حسن الأدب مع المصائب
معمر حبار
زرته في بيته للمرة الثانية، وكان الاستقبال الحار، والضيافة العربية. وكل من يدخل بيته، يلمس طاعة الابن لأبيه، فهو لايقدم على أمر ، إلا بعد يستشير أباه، ولا يرد له طلب، ولاتسمع إلا .. أبي تفضل، أرجوك أبي، من فضلك أبي، سأعود أبي.
تبدو عليه ملامح العيش الرغد، من خلال مااحتواه البيت. ورغم ماأوتي من رتبة عالية تعلو كتفيه، ومكانة مرموقة في المجتمع، إلا أن الأدب العالي، والسلوك الغالي، يميّز أقواله وأفعاله.
دخلنا بيت الضيافة على حين غرّة، لأنه لم يكن ينتظر زيارتي، خاصة وأن المحمول كان معطل، وباءت كل محاولات إعلامه بالزيارة بالفشل.
طفل في 14 من عمره، حين تراه ممدودا يخيّل لك لأول مرة، أنه في الثانية من عمره .. لايتكلم، ولا يتحرك، ولا يستطيع الابتسامة، يقول عنه الأب ..
أنفقت ثروتي من أجل شفاءه، ولم أستطع. وينقل عن الأم قولها، ياليته يتحدث كالأطفال. وكلما عرضت عليه فكرة أو رأيا ، بشأن علاج ابنه إلا وأجابك، لقد جرّبت ماقلته لي مرات عدّة. ثم يختم الجلسة بقوله .. لايوجد سبيلا إلا سلكته، ولا طبيبا إلا قصدته، ولا دواء من دواء العجم والعرب، إلا اشتريته واقتنيته.
بينما أنظر وأعيد النظر، للطفل العاجز عن الحركة والنطق والابتسامة، غلبتني دمعة، فأخفيتها عن الأب، وقلت يانفس .. يكفيه مايعانيه، فلا تزيدي الجرح دمعا.
وبعد أن استرجعت قواي، المتأثرة من المشهد، قلت للأب بلغة المؤمن الواثق ..
إن الله منحك ماتتمنى، جرّاء إعاقة هذا الطفل الممدود. واعلم أن المصائب التي كانت ستنزل عليك، وتدمرك وتدمر ماصنعته، وأفنيتك عمرك لأجل ماشيّدته، قد صدها ربك، بفضل هذه الأمانة الممدودة بين يديك، فحافظ عليها، وادع الله أن يوفقك، لأداء حقّها وحقّ من كلّفك برعايتها وصونها.
من أسرار البلاء، أن الله يعطي بعض عباده كل شيء، ويحرمهم شيئا واحدا، حتى أن العبد يدعو ربه .. اللهم خذ كل شيء، وأعطيني المفقود.
ويحرم بعض عباده كل شيء، ويعطيهم شيئا واحدا، حتى أن العبد يدعو ربه .. اللهم أعطني المفقود، وخذ كل شيء.