الهيمنة الأمنية والحكومية على البرلمان في مصر

كان اسبوعا مثيرا بكل المقاييس في تاريخ الحياة السياسية المصرية، من جهة انكشاف بعض ما يجري في كواليسها. بدأ بخروج احد صنائع الاجهزة الامنية عن النص، وفضحه دورها في تكوين الكتلة صاحبة الاكثرية في البرلمان الجديد، وانتهى بتقديم عضو سابق في حملة الرئيس عبد الفتاح السيسي تفاصيل «شبه كاملة» حول دور تلك الاجهزة في تشكيل أول برلمان بعد اطاحة حكم جماعة الاخوان.

كانت صدمة امنية وسياسية واعلامية كاملة حقا عندما ظهر توفيق عكاشة كاشفا النقاب عن ان الاجهزة قامت بتمويل قائمة «في حب مصر» منذ البداية، اما مباشرة او عبر رجال اعمال، وانها كانت تتصل بالنواب لحثهم على حضور اجتماعاتها. بل انه وجد من الشجاعة ما يكفي لتسمية اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي باعتباره «الكل في الكل منذ الثلاثين من حزيران/يونيو، وانه يعتبر ان عنده خبرة سياسية لا تتوفر لدى اي احد آخر في العالم العربي، وبالتالي يعطي التعليمات لادارة الحياة السياسية والاعلامية». وللمرة الاولى اتهم عكاشة الاجهزة بوقف تمويل كان يحصل عليه من دولة الامارات(..).

ويبدو ان السلطات الامنية لم تصدق ما اصابها من سهام موجعة من «ابنها المدلل»، كما سماه احد زملائه في «اللامهنة»، فاستصدرت قرارا سريعا من مدينة الانتاج الاعلامي بوقف برنامجه لستة شهور، ومنع ظهوره في اي قناة فضائية اخرى(..). 

اما الكشف الثاني فجاء من حازم عبد العظيم العضو السابق في الحملة الانتخابية للسيسي، فتحدث عن وقائع محددة تتعلق بدور جهاز المخابرات العامة في تشكيل البرلمان. والى جانب «الرجل الكبير» الذي يعتقد انه اللواء عباس كامل ايضا، اكد على ادوار ثلاثة شبان من ضباط الجهاز، ما اعتبره البعض تلميحا فيما يبدو الى ان احدهم نجل السيسي. 

وسرعان ما استنفر النظام ابواقه الاعلامية لانكار الاتهامات، فاتهموا عكاشة بأنه «مختل عقليا ولا دكتور ولا حاجة» وكأنهم اكتشفوا ذلك فجأة، واتهموا عبد العظيم بانه غاضب من عدم حصوله على اي منصب بعد عمله في حملة السيسي. الا ان تلك الاتهامات لا يمكن ان تنطبق على شخصيات سياسية بارزة مؤيدة للنظام مثل جورج اسحق عضو المجلس القومي لحقوق الانسان(هيئة حكومية) الذي اعتبر ان اختيارات السيسي للاعضاء المعينين في البرلمان (أمنية بحتة ولا تملك اي رؤية سياسية). 

ومن المثير للسخرية ان بعض الابواق تصرفت مثل الدبة اياها في المثل الشهير، اذ أعلنت احدى المذيعات التي تعتبر نفسها (قائدة ثورة) على الهواء (ان الأجهزة الأمنية تتدخل في السياسة في العالم كله، وليس غريبا ان يحصل هذا عندنا» فاكدت الاتهام بدلا من ان تنفيه.

اما على الجانب الحكومي، فكان التدخل في شؤون البرلمان علنيا وسبق انعقاده الاول المقرر الاحد المقبل، وهو ما ظهر في حديث مهم اجرته صحيفة «الاهرام» مع المستشار مجدي العجاتي وزير الشؤون البرلمانية الجمعة الماضي، ووضع فيه ما يشبه «خارطة طريق» للبرلمان الجديد هدفها الصريح «اضفاء الشرعية على الحكم الحالي»، تمكنه من «مناقشة» مائتين وتسعين قانونا صدرت في عهدي عدلي منصور والسيسي خلال خمسة عشر يوما، كما ينص الدستور. واعلن المستشار حلا جهنميا لهذه المعضلة يلتف على النص الدستوري، وهو ان تجري مناقشة هذا العدد الهائل من القوانين في كافة اللجان المتخصصة في مجلس النواب، وعددها تسع عشرة، خلال عدة ايام فقط، ثم يجري اقرارها (او سلقها) في جلسة عامة. وما يعنيه هذا الكلام عمليا ان لجنة مثل الشباب والرياضة او الشؤون الدينية يجب ان تكون قادرة على «مناقشة» قوانين تتطلب خبراء متخصصين في مجالات علمية او قانونية(..) وبذلك يكون المجلس استجاب لشرط «المناقشة» الذي جعله الدستور حتميا. كما اعلن المستشار انه سيتقدم للمجلس بمشروع لائحة داخلية لاقراره، وهذا تدخل سافر يهدف للضغط على النواب الذين يفترض ان يكتبوا لائحتهم بانفسهم.

ومع هكذا هيمنة حكومية- امنية لا يمكن للمراقب الا ان يتوقع برلمانا مدجنا عندما يتعلق الامر بالعلاقة مع النظام، ولكن هذا لن يمنعه من ان يغلي بالصراعات على مصالحه الضيقة. 

ولاعزاء لقضايا الوطن وازماته التي تنتظر حلولا عاجلة.

وسوم: العدد649