتهاج سياسة الدمج بين المؤسسات والهيئات العسكرية والمدنية المختصة بالمجال الفضائي والحروب الالكترونية. ولعل اطلاق الاقمار الإصطناعية، وتعزيز قدرات الاتصال ،والقطاع الإلكتروني من أبرز ما حققه هذا القطاع لتعزيز قدراته .
1- من صيغة الإعلان والتشكيل ، يبرز الدور المناط بهذا المجلس ، والذي يبدو تنظيماً بالأساس ، لكنه تعدى هذا الدور بالأساس .
2- الهيئة المكونة للمجلس تعود للتيار المحافظ الذي يسيطر على مقاليد الأمور في إيران ، ولا توجد هناك أية أسماء إصلاحية على الإطلاق من خلال استعراض الأسماء والنخب التي تشكل منها هذا المجلس .
3- المثير في موضوع الهيئة والملفت هو أن المجلس تم اختياره على أسس سياسية ووظيفية اعتبارية ، وتم تعزيزه بعدد من الفنيين و المختصين بالشأن الفضاء الالكتروني ، التقني ، وتم التكتم على العلماء العاملين ، وفي تقديرنا أن ذلك يعود لعدة أسباب :
أ- أغفل المجلس ذكر أسماء الاختصاصين المؤهلين لهذا المجلس من التقنيين ، وأصحاب الاختصاص لأهداف مخابراتية صرفة ، خاصة أن إيران حريصة على عدم إعطاء معلومات عن علمائها ، حيث أخذت عبرة مما جرى بعد اغتيال أحد علمائها المشرفين على هذا القطاع -مجتبى أحمدي قائد برنامج الحرب الإلكترونيّة في إيران – وقد تم اتهام أجهزة استخبارات غربية وإسرائيلية ، باغتياله.
ب-أوكلت مهمة إدارة المؤسسة إلى أذرع المرشد المهمة، بإشراف ُمباشر من الحرس الثوري الإيراني، حيث شملت إدارة المركز ممثلين للمؤسسات التالية : أجهزة الأمن والمخابرات : وتشمل : وزير المخابرات ، قائد الحرس الثوري ، قائد قوات الأمن الداخلي ، بالإضافة إلى وزارات تقنية كوزير العلوم والأبحاث والتقنية .
السؤال المهم : لماذا تم انشاء المجلس الأعلى للفضاء الإفتراضي ، في تقديري أن ذلك يعود لعدة أسباب :
أسباب داخلية إيرانية ، وهي متعلقة :
1-أسباب سياسية لتجريد رئيس الجمهورية من السيطرة المباشرة عليه ؛ تحسباً من الإدارة الاصلاحية ، والخشية منهم ، على الرغم من أن هذه التغييرات كانت في عهد الرئيس المحافظ ” نجاد ” ، ومحاولة تركيز إدارة الفضاء وبرامجه بمرشد الثورة فقط ، حيث إستجدت تطورات سياسية داخلية قضت بضرورة إنشاء مجلس مستقل ومتكامل لإدارة الأبحاث في مجالات الفضاء والتقنيات المتعلقة به، بحيث تكون تابعة بشكل مباشر للمرشد ، بدلا من وكالة الفضاء الإيرانية (سازمان فضایی ایران) التي كان يرأسها سابقا رئيس الجمهورية ، وبالتالي هذه الخطوة أسهمت في تجريد رئيس الجمهوريه من سيطرته على هذه الوكالة التي تعنى ، بمجالات خطيرة وحساسة، حيث تتضمن الاستشعار عن بعد والتطوير في قطاعات شبكات الاتصالات، المعلومات ، الحرب الالكترونية ، وتقنيات الفضاء .
2- أسباب تقنية متعلقة بتطوير برامج إيران في مجال التسلح ، الالكترونيات ، وعلوم الفضاء ، حيث برزت تطورات قضت بتكاتف مختلف جهود ، موارد ، مؤسسات الدولة في هذا المجال ، حيث قامت الوكالة سابقا بعمل المشاريع التالية :
أ- أنشئت الوكالة أداة الإطلاق للقمر القمر الصناعي ، وقد طورت منظومة الصواريخ الإيرانية ، قصيرة ومتوسطة المدى ، وحتى البعيدة ، التي عانت من مشاكل تقنية ، وهي بحاجة إلى مزيد من التطوير ، وبالتالي فإن إنشاء المجلس الفضائي ، سوف يسهم في حشد مختلف الجهود لمحاولة تطوير منظومة الصواريخ بعيدة المدى ، وبناء المنظومات الرادارية ، ومنظومة الاتصالات ، التعقب ، والرصد القادرة على الاختراق ، التشويش ، اجمالا سوف يكون المجلس غطاء لتطوير البرنامج الصاروخي برمته ، والطائرات المسيرة بدون طيار ، وبرامج الفضاء والتجسس، بحيث تتكامل قطاعات الدولة وأذرعها في هذا الجهد .
ب-نجحت الوكالة سابقا في إطلاق أول قمر صناعي هو قمر سينا 1، والذي أطلق على يد الروس أكتوبر 2005 على متن المركبة كوسمو 3، وذلك يجعل إيران الدولة 43 التي تطلق أقمارها، وفي 2 فبراير 2009 أعلنت إيران نجاح عملية إطلاق أول قمر إيراني الصنع أوميد. الذي يعتبر الأخطر -حتى الآن- حيث تغلب عليه طابع الأقمار الصناعية الجاسوسية فهو يعمل الاتصالات العسكرية لخدمة الحرس الثوري الإيراني وقد أطلق في شباط 2009م. وهناك أيضا مشروع لتدشين قمر صناعي عسكري باسم طلوع ، إضافة إلى سلسلة أقمار مصباح ضمن سلسلتها1 و2 و3 هي أقمار صناعية لا تتوفر الكثير من المعلومات حولها ، لكن مصباح 1 قمر متطور للتجسس ، هذا القمر الذي سيطلق في المدار الأرضي المنخفض هدفه الأول جمع البيانات العسكرية والاستخباراتية بالمنطقة، وحسب الأرقام المعلنة فإن هذه الأقمار الثلاث كلفت إيران 4 مليارات دولار حتى الآن[11]
ت- أهداف استخباراتية وعسكرية
لا شك بأن إيران سعت وتسعى -كما ذكرت سابقا – من خلال تشكيل المجلس الفضائي إلى إيجاد ادارة مركزية للبيانات والمعلومات ، وإدارة عملية التجسس الداخلي والخارجي ، واستغلت موضوع البرنامج الفضائي، و إطلاق الأقمار الصناعية لتحقيق ذلك ، من هنا باتت المؤسسة العسكرية الإيرانية تسير وفق برنامج لتطوير واستغلال مشروعها الفضائي لأغراض عسكرية. كما أن دعاية إيران بإرسال رائد إلى الفضاء الخارجي خلال العقد القادم ما هي إلا تغطية لمشاريع الصواريخ بعيدة المدى.
لاشك بأن إيران أطلقت من خلال مشروعها الفضائي قمرا لديه قدرة على استخدامات مزدوجة كالتجسس،الاختراق، جمع المعلومات ، التشويش ، الاستطلاع الفضائي ، والمسح ، وهذا الأمر سيتيح لإيران مراقبة المنشئات العسكرية في المنطقة ، وكذلك يفتح المجال لإيران في المستقبل لإطلاق أقمار صناعية أكثر تطوراً في هذا المجال.
أسباب خارجية :
لا شك بأنّ أهداف الحرس الثوري الإيراني هي التي تتصدر تعاليم و مبادئ الجيش الافتراضي ، والقائمة بالأساس على فكرة الهيمنة ، وبسط النفوذ ، ومحاولى بناء المجال الحيوي المذهبي الإيراني ، واستغلال عملية التخريب والفوضى ، من خلال مداخل الأزمات الاقليمية ، لدعم الأنظمة التي تسير في فلكها ؛ لاسيما نظام بشار الأسد الدموي ، وإدارة التواصل مع المليشيات الشيعية التي تعيث فساداً وقتلاً وتدميراً في العراق ، اليمن ، البحرين . إذاً كلها تعتبر من أولويات الجيش الإلكتروني الإيراني الذي ينفّذ حرفياً الرؤى السياسية للمرشد علي خامنئي من هنا تهتم إيران بالحرب الالكترونية باعتبار ذلك خيارا استراتيجيا واقعيا ، على إعتبار الحرب الالكترونية لا تخضع لمعايير القوة العسكرية ، نظرا لعدم وجود كلفة عاليه لها مقارنة مع تكلفة الحرب التقليدية ، هذا عدا على عدم جرأة إيران لخوض حروب المواجهة مع الدول التي تصنفها بالمعادية ، وعلى هذا الأساس هي تلجأ لشكلين من الحروب : حروب الوكالة بواسطة تنظيماتها ومليشياتها في العراق ، سوريا ، لبنان ، اليمن ، وحروب الارهاب عن طريق خلاياها النائمة التي تتوسل بها لشن عملياتها التخريبية ، والشكل الثاني هي الحرب الالكترونية سالفة الذكر .
الخطوة الثالثة : تحديد مهام جيش الفضاء الافتراضي الإيراني :
تعتبر إيران نفسها واحدة من أهم سبعة دول في العالم تمتلك مثل هذه الشكل من التكنولوجيا في حرب المعلومات ، وقد بدأت موازنة هذا الجيش ب75 مليون دولار ، وتضاعفت هذه الموازنة لتصل إلى ما يقرب من 400 مليون دولار سنويا . وقد أنشأت إيران ما يشبه بمدينة متكامله (cybercity) تتبع بشكل مباشر إلى الحرس الثوري الذي يتبع مرشد الثورة ، وقد أعطيت صلاحيات واسعه لتتبع لها وزارة الاتصالات ، وهيئة الاتصالات الإيرانية الخاصة ، وقطاع الانترنت بشكل كامل ؛ وغدت المنظم للقطاعات ، النووية ، العسكرية ، الأمنية ، الاستخبارية . واطلقت شعار “ جنگ سایبری” حرب الفضاء الالكتروني التي باتت تواجه إيران ، من جانب قوى الاستكبار العالمي ، وعملائها في المنطقة .وقسمت الحرب التي تواجه إيران في هذا المجال إلى :
الحرب العسكرية والاستخبارية لإختراق إيران حرب الاختراق وجمع المعلومات عن القطاعات الحيوية والحساسة التي تمثل عصب الدولة الإيرانية، ومحاولة تغيير المعلومات ، وتشويهها . الحرب النفسية ، ودعم عمليات التخريب ودعم المعارضة لإستهداف الثورة . الحرب الاعلامية بأشكالها المختلفة . الحرب الاجتماعية ، الثقافية ، الاقتصادية، والتجسس الصناعي الحرب على النخب السياسية ، العسكرية ، الأمنية ، ورجال الدين ومراجع التقليد .
أما مهام المجاهدين في قطاع الجيش الفضائي المؤمن :
دراسة هويت المهاجم ، أهدافه ، وتحديد مكانه . تحديد طبيعة الهجوم وكيفية القيام به ، أدواته ، ووسائله دراسة تقييم لآثار ونتائج الهجوم وضع تصور لكيفية الرد عليه بصوره مؤثرة تردعه عن اعادة الكرة مرة أخرى .
أهدافه
تم تحديد أهداف ومهام الجيش الالكتروني من خلال بعدين :
الداخلي : حماية المنشآت والمرافق العسكرية ، الأمنية ، الحكومية من الاختراق ، والتجسس والقرصنة والتلغيم للأجهزة والمنظومات الحاسوبية على مستوى الافراد والمؤسسات والدول وكيفية الحماية منها، وبالتالي تجنب المخاطر المترتبة على ذلك .خصوصا بعد الهجوم الفيروسي الامريكي الاسرائيلي على المنشآت النووية في مفاعل بوشهر” ستاكسنت” ، والتجسس الكترونيا على العلماء النوويين، مما سهل اغتيالهم . وهناك أهداف أخرى مثل : التعقب الالكتروني ، الرصد ، المراقبة لكل ما يتعلق بالسوشال ميديا بجميع أشكالها :التجسس الداخلي على المعارضة ، وتعقب الاتصالات ، مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي ، الاختراق الالكتروني بكافة مستوياته ، وقد نجحت إيران بشكل كبيرفي مواجهة شرائح التيار الاصلاحي والمعارضة إجمالا ، وتمكنت بسهولة من تحطيم القدرة التقنية للحركة الخضراء والمعارضة في إيران[12] حيث ركز جيش السايبر الإيراني على استهداف أنشطة الحركة الخضراء المعارضة التي تزعمها المرشح الإصلاحي مير حسين موسوى ، ومحاولة عزلها وتفكيكها ، ورصد أنشطة النخب المعارضة ، ومحاولة تقطيع أوصال التواصل بين أعضائها داخل إيران ومؤيديها خارج إيران من جهة، والتواصل مع العالم الخارجي ، والتجسس على وسائل التواصل الاجتماعي ، مما مكنها من اعتقال وتصفية نخبها ، قياداتها ، وإستهداف المتعاطفين معها [13]، مما الحق بها ضررا كبيرا على الصعيد التنظيمي ، والبشري .
الهدف الخارجي : التجسس والتخريب الالكتروني ، ومساعدة الحلفاء .
مساعدة نظام بشار الأسد لقتل الشعب السوري
قدمت إيران هذه التقنيات لسوريا لمحاربة المعارضة ، واستهداف الشعب السوري بكافة فئاته ، ونجحت في رصد اتصالات الصحفيين الغربيين ، وشبكات التجسس ، وحماية البنية الالكترونية للنظام السوري ، مما سهل عملية القبض على المعارضة ، وتنفيذ عمليات الإغتيال والتخريب . حيث ساعد الجيش السايبري الالكتروني الإيراني جيش النظام السوري من خلال المساعدة في تقديم التقنيات الإلكترونية شديدة التعقيد ، وارسال العناصر البشرية التي ساهمت في السيطرة على متابعة المعارضين السوريين ، ومحاولىة التشويش عليهم في بداية الحراك الشعبي السوري البطل لقطع كل ما يتعلق بها من أخبار يمكن نقلها إلى خارج سوريا ، ثم ساعدت نظام بشار الأسد إلى التجسس الداخلي على المعارضة ، وتعقب الاتصالات ، مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي ، الاختراق الالكتروني بكافة مستوياته ؛ وقد قدمت إيران هذه التقنيات لسوريا لمحاربة المعارضة ، ونجحت في رصد اتصالات الصحفيين الغربيين في حمص ( منطقة بابا عمرو ) مما سهل اغتيالهم ،وقد برز ذلك جليا من خلال دعم إيران منظمة القراصنة للجيش السوري الإلكتروني SEA الذي أصبح عاملا مؤثرا في إحداث حرب نفسية من خلال ممارسات مليشيات الجيش السوري ، ومذابحها ضد الشعب السوري الأعزل .
كذلك قامت إيران بتعزيز المنظومة الإلكترونية لحلفائها من أجل توسيع وتعزيز قدرات الحرب الإلكترونية لحليفاتها مثل حزب الله اللبناني والحوثيون في اليمن والحكومة المركزية في بغداد، جميع المؤشرات تشير إلى أن الإيرانيين يحاولون إنتاج منظومة ناجعة من الوكلاء الذين يعملون لصالحهم في المجال الإلكتروني .
مجلس الفضاء الافتراضي والأزمة السورية مدخلا للتجسس على دول المنطقة
“الأردن ، السعوديه ، تركيا نموذجا”
لا شك بأن الأزمة السورية سوف تكون مدخلا مهما لتوريد وتدفق التقنيات الإيرانية في علوم الفضاء بحجة مساعدة النظام السوري لمحاربة الارهاب .
المعروف أن من اهم الخطوات التي قطعتها شركة الصناعات الجوية والفضائية الايرانية تصنيع طائرات بدون طيار وبمواصفات دولية تختلف مساحة تحركها باختلاف نوعية المهام الموكلة اليها بدءا من طائرة فراز2 الخفيفة والتي يمكن تجميعها وحملها في حقيبة يدوية ولا تتعدى سرعة محركها التسعين كليومترا في الساعة وتحلق في ارتفاع ثلاثة آلاف قدم ولثلاثين دقيقة وصولا الى طائرتي صاعقة 2 ومهاجر 2 بدون طيار المتطورتين حيث تبلغ سرعة تحليقهما (250 كم/ساعة) وفي ارتفاع 11 الف قدم ولفترة تسعين دقيقة، وبامكان هاتين الطائرتين القيام بمهمات تصويرية واستكشافية ، كانت إيران تستخدم هذه الطائرات لمراقبة الغابات والحدود وخاصة قوافل تهريب المخدرات التي تتسلل عبر المناطق الحدودية في إيران ، إضافة إلى مراقبة الخلايا والتنظيمات الارهابية ، خاصة أنها حققت نجاحات في ضرب حركة معارضة إيرانية ، وفي مقدمتها جند الإسلام ، وحركة مجاهدي خلق ، وحتما ستستخدم مثل هذه التقنيات بعد تزويدها لسوريه ، لمساعدتها ولتخفيف الضغط عنها ، لمراقبة الحدود الأردنية خوفا من إدخال السلاح إلى سوريا ، ولدى هذه الطائرات قدرات على التنصت والتشويش ، والرصد ، مما يهدد الأمن الأردني، السعودي ، التركي ، هذا عدا عن تقديم إيران لنظام الأسد لتقنيات الكترونية في مجال الرصد ، التشويش ، الاعتراض ، مما يمكنها بسهولة من تهديد أمن دول الجوار “السالفة الذكر” المحيطة بسوريا .
عاصفة الحزم والحرب الإلكترونية على الدول الخليجية لا سيما المملكة العربية السعوديه
أعلنت طهران صراحة ” إيران ستستخدم كل أسلحتها في حربها ضد أعداء الثورة ؛ بما فيها الالكترونية ” [14]، ” إن لدى الجمهورية الإسلامية الحق المشروع لمواجهة المتربصين بها ، وذكر قائد قوات البسيج العميد محمد رضا نقدي صراحة لن تتوانى في توجيها سلاحها بما فيه سلاحها الالكتروني ضد القوى ، التي تستهدف المستضعفين في اليمن ، في اشارة واضحة للسعوديه “[15].واستطاعت فعلا النجاح في هذا الموضوع من خلال الدخول إلى مواقع سعوديه وسرقة بيانات ووثائق منها، وتمكنت أيضا من الوصول لصحف ووسائل اعلام تابعة للسعوديه ، ولدول خليجية تعتبرها إيران معاديه .
هل يمكن توظيف قدرات ما أصطلح عليه بالجيش السايبري
ضد المرافق الالكترونية السعوديه وحلفائها من دول الخليج ؟
بالتأكيد نعم .لكن ما هي أبرز القطاعات المستهدفة :
1-القطاع المصرفي من خلال إستراتيجية الهجوم الفيروسي لتدمير قاعدة البيانات البنكية ،وهنا يمكن توظيف عملاء شيعة من سكان دول الخليج الموجوديين
داخل هذه القطاعات المهمة.
2- نشر فيروسات والدخول على قواعد البيانات المهمة لدول مجلس التعاون الخليجي ، ومؤسساتها ….ومحاولة التجسس عليها .
3- تدمير قاعدة البيانات ، أونشر اعلانات على مواقع المؤسسات الحكومية موجهه . ….
4- احتمالية اختراق المنظومة التسلحية العاملة التي توجه بموجب النظام الحاسوبي الالكتروني .
4- الدخول إلى قواعد التحكم لمنشأة الدولة الحساسة في قطاع النفط ، تحلية المياه ، المطارات ، القواعد العسكرية ، المؤسسات الأمنية ….
5- سرقة بيانات ومعلومات مهمة
6- التجسس على الأجهزة الحاسوبية المسئولين العسكريين ، والأمنيين ، السياسيين ….
7- توظيف هذا الموضوع من خلال الاستفادة منه في قطاع الاتصالات .
يمكن تطبيق هذا السيناريو على : حالة البحرين ، الامارات ، الكويت ……
8- الأسلحة الالكترونية والتكنولوجيا الخاصة بالتجسس والرصد هل يمكن لإيران أن تغرق بها اليمن ، بالتأكيد على غرار ما قامت به في سوريا ، ولبنان ” تزويد هذه التقنيات لحزب الله ” وخطورتها بعد انهيار الدولة اليمنية المتوقع على الأمن الحليجي والسعودي مستقبلا .
نماذج “دوليه “تطبيقية تخريبية لما قام به الجيش السيبري الإيراني
كانت إيران خلف هجمات إلكترونية واسعة النطاق استهدفت قطاع المصارف والنفط بالولايات المتحدة في سبتمبر/ أيلول من عام 2013م. ووجه المسئولون الأمريكيون أصابع الاتهام نحو إيران، كذلك سيطر متسلّلون يطلقون على أنفسهم «الجيش الإلكتروني الإيراني» على الصفحة الرئيسية لأهم محرك بحث في الصين، وهو «بايدو إنك» بعد أسابيع من هجوم مماثل على موقع «تويتر دوت كوم». وقال موقع «بايدو» في بيان له « جرى العبث بموقع بايدو، ممّا أدى إلى عرقلة الوصول إليه». وتعطّل محرك البحث لمدة أربع ساعات على الأقل. ويتقدم «بايدو» على محرك البحث الأميركي العملاق «غوغل»، إذ يسيطر على أكثر من 60 في المئة من سوق محركات البحث في الصين. وأظهرت وسائل الإعلام صوراً للصفحة الرئيسية لـ«بايدو» وهي تحمل رسالة تقول «تسلّل الجيش الإلكتروني الإيراني لهذا الموقع» بينما كانت الخلفية قاتمة، ويظهر عليها علم إيران.[16]
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
المراجع
[1] (روزنامه جمهورى اسلامى ،2/ 6/ 2015)
[2] ( قائد الحرس الثوري الإيراني ، محمد علي جعفري ، روزنامه كيهان ، 17/ 4/ 2015)
[3] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 3 مارس ، 2015 )
[4] ( روزنامه كيهان ، 12/8/ 2014)
[5] (روزنامه سياست روز ، 17/6/ 2015)
[6] (روزنامه قدس الايرانية ، 13/ 6/2016)
[7] (سياست دفاعى ، 16/ 8/ 2010)
[8] (روزنامه جام جم ، سياست روز ، جمهورى اسلامى ، كيهان ، 15/ 1/ 2008 )
[9] (صوت الطلبه ، 17/ 1/ 2008)
[10] (روزنامه اطلاعات ، نامه رهبر انقلاب اسلامى ، 12/ 2/ 2011)
[11] ( نبيل العتوم ، البرنامج الصاروخي الإيراني ، دراسة علمية ، موقع قناة الآن ، 2013).
[12] (سایت موج سبز هک شد» (فارسی). خبرآنلاین، ۲۵ آذر ۱۳۸۸. بازبینیشده در ۱۱ بهمن۱۳۸۸)
[13] جزئیات نحوه هک شدن توئیتر توسط هکرهای ایرانی». خبرگزاری فارس، ۲۸ آذر ۱۳۸۸. بازبینیشده )
[14] ( قائد الحرس الثوري الإيراني ، محمد علي جعفري ، روزنامه كيهان ، 17/ 4/ 2015)
[15] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 3 مارس ، 2015 )
[16] (http://www.al-akhbar.com/node/59628)
وسوم: العدد 632