سابقة في تاريخ الجامعات
علمت بحادثة وقعت مع الباحث عبد الله محمود عياش، وهي حادثة غريبة، وفي تقديري تعد سابقة في تاريخ الجامعات، وكنت تواقاً ومتلهفاً لمعرفة حيثيات الحادثة بكل جوانبها وأبعادها، وقد عُنيت بتدوين أحداثها، وإليكم القصة:
تقدم الباحث عبد الله عياش، برسالة عنوانها: (جيش التحرير الفلسطيني وقوات التحرير الشعبية ودورهما في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي 1964- 1973م) استكمالاً لنيل درجة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب في الجامعة الإسلامية بغزة، وكان الدكتور أكرم محمد عدوان مشرفاً على تحضير الرسالة، وكانت لجنة المناقشة والحكم تتمثل في كل من: الدكتور زكريا السنوار مناقشاً داخلياً، والدكتور عصام عدوان مناقشاً خارجياً، وبالفعل أُجيزت الرسالة عام 2010م، ومُنح الباحث درجة الماجستير.
أزاح الباحث في دراسته المستفيضة الغبار عن حادث استشهاد الرائد زياد محمد الحسيني، القائد العام لقوات التحرير الشعبية في قطاع غزة وقتئذ، وأشار في دراسته إلى جهات أو أشخاص قد يكونون متورطين أو مسؤولين عن تصفيته، وفي واقع الأمر كان الباحث جاداً فيما ذهب إليه من نتائج وتوصيات، حيث طالب الجهات الرسمية الفلسطينية بفتح تحقيق في القضية لوجود شواهد مهمة.
وفي آذار/ مارس 2013م، وعندما وصلت أخبار ما جرى تبيانه في رسالة الباحث عياش إلى أشخاص ممن يعنيهم الأمر من أسرة المتهم المتورط في حادث الاغتيال كما ذكر الباحث، لم يرق لهم ذلك، فلجأوا إلى ذوي السلطة والنفوذ بإلحاح شديد للتدخل، وإنقاذ الموقف، وشطب كل ما يشير إلى المتورطين، وكان التجاوب فورياً، وآتت الجهود ثمارها لدى رئاسة الجامعة الإسلامية، فاستدعت الجامعة الباحث عياش، وطلبت منه شطب كل ما يتعلق بالحادثة، لكن الباحث كان ميالاً إلى رفض الطلب لكونه قدم الأدلة والبراهين إلى ما ذهب إليه – خاصة - وأن رسالته أجيزت من لجنة المناقشة والحكم التي عينتها تلك الجامعة منذ سنوات، وتحديداً في عام 2010م، إلا أن الجامعة لم تقتنع لدفاعه.
ونتيجة لرفض الباحث حذف ذكر الحادثة في رسالته، فقد تعرض الباحث إلى ضغط من الجامعة، حيث تلقى إنذاراً من إدارة الجامعة مفاده: (إنْ لم يفعل ما طُلب منه؛ فإنه سيعتبر فاقداً لدرجته وشهادته العلمية)، وأمهلته مدة ثلاثة أشهر لحذف ما قاله، وعبثاً حاولوا إقناعه بذلك، وأصر الرجل على موقفه الرافض- رغم كل التهديدات – حاسماً بذلك الموقف، ولا حاجة بي إلى القول إن رد فعل الباحث عياش أوحى بأن إدارة الجامعة قد طلبت منه اجتراح معجزة، ولما يئست الجامعة من إقناع الباحث سحبت الرسالة من مكتبتها وأخفتها.
وإنَّ وجه الغرابة في هذه القصة هو: كيف لجامعة، كالجامعة الإسلامية بغزة، تقول عن نفسها ما تقول، أن تطلب من باحث شطب أو تعديل قضايا وموضوعات في صُلب رسالته العلمية، بينما هي قد ناقشتها وأجازتها قبل ثلاث سنوات بدعوى أن الوقت لم يحن للكشف عن كل تلك الأحداث ونشرها؟!.
وعلى العموم، فإن هذه الدراسة بدت لي، من خلال مطالعتها، هامة وجد مفيدة بفضل ما توفر فيها من معلومات تاريخية دقيقة أمكن للباحث عبد الله عياش جمعها وتوفيرها لكل الباحثين والدارسين بقصد الإلمام بدور جيش التحرير الفلسطيني وقوات التحرير الشعبية في مقاومة الاحتلال في النصف الثاني من القرن العشرين، وهو مجهود محمود يذكر، فيشكر عليه.
وسوم: 642