دمعة على احياء الخرطوم

تعتبر الحلة الجديدة من أقدم وأرقى الإحياء في الخرطوم، وتصنف على أنها سودان مصغر بكل ما فيه من تنوع وثقافات جامعة لكل أهل السودان باتجاهاته الأربعة، في تلاحم اجتماعي واضح. وتضم الحلة الجديدة عدداً من المواقع البارزة والمؤسسات مثل ميدان المولد، معهد الموسيقي والمسرح.. وغيرها.

والحلة الجديدة مثل سائر الإحياء المجاورة كالقوز، السجانة، الديم لم تسلم من ظاهرة تدفق العمالة الإثيوبية «الحبش» بأعداد مخيفة منهم، ويخشى البعض من أن تحدث هزة عنيفة في السلام الاجتماعي والموروث الثقافي، فقد سيطر الوافدون على مهن معينة كالعمل في البيوت، قيادة الركشات، وبعض الأعمال الحرة مثل قيامهم ببيع المأكولات والقهوة والشاي، حتى ارتبط بيع الشاي بالحبشيات. وانتشرت اللوحات الإعلانية المكتوبة باللغة الامهرية في تلك الأحياء، تاركين بصمة واضحة في الثقافة السودانية.

«الصحافة» انتقلت إلى تلك الإحياء لمعرفة مدى تأثر السودانيين بثقافة وعادات الحبش واندماجهم مع السودانيين، واثر وجودهم في هذه المناطق. وذلك من خلال جولة وقفت فيها على دلالات الوجود الكثيف للاثيوبيين.

تقول زكية محمد «ربة منزل» ان معظم السكان أصبحوا من الحبش، وهم يسكنون في جماعات «رجال ونساء» بأعداد كبيرة، وهذا الأمر غريب على العادات والتقاليد السودانية، مبدية امتعاضها من أصوات الأغاني المرتفعة ورائحة الشيشة الصادرة من البيت المجاور لمنزلهم الذي يقطنه الاحباش، ماضية في القول إلى أن الاحباش يفضلون السكن بالقرب من أماكن عملهم، وقد أدى ذلك التوجه الى ارتفاع قيمة إيجارات المنازل بالمنطقة وبلغت أسعاراً خرافية.

«إن وجود أجناس مختلفة في السودان فرصة للتبادل الثقافي»، هكذا بدأ الطالب مرتضى جعفر حديثه، وواصل قائلاً بأنه يفضل الحبش على غيرهم، ولكن اللافت في الأمر انتشارهم بصورة واسعة مما يترك آثاراً سالبة تهدد مستقبل الشاب، مشيرا الى إقبال الفتيات على شراء الزى الحبشي وانتشار الأغاني الحبشية على أجهزة المحمول وفي المناسبات.

ولم يعد المرء قادرا على التمييز بين الحبشي والسوداني للتشابه في الشكل، الزى، تسريح ومشاط الشعر، وذلك لأن بعض الشباب يقلدون دون الالتفات إلى ما هو غريب عن ثقافتهم ودينهم.

محمد علي محمد صاحب بقالة بالحلة الجديدة، قال إنه ظل يعمل ويسكن بهذا الحي لفترة طويلة، ولاحظ كغيره الأعداد المتزايدة من الحبش وأكثرهم بنات يعملن في البيوت وبيع الشاي، ويتعامل معهم بوصفهم زبائن فقط. ولكنه اعترض على الاعتقاد السائد أن الحبش مشبوهون ويعملون في الأعمال غير المشروعة، فهو «أي محمد» متزوج من حبشية ورزق منها بطفل، وأخبرنا انه واجه مشكلة اللغة في بداية الأمر.

وخلال جولتنا التقينا بـ «أثري» حبشية تعمل في بيع الشاي ولغتها العربية جيدة، فسألناها عن سبب قدومها للسودان، فقالت: إن الظروف الاقتصادية والأسرية والأعباء المالية القاهرة هي التي دفعتها إلى الهجرة، وأنها تعلمت اللغة العربية من الزبائن، ولم تحاول الاختلاط مع جيرانها بل اكتفت بأصدقائها وأبناء جاليتها.. وسألناها عن كيفية دخولها للسودان، فأبدت خوفها من الإجابة ثم قالت: إن شخصاً من أبناء منطقتها تكفل بتعريفها بشخص سوداني دبر لها الدخول إلى السودان عن طريق الشرق بعد دفع المبلغ المتفق عليه، وأنها تقوم أول كل شهر بدفع مبلغ من المال لذلك الشخص، وتسكن حالياً في الحلة الجديدة لقرب المكان من موقف المواصلات، وتستطيع الوصول بسهولة إلى أي مكان.

الصحافة

وسوم: 642