العمل الأهلي الثقافي المصري في مأزق

نظمت الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة الشاعر د. محمد أبو الفضل بدران مؤتمر الجمعيات الثقافية على مدار يومي 2 و3 نوفمبر الجاري ، لكن تباين الآراء حول هذا المؤتمر الذي انسحب في يومه الثاني عدد من رؤساء الجمعيات جعل الأمل في التغيير مرتهن بتغيير السياسات وليس مجرد الاكتفاء بتغيير الأشخاص أو القيادات.

اعترض المنسحبون على تأجيل انتخابات أمانة مؤتمر الجمعيات، وقالوا إن أسباب التأجيل واهية، كما شككوا في تغيير اللائحة كي تسمح بالتجديد لأسماء معينة بهذه الأمانة.

وكشفوا عن أن من أبرز أسباب انسحابهم، تكريم أعضاء أمانة المؤتمر من ممثلي الجمعيات، وهم في الأساس، ومن واقع الأنشطة والفعاليات، لا يوجد لهم نشاط يذكر في تلك الجمعيات.

وأوصوا بعمل دورات تدريبية لقيادات الجمعيات الثقافية كي لا يتكرر مشهد التكريم العبثي لمن لا يستحق التكريم من هذه القيادات.

وقال الشاعر د. محمد الشحات محمد رئيس مجلس إدارة دار النسر الأدبية لرعاية المواهب إن أمانة الجمعيات لم تنجز شيئا على مدار ثلاث سنوات ولم تنفذ أي توصية للمؤتمر التأسيسي، والعجيب مع هذا أن تنسب لنفسها إنجازات هي في الأساس من صنع غيرها.

وانتقد "الشحات" ما أسماه  أزمة "الاتحاد النوعي للجمعيات الثقافية" مؤكداً أنه حبر على ورق.

وتساءل: هل تستوي الجمعيات الثقافية التي تدفع إيجار مقرها المستقل مع الجمعيات التي تحل ضيفة على جمعيات أخرى، وليس لها مقرات أصلا؟

 وقال إن هيئة قصور الثقافة يجب أن تكشف عواجيز العمل الأهلي وأن تعمل على تفكيك نظام "الشللية" المقيت.

واتهم رئيس جمعية دار النسر الأدبية إدارة الجمعيات الثقافية بإجهاض مقترحه الخاص بتجميع عدد من الجمعيات تحت مسمى "الاتحاد النوعي للجمعيات الأدبية وذات النشط الثقافي"، وقد تم الإجهاض ـ بحسب قوله ـ بعد تجهيز المكان والمستندات وأخذ موافقة الاتحاد العام.  

ومن جهته قال الناقد د. رمضان الحضري: كان الأمل كبيرا، خاصة بعد مجيء الوزير الجديد والذي أجرى عملية من عمليات التباديل والتوافيق الفاشلة من وجهة نظري، وللذين لايعرفون الجمعيات أقول: إن المجتمع المصري الجديد من عصر محمد علي وحتى ثورة 1952م كان يقوم على الجمعيات، وكانت جامعة القاهرة بعراقتها تابعة في نشأتها لجمعية تديرها فاطمة بنت الخديوي إسماعيل، وكان مستشفى القصر العيني كذلك.

وكان مستشفى الدمرداش يتبع جمعية ياقوت الدمرداشية، حتى استولت الدولة على هذه المؤسسات، والخيبة الكبرى أن الجمعيات التي ( تتناص ) بين وزارتي التضامن والثقافة تحولت إلى ربقة في رقاب المسئولين عنها ، بينما المسئولون في الوزارتين لا يملكون سوى أفكارا لأجنداتهم الشخصية أولا، ثم أجندات من وضعوهم في المناصب ثانيا، وثالثا: غير موجودة بالطبع .

وقال الشاعر محمد العوض: ليس هناك أى رغبه حقيقيه لمعالجة الإخفاقات وإبعاد المتلاعبين بالمنظومه الثقافيه فى مصر... ليس هناك خطط ومشاريع أكثر من المشاريع المعلبه والتى يعرفها الجميع.. ليس هناك المسؤول الواعى لمحاسبة المخطئين والمتلاعبين .. فلا تنتظر تطهيرا فى أى مؤسسه تم تعين أعضائها بالمحسوبيات ونظريات الشلليه.

وأضاف العوض: أى دولة تفتقر لمشروع ما فى أى مجال لا تنتظر منها إلا الفوضى والتلاعب وفتح أبواب التخريب والتجريف لكل ماهو حقيقى وفعال .. الثقافه فى مصر في حقيقتها وليدة أنظمة متعاقبة فاسدة أرست قواعد الفساد فى شتى جوانب الحياة حتى بات المثقف المسؤول لا فارق بينه وبين عوام الناس.. لا مسؤولية .. لا مشروع .. لا هدف ... ولن تتغير المنظومة الثقافية فى مصر إلا ببتر الجذور الفاسدة وهذا دور دولة وليس دور الأفراد.

وأشارت د. أفكار أحمد زكي إلى أن قضايا الثقافة والجمعيات وهيئة قصور الثقافة تحتاج إلى إدراك الأبعاد الحقيقية لأزمتها والرغبة الحقيقية في معالجتها. 

ولعل ما ظهر في مؤتمر الجمعيات الثقافية الذي عقد على مدار يومين من ألاعيب، وتحايل، وعدم فهم للعمل الاجتماعي الثقافي، يكون جرس إنذار قبل أن تحل الكارثة، لأن الإصرار على الخطأ والمكابرة ممن يجهلون العمل الأهلي ويصرون على ما ليس لهم حق فيه، من أخطر الكوارث على الأمم.

وسوم: 641