مستقبل "إسرائيل" اليهودية.. بعد سقوط كبارها
مستقبل "إسرائيل" اليهودية..
بعد سقوط كبارها
غسان مصطفى الشامي
يعيش الكيان الصهيوني في هذه الأيام حالة من الانهيار والتراجع والهزائم المتتالية، ولم تعد(إسرائيل) القوة العسكرية المهيبة في المنطقة العربية؛ بعد سلسلة من الإخفاقات والهزائم التي لحقت بالكيان حديثا منذ انسحابه من جنوب لبنان عام 2000م، بعد احتلاله لمدة 22 عاما، والهزيمة الكبيرة التي مني بها العدو الصهيوني في حرب تموز لبنان عام 2006م، وما كشفته التقارير الصهيونية واللجان العسكرية عن إخفاقات كبيرة للقدرات العسكرية (الإسرائيلية) في هذه الحرب، وعدم استطاعت الجيش الصهيوني على مواصلة الحرب، كما غاصت أقدام (إسرائيل) في وحل غزة، وكشفت قدراتها العسكرية عن فشلها الكبير في انهاء المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بعد حربين كبيرتين شنتها (إسرائيل) على غزة وانتهت الحربين دون تحقيق نتائج مرضية للعدو الصهيوني.
اليوم تعيش الدولة الصهيونية سقوط أخلاقي وفساد كبير ينخر في جسد المؤسسة الصهيونية، وسط انتهاء رجالات (إسرائيل) وكبارها من الساحة السياسية والحزبية، وخروجهم بفضائح أخلاقية وفساد ورشوة خلال تقلدهم المناصب السياسية الحكومية، فقد انتهت مؤخرا الحياة السياسية والحزبية للمجرم الصهيوني الكبير (شمعون بيرس) (92عاما) بعد فوز عضو الكنيست الصهيوني عن حزب (الليكود) (رؤوبين ريفلين) بمنصب الرئيس العاشرة لــ (إسرائيل)، حيث لم يعد لصاحب أفكار السلام المزعوم (بيرس) وصاحب السجل الإجرامي الكبير بحق أبناء شعبنا الفلسطيني أي دور في الحياة السياسية والحزبية في (إسرائيل)، كما انتهى قبله المجرم الصهيوني (شارون) الذي توفي هذا العام بعد غيبوبة مرضية دامت 8 سنوات، فقد عاش أيامه الأخيرة قبل الغيبوبة يعض أصابع الندم بعد انسحاب قواته من قطاع غزة في آب/أغسطس (2005م) ليصبح قطاع غزة الأرض المحررة الأولى من فلسطين، والأكثر خطورة وتهديدا على (إسرائيل) بعد تطور المقاومة الفلسطينية وامتلاكها صواريخ تصل إلى مدينة تل أبيب الصهيونية.
تعيش اليوم (إسرائيل) زمن ومرحلة انتهاء قادتها الكبار، وسقوطهم في وحل الفساد الأخلاقي والخلقي، والفساد المالي والإداري، الذي أثر على جسد الدولة الصهيونية المنهار، لتصبح دولة الكيان الصهيوني بعد انتهاء جيل قادتها المؤسسين الكبار على شفا الهاوية والانهيار النهائي لهذه الدولة أمام ضربات المقاومة الفلسطينية ومخططاتها لضرب مراكز القوى في الدولة الصهيونية.
تعيش اليوم (إسرائيل) مرحلة سقوط أخلاقي كبير، وسجل السقوط مليء في حياة القادة الصهاينة؛ فقد انتهت حياة رئيس الوزراء الصهيوني السابق بفضيحة أخلاقية كبيرة هزت (إسرائيل) وتعرض على أثرها للمحاكمة والاعتقال، كما انتهت حياة الزعيم الصهيوني فوائد بن إليعزر بعد قضايا فساد طالته كشفت عنها المؤسسة الصهيونية، هذه القضايا لم تمكنه من المنافسة على رئاسة (إسرائيل)، كما لحقت قضايا الفساد الأخلاقي المرشح لرئاسة (إسرائيل) (مئير شطريت)، كما أنهت قضايا الفساد الأخلاقي والمالي والفضائح المدوية حياة الوزير الصهيوني السابق (سلفان شالوم ) ووجهت له تهم مباشرة بقضايا غير أخلاقية بحق فتيات إسرائيليات يشغلن مناصب حكومية في (إسرائيل)؛ والقائمة تطول بحق الزعماء الصهاينة ودورهم البارز في الفساد الأخلاقي والانهيار القيمي داخل المجتمع الصهيوني؛ وعلى الجانب الآخر يعيش الشباب (الإسرائيلي) الجيل الجديد انهيارا كبيرا في منظومة القيم الأخلاقية، وارتفاع نسب تعاطي المخدرات، وشرب الكحول، وتدني نسب التفوق الدراسي والبحث العلمي، وسط الشباب الصهيوني، وهذا يبشر بمستقبل ضعيف وهش للجيل الشاب في دولة (إسرائيل) الذي يؤثر بدوره على القدرات البشرية في الجيش الصهيوني، وهو الآن يعيش في محطات ضعف في الاستعدادات والإمكانات لمواجهة أية حرب كبيرة قد تعصف في المنطقة وتصل لـــ (إسرائيل) .
وتعيش (إسرائيل) مستقبل هش في ظل ما أشارت إليه التقارير الصهيونية الحديثة إلى ارتفاع مستويات ومعدلات الفقر في (إسرائيل)، حيث طالبت لجان مكافحة الفقر الصهيونية بزيادة المخصصات الحكومية للعاطلين عن العمل، والنساء الصهيونيات المعيلات للأسر الصهيونية، فضلا عن انعدام مستويات الأمن الغذائي للكثير من العائلات في (إسرائيل)، فيما كشفت دراسة صهيونية جديدة أن ( 532 ألف ) عائلة في (إسرائيل) تقول أن انعدام الأمن الغذائي لم يتم بحثه في أي لجنة من لجان مكافحة الفقر في دولة الاحتلال.
إن دولة الكيان الصهيوني تعيش هذه المرحلة الدقيقة في أدنى مستويات قوتها، وتحيا انحدارا كبيرا في الكثير من القيم والأخلاقيات، وحتى الديمقراطيات والعمل السياسي يحيا انتكاسة في (إسرائيل) مما يجعل الصهاينة يقومون بترحيل الأزمات للخارج، ويشنون بين الفينة والأخرى حربا على الفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس، كما يواصلون بناء المئات من الكتل الاستيطانية على الأراضي الفلسطيني.
وقد كشفت تقرير صهيوني سنوي جديد عن اتساع ظاهرة تبيض الأموال في (إسرائيل) عبر الجمعيات الصهيونية ووكالات الصرافة والمجوهرات وهذا يلقي بتأثيراته الكبير على الاقتصاد الصهيوني، وكشف التقرير عن استفحال الظاهرة عبر الجمعيات الخيرية وقطاع المجوهرات ، ووكالات الصرافة، حيث أصبحت (إسرائيل) الملجأ الوحيد لأثرياء اليهود في العالم والمتهربين من دفع الضرائب؛ وعرض تقرير صهيوني يصدر سنويا عن مصادر تبيض الأموال أو تمويل ما تسميه (إسرائيل) إرهابا معلومات خطيرة، حيث تم ضبط ما نسبته 17% من نشاط للسلطة الصهيونية في مجال تبيض الأموال عبر نقل الملايين من الأوراق المالية نقدا، فيما تورطت وكالات الصرافة بنسبة 11% بنقل الأموال نقدا، كما أن هناك قرابة 10% تحويلات خارجية عبر البنوك، هذه المعاملات الغير مشروعة تلقي بتأثيراتها الكارثية الكبيرة على الاقتصاد الصهيوني وتوجه له ضربات قوية لا يقوى على مواجهتها مستقبليا، حيث واجهت، السلطات الإسرائيلية انتقادات كبيرة من مؤسسات دولية بخصوص معاملات الأموال الخارجة عن القانون.
إن التقارير وأوراق العمل التي طرحت مؤخرا خلال أعمال مؤتمر (هرتسليا ) الصهيوني الذي عقد على مدار ثلاثة أيام، كشفت الأوضاع الهشة والضعيفة التي تحياها (إسرائيل) وحاجة الكيان الصهيوني لإعادة بلورة الكثير من المفاهيم والقضايا وعلى رأسها التخوفات الأمنية الكبير والقلق الإسرائيلي تجاه ما يحدث من تطورات وأحداث يوميا في الشرق الأوسط. كما كشفت جلسات المؤتمر الصهيوني عن المخاطر الكبيرة التي سوف يحياه الكيان الصهيوني في المرحلة القادمة، والتحولات الكبيرة الحاصلة في مجال التكنولوجيا والاتصالات والتي تلقي بتأثيراتها على دولة الكيان الصهيوني، كما لم يستثني المؤتمر الصهيوني المقاومة الفلسطينية وتطورها وتهديدها لاستمرار دولة الكيان الصهيوني في جرائمها وفرض سياساتها في المنطقة العربية، خاصة أن المنطقة العربية تعيش أجواء سياسية متقلبة دوما، مما يشكل تحدي كبير أمام الدولة الصهيونية في قدراتها على الحفاظ على بقائها لزمن أطول والحفاظ على أمنها وحدودها من المساس .
أمام التحديات والمخاطر الكبيرة التي تحياه الدولة الصهيوني، تبقى المسؤوليات أكبر على المسلمين والعرب والفلسطينيين في توحيد خطابهم السياسي، وتقوية مكانتهم ووجودهم على الأرض، ودعم فصائل المقاومة الفلسطينية في تطوير قدراتها في مواجهة الكيان الصهيوني، والوقف في وجه الغطرسة والتهديدات الإسرائيلية، وحماية الشعب الفلسطيني والمقدسات من المخططات الصهيونية الخبيثة.