الطينة اللزجة

ألملم نفسي وألوم يومي وفهم الأيام الحاضرة يزدارد مرارة .تتاباطؤ  الدقائق وتتمطى الثواني ويتثاءب الزمن فكأن الذي يمشي على الأرض في بلدي

ليس كائنا يذكر!

في حصاد عمر الشعوب لا يوجد من يلوذ او يُلاذ به . أسعى كغيري والأمر يتربع في بلاط شائك وسطح ساخن .الطريق مرسومة بالآهات والترهات

والمخالب في كل مكان إلا من رحم ربي .

هذه هي حياتي قالها رجل سكن المقهى كما وكيفا يتلصص على صحيفة من يجلس الى جانبه . ومرة ومرات يستحي منه صاحب الصحيفة فيدفعها إليه

وتتكرر المشاهد بين الجالسين . 

أتعجب منه فهو صامت إلا من من نداء النادل ليحضر له كأس الشاي أو فنجان القهوة.

فنجان قهوتي ببخاره المتألق في الهواء وفي قاع إدماني يزداد لعله يحكي كل يوم حكاية أو ينشد شعرا أو يصمت بخبث.

خرجت من مكتبي هذا المساء على غير هدى لا ألوي على شئ سوى سهومي وشرود فكري بعد انتهاء عملي وإحالتي على التقاعد إنها مناسبة غير

عادية لا تحمل حزنا ولا فرحا بل بركة أفكار متلاطمة تحت االمركب المهترئ من حياة التقاعد.

أولادي بعد هذا العمرثلاثة أكبرهم حاصل على الماجستير في علم المعلومات ويتسكع في الشارع لا ليبحث عن عمل بل ليقول لماذا أنجبتني يا أبي ؟

والثاني هاجر للخارج ويعمل في مطعم بأجر لا يكاد يغطي مصاريف أسرته في بلدتنا الصغيرة .والثالث ترك الدراسة لعجزي عن دفع أقساط المدرسة

الأهلية وا عجبي من الحزن الممتد من غروب الشمس الى شروقها والى ضحاها ومساها .

عندما كنت في الثانوية حصلت على وظيفة مدقق في إحدى الصحف اليومية بدوام من السادسة مساء حتى منتصف الليل ودخلي كان يكفيني وأدفع

منه لوالدي ليرعى بقية أخوتي البنات الثلاث .والحصول على الوظيفة بعد التخرج لم يدم إلا شهرا واحدا وكنت بعدها موظفا في دائرة حكومية عن

طريق المسابقة النزيهة وقد توافرت الفرص للجميع .

زمن الغرائب المثلوب يتهاوى كل يوم والدهر يسير مربوطا بحبال أصحاب الواسطة بيعا وشراء . ويتعارض مع تطلعاتنا وأحلامنا 

ما نحن فيه طريق متعوسجة وصخرية الجوانب كثيرة المصاعب كيف لا والكل يشكو والكل يتأوه ويحكي قصص الآهات عاشها أو سمع بها.

السفينة بربانها والأمم بحكامها والبحر (بحر الحياة واحد)

لي صديق جاء مكتبي يوما ليطلب عملا فوعدته بسؤال بعض أصحاب العمل فرأيت على وجهه كلمات مرسومة بحبر أسود وأخرج علبة السجائر

الفارغة متظاهرا بأنها ملأى أو أنه نسي الجديدة في البيت , وسرعان ما طلبت من المساعد شراء علبة سجائر له ولما عاد وضعتها في ظرف وفيه

عدة أوراق نقدية مما تيسر وجودها في جيبي , ثم تأبطت ذراعه قائلا دعنا نذهب لمطعم قريب 

ها أنذا أقرأ شريحة من كرام الناس ومن أصحاب الشهادات يتسكعون في الشوارع لا يلوون على شئ عجبي ثم وا أسفاه .

 أولادي الثلاثة يعملون في شركات ولا تنفعهم شهاداتهم بل عضلات شبابهم . ولا تكفي رواتبهم مصاريف أسرهم لولا ما يتوسلون أمهم لتضغط

علي وتعطيهم ما تجده في محفظتي .هل أصيح وإن صحت فمن يسمعني وإذا كتمت أخذوني لطبيب نفسي .

الأب مهزوم دوما في هذا العصر وقد تكالبت عليه الهموم بالمعلوم واللا معلوم, وباللامفهوم وإن الساعات تتراكض معاكسة بعضها بعضا .وأنا محتار

أهرب من ليل بلا نهار لأعيش في درب شبه مستدير أطحن فيه نفسي وأخبز همي وآكل مر غمي .لم يتعب والدي بنا وأنا محتار بتسكع أحفادي

ولجاجة أمهاتهم .

ماضي الأيام كان مفتوحا وسمحا وحاضرها يتلمظ ويتنهد متحسرا علينا 

فرحنا بالفضائيات لمدة وجيزة وما لبثت أن امتلأت بالأخبار المحزنة والمؤلمة  والقتل في الشوارع شاع في بلدان عديدة والمؤتمرات كثرت ولم 

نشاهد سوى أجسام الزعماء يصطفون كتلاميذ المدارس أمام عدسات التلفاز والكثير منهم يصرح بوعود معطرة بالمخدر عن المشاريع والبنود

المغرية وما يلبث العالم إلا أن تصدمه المناوشات والحروب الحدودية والسيارات المفخخة والضائقة الإقتصادية ووو لكن العالم انقسم الى زوايا 

محدودبة عرجاء وكتل أممية بين العالم الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع أي أن التمييز العنصري كان بين الأفراد ثم شمل الشعوب السعيدة

والشعوب التعيسة والشعوب المستعمرة 

مظاهرات الماضي كانت مهذبة ترفع شعارات وتسير صامتة ثم انقلب الأمر وما لبثنا أن رأينا المتظاهرين يتراشقون بالحجارة والبيض الفاسد

ثم انتقلت لنهب المحلات وتكسير واجهاتها وحرق البيوت أو هدم المساجد والكنائس ثم حلت الأزمات الإقتصادية ونقص المخزون الغذائي ليشمل

شرائح المجتمع غير الحريري في أصقاع الدنيا .

وتفاقمت العنوسة شبانا وصبايا مما عطل النمو في الدول الناشئة وتباطأت عجلات التحضر الى الركود العام ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وتناسليا

ما ذكرته آنفا من معطيات تكدر النفوس وكانت الطينة اللزجة التي انزلقت فوقها وغاصت في وحلها كل ألأسر فتعاظمت العنوسة وجرت وراءها

مشكلات تتوالد يوميا حتى عمت العالم والآتي أظلم 

وإذا عدت الى خصوصية حياتي وجدت نفسي حجرا صغيرا في قاع هذه الأنهار من الحوادث المتلاطمة والمتلاحقة حتى أن الفضائيات لم يعد

عندها متسع للمواضيع الإجتماعية والثقافية سوى الحوادث المؤلمة فوا أسفاه ثم وا عجبي

وسوم: 637