فقهاء الجزائر والمغرب العربي.. علم وحلم وثقة

يسأل السائل عن مايقرأ في ركعتي الفجر. فيجيب الإمام الفقيه والعالم المتمكن يوسف العجري ، فيقول..

عند السادة المالكية يقرأ المصلي الفاتحة فقط، وعند المذاهب الأخرى يقرأ الفاتحة وسورة قصيرة، وعند الحنابلة يقرأ الفاتحة وقل ياأيها الكافرون.

هذه الورقة لاتتطرق لمسألة فقهية، إنما تنطلق من هذا المثال إلى تبيان عظمة فقهاء الجزائر الأحياء منهم والأموات، ورضوان الله عليهم جميعا، فههم الصحيح للفقه وفطرتهم السليمة لاستنباط الأحكام وتقديمها في صورة بسيطة للرفع من المجتمع، وتقريب الفهم إليه بما يناسب وضعه وظروفه.

أتابع فقهاء الجزائر كل يوم جمعة من خلال إذاعة الشلف حيث العالم الفقيه يوسف العجري والعالم الفقيه آدم خلوفي، وإذاعة غليزان، والإذاعة العاصمية حين تتاح الفرصة، وأحيانا الفضائية الجزائرية الرسمية ، وكذا اللقاءات المستمرة مع الفقهاء والعلماء الذين تربطني بهم صلة وزمالة، ضف لها أمهات الكتب القديمة منها والجديدة عبر مكتبتي، وعلى رأسها "الفتاوى" للعالم الفقيه أحمد حماني ، رحمة الله عليه.

وفي نفس الوقت أتابع الفضائية المغربية السادسة، عبر حصص الفتاوى التي تقدم، وكذا دروس العالم الشاب الفقيه سعيد الكملي، وعلماء مغاربة آخرون عبر الدروس التي يقدمونها يوميا، ناهيك عن بعض كتب المغاربة التي بحوزتي.

وكذلك كنت أتابع حصة الفتاوى التي كانت تقدم عبر الرائي التونس كل يوم جمعة، والآن أتابع بعضها حين تتاح الفرصة. وكنت أتابع الفقيه الليبي الضرير عبر الفضائية الليبية باستمرار واهتمام شديد، وانقطعت الآن تلك الحصة، ولا أعرف مصيرها، بل أصبحنا لانعرف مصير إخوتنا الليبيين الذين نتمنى لهم كل الخير والسعادة. ونفس الشيء يقال عن فقهاء موريتنانيا الذين أبدعوا في الحفظ العجيب، والمحافظة على القديمة، حتى أمسوا قبلة لكل من يريد العلم بأنواعه والفقه على مختلف مشاربه.

هذه الأسطر القليلة التي كتبت في حق فقهاء ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، تبين بوضوح أن فقها المغرب العربي جميعا، يعتمدون على كل المذاهب في الفهم والشرح والفتوى، دون تعصب لرأي أو شيخ أو مذهب، رغم تتلمذهم على مذهب السادة المالكية منذ 14 قرنا، والشروحات التي قدموها لإثراء المذهب عبر القرون، ففقهاء المغرب العربي يجيب سائله ..

بما أقره السادة المالكية، ثم ينبهه إلى ماجاء في المذاهب الإسلامة الأربعة، ثم ماتميز به مذهل من المذاهب عن الأخرى، ثم يفاضل بين المذهب، وينبهه إلى أن المجتمع الذي يعيش فيه يناسبه الرأي الفلاني ، وفي مجتمع آخر يناسبه الرأي الآخر. فكل مجتمع يأخذ بالفتوى التي تناسبه وتناسب أوضاعه. ومن الأخطاء السائدة فرض رأي وفتوى على مجتمع، دون مراعاة لظروفه وأوضاعه.

إن ثقة فقهاء وعلماء الجزائر والمغرب العربي بأنفسهم، جعلتهم يعرضون كافة الأراء، دون خوف ولا احتكار. وهذه الميزة العالية هي التي غرست الطمأنينة في المجتمع ، وجعلت الإنسان العادي يعرض على الفقيه الرأي الآخر دون خوف منه ولا وجل.

ففقهاؤنا لايتعاملون أبدا مع السائل على أنهم آلهة يجب الخضوع لرأيهم وعدم مخالفتهم، لذلك تراهم يعرضون جملة من الأراء حول قضية صغيرة بسيطة كالتي ذكرت في صدر المقال.

يمتاز فقهاء المغرب العربي ، بالعلم الغزير، والفقه العميق، والثقافة الواسعة، وسلامة الصدر، والفطرة الصافية، واطلاعهم على آراء الآخرين، وحسن الأدب مع المخالف، والثقة الكاملة في عرضهم لكافة الآراء بما فيها المخالفة لما ذهبوا إليهم، وعدم الوصاية على عباد الله، واحترام العرف السائد وما تعارف عليه المجتمع، فكانوا سببا في رقي المجتمع والرفع من مستواهم والمساهمة في قراءة الآخر واحترام الآخر، واختيار مايناسب ظروف المجتمع..

رحم الله سادتنا فقهاء المغرب العربي الأحياء منهم والأموات، رضوان الله عليهم جميعا.

وسوم: العدد 652