المكتبات في الإسلام

سمى الله تعالى قرآنه كتاباً في مواضع عديدة ، " كتاباً أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور " ، " ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين " ، " ما فرطنا في الكتاب من شيء " ، وعندما انتقل الرسول إلى جوار ربه جمع خلفاؤه هذا الكتاب بين دفتين ، فكان أول كتاب عرفه العرب وتداولوه بعد ظهور الإسلام ، ثم تنبهت الأذهان إلى الكتاب وأهميته ، ولم يكد القرن الثاني الهجري يطل حتى يظهر الموطأ لمالك بن أنس ، ثم تتالت الكتب وظهرت وانتشرت في كل علم واختصاص ، وأصبح الكتاب من التحف الغالية التي يحرص الناس على احتوائها ، ويتنافسون على اقتنائها .

عني الخلفاء المسلمون منذ فجر العصر الأموي بالكتاب وتكثيره ونشره بين الناس ، وعمدوا إلى إنشاء الخزائن التي تضم الكتب والدفاتر والسجلات ، كما عنوا بالحصول على كتب العلم القديمة لتكون مرجعاً لهم ولأبنائهم ، وكانوا يزودون المساجد الجامعة في كل إقليم بالخزائن التي تضم المصاحف وكتب العلم ، وكان كثير من العلماء منذ زمن قديم يوقفون كتبهم وأوراقهم ومحفوظاتهم على خزائن المساجد ودور العلم يتقربون بذلك إلى الله ويرجون مثوبته ومرضاته ، كما لجأ من أحب نشر العلم إلى إنشاء مكتبة يجمع فيها الكتب ، ويفتح أبوابها للناس .

كانت المكتبات نوعين رئيسيين : عامة وخاصة ، أما العامة فقد كان ينشئها الخلفاء والأمراء والعلماء والأغنياء ، وكانت تشيد لها أبنية خاصة ، وأحياناً كانت تلحق بالمساجد والمدارس ، وقد كانت هذه المكتبات كثيرة جداً بحيث كان من العسير أن تجد مسجداً أو مدرسة دون أن تكون مزودة بمجموعة من الكتب يرجع إليها الطلاب والباحثون ، أما الأبنية الخاصة بهذه المكتبات فكانت تشمل على حجرات متعددة تربط بينها أروقة فسيحة ، وكانت الكتب توضع على رفوف مشبتة بالجدران ، وكل حجرة تخصص لفرع من فروع العلم ، فلكتب الفقه غرفة ، ولكتب الطب غرفة ، ولكتب الأدب غرفة وهكذا .

وكانت الكتب توضع على رفوف مثبتة للنساخ ، وغرف للراحة وتجديد النشاط ، وغرف لحلقات الدراسة والنقاش العلمي بين رواد تلك المكتبات ، وكانت جميعها تؤثث تأثيثاً فخماً ومريحاً ، وكان في بعضها غرف طعام روادها ومنامة للغرباء منهم .

ومن أشهر هذه المكتبات مكتبة ابن سوار بالبصرة ، وهي مكتبة ذات شأن خاص ، لأن التدريس فيها عنصر هام بجوار الكتب ، أما بيت الحكمة الذي أسسه الرشيد فكانت من أعظم مكتبات العصر الوسيط ، وكانت بمثابة أول جامعة إسلامية اجتمع فيها العلماء والباحثون وأوى إليها الطلاب والدارسون .

سارت المكتبات على نظام دقيق ، كالذي قيل في مكتبة علي بن يحيى بن المنجم ، فقد كان له قصر عظيم في ضاحية بغداد ، جعله مكتبة وسماها خزانة الحكمة ، يقصدها الناس من كل بلد ، فيقيمون فيها ، ويتعلمون فيها صنوف العلم ، والكتب مبذولة في ذلك لهم ، والأرزاق مغدقة عليهم ، وكل ذلك من مال علي بن يحيى نفسه ، وكان في الموصل دار أنشأها أبو جعفر بن محمد بن حمدان الموصلي ، وسماها دار العلم ، وجعل فيها خزانة كتب من جميع العلوم وقفاً على كل طالب علم ، لا يمنع أحد من دخولها ، وإذا جاءها غريب يطلب الأدب وكان معسراً أعطاه صاحب هذه الدار ورقاً (كتباً ونقوداً) وكانت تفتح أبوابها في كل يوم .

لقد بلغت العناية بالكتاب مبلغاً كبيراً ، وأولع الناس به بصورة مدهشة ، ولعل الأدب العربي هو أغنى الآداب العالمية القديمة بالتغني بالكتاب والولع به والرغبة فيه والتحدث عنه ، حتى لكأنه حبيب نأي مزاره وشطت داره ، فالقلوب إليه منصرفة وبه مولعة ، قال أحمد بن إسماعيل : الكتاب هو السامر الذي لا يبتدئك في حال شغلك ، ولا يدعك في حال نشاطك ، ولا يحوجك إلى التجمل له ، والكتاب هو الجليس الذي لا يطردك ، والصديق الذي لا يغريك .

ومن منا لا يذكر قول المتنبي أبي الطيب

وسوم: 642