الاقتتال في لجّة الموت.. جنون أم انحطاط؟
بعد شلالات الدماء ، وبعد الدّمار، والتشرّد، والمآسي التي تجاوزت صورها صورالمنطق فأوغلت فيما لايمكن لعقل سويّ أن يتخيّله، فضلاً عن أن يتقبّله..
بعد كل هذا، مانزال ندور حول السؤال الممجوج الممقوت المقرِف: لماذا لا نتّفق!
آلاف الصفحات كُتبت، وملايين الصيحات أُطلقت، تسأل عن أسباب الخلافات بين السياسيين وبين العسكريين، وبين العاملين في المدارس والروضات، والعاملين على تأمين الدراسات الجامعية لأبنائنا.. بل وصل الأمر إلى المنافسة ، والصراع أحيانا على توزيع البطانيات و السّلّات الغذائية على المنكوبين المشردين من بيوتهم..
أي جنون أعظم من جنون العاقل الراشد الذي يعرف أن أبسط قواعد المنطق السليم هي في التعاون على تجاوز المحن الطارئة، ثم يعمل جاهداً على التفرّد والمنافسة والصراع مع الآخرين الذي يعملون في المجال الذي هو فيه..من أجل أن لايبقي منهم أحداً يواجه التحدّي سواه هو؟. هل هناك عقل سليم على وجه الأرض يقبل هذا؟. هل أوصلتنا أسئلتنا وتساؤلاتنا إلى أن ما نفعله في أنفسنا ليس وراءه جنون مطْبق أوغباء مستحكم؟.
إذا لم يكن هذا جنوناً ولا غباء، فما هو؟
هل هو مستوى من الخسّة والنذالة والأنانية انحدرت إليه النفوس فعميت معه العيون فما عادت ترى ما يجري، وعميت معه البصائر فما تدرك المصير فيما يجري؟
أن يعمد أحد من الناس إلى الاستحواذ برغيف خبز ويترك من حوله تضورون جوعاً، أمر يقبله العقل، وإن كانت النفس تأنفه. وأن يسعى أحد للنّجاة بنفسه ويترك من حوله يغرقون وهو قادر على إنقاذهم أمر يمكن للعقل أن يتخيله بحكم حالة الاضطراب التي تفقد الإنسان رشده فلا يعود يرى سوى نفسه . لكنْ، أي عقل يقبل أن يقتتل الناس فيما بينهم من أجل أن يواجه كل واحد فيهم الموت وحده؟
هل يجب علينا أن نفحص عقولنا لنعرف سرّ اللوثة التي أصابتها، أم يجب أن نفحص نفوسنا ، قبل ذلك، لندرك مدى الانحطاط الذي وصلت إليه وهل تتقاتل من أجل الفوز بمواجهة الموت؟. لانلوم أحداً، مهما فعل بنا، غير أنفسنا.. كل الدنيا أعداء لمن هو عدوّ نفسه.
وسوم: العدد 632