من أسباب تنامي ظاهرة التطرف المحسوب على الدين
من أسباب تنامي ظاهرة التطرف المحسوب على الدين والمنتج للعنف إلى جانب الفقر والجهل شعور البعض بالاستخفاف بالمشاعرالدينية
كثيرا ما يناقش بعض الموصوفين بالخبراء والمتخصصين فيما يسمى الجماعات الإسلامية قضية التطرف الديني، وما ينتج عنها من عنف يصل حد الإرهاب ، فيتناول نقاشهم الأسباب الكامنة وراء هذا التطرف ، ويتأثر نقاشهم بخلفياتهم الإيديولوجية والحزبية ، ويقدمون مناقشات بألوان هذه الخلفيات على أساس أنها دراسات موضوعية وعلمية ومحايدة ، والحقيقة أنها لا تعدو في الغالب التعبير عن وجهات نظر أصحابها المتوقعين إيديولوجيا وسياسيا وحزبيا .
لا يتناطح كبشان كما يقال في كون آفة الفقر والجهل من أسباب نشوء التطرف الاجتماعي، والذي لا يمكن أن ينسب إلى الدين لأن الدين الإسلامي لا تقر تعاليمه بالتطرف مهما كان نوعه، وهو دين الاعتدال والوسطية ، ولا يستقيم وجود تطرف مع الاعتدال والوسطية .
فالفقر لا يمس طائفة المتدينين وحدهم بل يمس غير المتدينين أيضا، لهذا يكون سببا في تطرف هؤلاء وهؤلاء ، وهذا التطرف يكون بمثابة رد فعل على الفقر وما ينتج عنه من معاناة ، وهو تعبير عن مشاعر الكراهية والحقد تجاه من يعتقد أنهم سبب في شقاء الفقراء .و يميل الفقراء في الغالب إلى تحميل مسؤولية فقرهم وهو سبب شقائهم لمن هو أحسن حالا منهم ،وقد يكون من الطبقات المتوسطة التي تعيش على الكفاف ، ولا يكون من الطبقات الموسرة أو الغنية الغنى الفاحش .
وأكثر ضحايا تطرف الفقراء الناقمين هم المواطنون من الطبقة المتوسطة الذين يتعرضون للسطو والسرقات والعنف ، ذلك أن المحرمين من الطبقات الفقيرة قد يعبرون مجرد الحصول على وظيفة أو عمل أو امتلاك بيت أو سيارة أو حتى ارتداء لباس عنوان ثراء يبرر كراهيتهم وحقدهم على من يتوفر على شيء من هذه الأمور التي تعد من الضروريات . وفي الوقت الذي يتحدث من يسمون مختصين فيما يسمى الجماعات الإسلامية عن ميل بعض أفراد هذه الجماعات إلى التطرف المفضي للعنف وإلى ما يسمى اليوم إرهابا يهملون الحديث عن التطرف غير الديني الشائع في المجتمع حيث يعج مجتمعنا بجماعات لا علاقة لها بالإسلام تمارس العنف والإرهاب عن طريق السطو والاعتداء واعتراض السابلة والعربدة والاغتصاب والتهديد وترويع المواطنين الآمنين . وأكثر نزلاء السجون من هذه الشريحة إذا ما قورنت نسبتهم بنسبة شريحة المحسوبين على الدين . وغالبا ما يمر المتطرفون من المحسوبين على الدين بتجربة شريحة غير المتدينين ، ويقضون فترات في السجون بسبب سوابق لهم في الإجرام والسطو والاعتداء ثم يلجون تجربة التدين بعد ذلك دون أن تتغير وضعية فقرهم ، فيأخذ تطرفه منحى آخر ،ويحاولون إضفاء الشرعية عليه وممارسته باسم الدين ، وينتقلون من مرحلة ممارسة الاعتداء على مواطنيهم إلى مرحلة التفكير في الاعتداء على أنظمة أوطانهم أو أنظمة ومواطني بلدان أخرى والرحيل إلى بؤر التوتر الساخنة لإفراغ حقدهم . وتشهد على ذلك حكايات المتورطين في العمليات الإرهابية ممن انتقلوا من مرحلة العربدة والانحراف إلى مرحلة التدين المنحرف وليس المتطرف لأنه لا وجود للتطرف في الإسلام الوسطي والمعتدل بحكم طبيعته . وما يغيب غالبا في تحليل المحللين لظاهرة التطرف الديني المفضي للعنف أو الإرهاب هو شيوع مظاهر الاستخفاف بالدين من خلال مختلف السلوكات في الحياة اليومية ، وهو ما يعتبره المتدينون مساسا بمشاعرهم الدينية ، وذلك ما يولد احتقانا لديهم يجعلهم يميلون إلى التطرف في إظهار التدين كرد فعل على سلوكات غير المتدينين من سكر وتخدير وعربدة ،و فجور وانحلال خلقي وغش وتدليس ، وفحش وعري وتهتك ... إلى غير ذلك مما يأنف منه التدين . فهذه الأمور تلعب دورا كبيرا في تنامي مشاعر الكراهية ومن ثم تنامي التطرف حتى تصيرالأمور العادية في حكم المحرمات بسبب الاحتقان المسبب للتطرف الذي يدين ما لا يعتبر مدان أو محرما كإدانة ممارسة الفنون على سبيل المثال لا الحصر حين تلتبس عند المتطرفين بالتهتك والاستهتار كما كان الشأن بالنسبة للراقصة الأمريكية وفرقتها على سبيل المثال والتي أدت عروضا منافية لأذواق المغاربة ولثقافتهم ،فاعتبرت من وجهة نظر المتدينين استخفافا بالمشاعر الدينية لأن احتضان المهرجانات ببلادنا لا يحسب منظموه حسابا لثقافتنا ولمشاعرنا الدينية ،ومن ثم يفتح الباب على مصراعيه لصنع التطرف الديني المفضي إلى العنف والإرهاب وتبريرهما باسم الدين وشرعنتهما . وقد تلتحق بما يسمى الجماعات الجهادية المتطرفة شرائح ليست من الطبقات الفقيرة بل من الطبقات المتوسطة أو ربما حتى الموسرة بسبب شعورها بالاعتداء على مشاعرها الدينية في حياتها اليومية . ويلعب الإعلام الرسمي وغير الرسمي دورا كبيرا في تأجيج مشاعر التطرف الاجتماعي من خلال التطبيع مع المظاهر الثقافية الغريبة عن ثقافتنا الإسلامية، وذلك من خلال اللوحات الإشهارية خصوصا المتهتكة من منظور ثقافتنا ومن خلال البرامج والموائد المستديرة والأفلام حيث تدفع وسائل الإعلام في اتجاه الانتصار لكل ما لا علاقة له بالدين على حساب كل ما له علاقة به ، وهو ما ينتج الاحتقان لدى الأوساط المتدينة ، والتي قد يصاب بعضها بداء التطرف كرد فعل على استفزازات الإعلام ، وتجاسر مواده على المشاعر الدينية للمواطنين . وكلما قدمت مواد إعلامية مستفزة للمشاعر الدينية إلا وكانت موضوع أحاديث المواطنين وموضوع استنكارهم واستهجانهم ، وهي أحاديث يتجاهلها الإعلام عن عمد وسبق إصرار مقابل تسويق وإشهار أحاديث الإعجاب بتلك الاستفزازات . ويحاول الإعلام المشجع لاستفزازات المشاعر الدينية التحريض على المؤسسات الدينية التي تعد مسؤولة عن التربية الدينية قبل غيرها، وذلك من خلال استعداء الرأي العام والسلطة معا على الخطب المنبرية واعتبارها مظاهر تطرف خصوصا حين تتناول قضايا استفزاز المشاعر الدينية ، وتحملها نشوء ظاهرة التطرف مع أن سبب التطرف هو استفزاز المشاعر الدينية الذي تمارسه وسائل الإعلام ذات الخلفيات الإيديولوجية والحزبية وليس خطب الجمع أو الدروس الدينية التي تقوم بدور التربية الدينية وتصون الأفراد من الوقوع في الانحراف والتطرف على حد سواء . وبسبب تضييق الخناق على خطب الجمع والدروس الدينية في المساجد تنشأ الدعوات المتطرفة المحسوبة على الدين وهي بمثابة تدين السوق السوداء في أماكن بعيدة عن المراقبة ، وتكون لها عواقب وخيمة.
وسوم: العدد 645