قراءة استراتيجية اسرائيل للعام 2016 في مواجهة التحديات الامنية.

مقدمة

 تعتبر إسرائيل من أكثر دول العالم التي تواجه مخاطرا أمنية كونها دولة احتلال، فمنذ قيامها لم تعرف فترة طويلة من الهدوء، ويرجع ذلك لأسباب موضوعية أهمها سعي الشعب الفلسطيني للتحرر من الاحتلال الإسرائيلي.

 ومع مرور الوقت تواجه إسرائيل خطرا متزيدا من التحديات الأمنية والداخلية التي تدفعها في كل عام الى بلورة استراتيجية أمنية تلائم التغيرات، سواء على المستوى الاقليمي أو العالمي.

 ولعل كثرة التحديات التي تواجه دولة الاحتلال، جعلت منها دولة اتكالية من الناحية الأمنية في ظل عجز جيشها عن مواجهة العديد من الملفات، بعد أن كانت دولة مبادرة لا تناقش فيما يتعلق بأمنها أبرز حلفائها.

رئيس قسم دراسات الشأن الإسرائيلي في مركز القدس عماد أبو عواد أمام هذا الواقع برزت جملة من التحديات التي تواجها اسرائيل منها:

 أولا: الملف الأمني الداخلي، حيث أظهرت الحرب الأخيرة على غزة (عام )2014 إسرائيل قدرتها على الردع، فلم تستطع طيلة 51 يوما من المعارك من تحقيق أهدافها المعلنة والتي بدت مستحيلة في ظل وجود مقاومة استعدت جيدا لملاقاتها، ليدور الحديث مؤخرا بأن غزة استعادت قوتها بل واستطاعت أن تمتلك قوة صاروخية أكبر ، وشبكة متطورة من الانفاق التي وفق تعبير بنت وزير الاقتصاد الاسرائيلي وزعيم حزب البيت اليهودي، بأن لا فائدة من طائرات ف 35 التي لا تستطيع مواجهة تلك الانفاق.

وإضاف أبو عواد"إن أحداث الانتفاضة في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني أظهرت ضعف الجبهة الداخلية الاسرائيلية، والتي قال حولها "بنيامين نتنياهو" إننا لا نملك حلولا سحرية، ملوحا باتخاذ خطوات قمعية اكبر لمواجهة الانتفاضة الفلسطينية.

وأوضح أبو عواد"على رغم ادراك الجميع بأن إسرائيل لم تترك وسيلة إلا و اتبعتها من اجل قمع الانتفاضة الفلسطينية، إلا ان ذلك لم يجدي نفعا، لتجد اسرائيل نفسها محرجة أمام قطاع كبير من الجمهور الذي بات يتساءل، الى متى سنصبر وماذا لو واجهنا قوة اكبر؟ .

ثانيا: التغيرات الإقليمية، تدرك إسرائيل وبشكل جدي بأن التغيرات الحاصلة في الاقليم لن تكون في صالحها، وان كانت اسرائيل مستفيدة من الحروب في محيطها، لإضعاف كافة خصومها، حيث تدرك ايضا في ذات الوقت أن تلك التغيرات قد تقود الى وجود قوى متشددة سرعان ما تجد اسرائيل نفسها في مواجهة معها، خاصة عندما يدور الحديث عن جبهة النصرة او حتى تنظيم الدولة وبقية القوى المقاتلة في سوريا، إضافة الى ذلك فإن إسرائيل ترى بأن تغيير النظام السوري الذي (قاومها) اصطلاحيا ، سيخلفه بالتأكيد نظاما قد يعبر عن طموح شعوب المنطقة في مواجهتها فعليا، بالإضافة الى ذلك فإن اسرائيل لا تنظر بارتياح الى الخلخلة الحادثة للأنظمة العربية الصديقة وعلى رأسها الاردن ومصر.

من جانبهم أجمع طاقم الباحثين في المركز" على أن إسرائيل تعتبره اسرائيل، ورغم التقاء مصالحه مع النظام السوري، واشتراكه في الحرب هناك، إذ لازال يشكل زاوية قلق مهمة لإسرائيل".

وتابع المركز " إسرائيل تدرك بان حزب الله في ظل تطور المنظومة الصاروخية التي يمتلكها من الممكن ان يفتعل حربا مع إسرائيل، لاستعادة الزخم الاقليمي والتعاطف الشعبي الذي حظي به لسنوات طويلة، ومن الممكن ان يفتعل هذه الحرب في حال اراد الهروب من المستنقع السوري ليعيد البوصلة باتجاه اسرائيل وان كان هذا الامر مستبعدا على المستوى التكتيكي في هذه المرحلة على الأقل".

ثالثا: الملف النووي الايراني، ترى اسرائيل بأن الاتفاق النووي الأخير مع إيران ضار بمصالحها، فان كان هناك التقاء مصالح بين الدولتين في العديد من القضايا، إلا إن سعي ايران لتكون دولة مفتاحية في المنطقة وسعيها الى السيطرة على العديد من العواصم العربية، يدفع إسرائيل إلى الشعور بالخطر، فوجود دولة قد تصبح نووية في الشرق الأوسط أمر غير مقبول من الناحية الاستراتيجية الاسرائيلية، اضافة إلى أن الاتفاق النووي مع إيران أعطى شعورا وإن كان على استحياء داخل اسرائيل بان الولايات المتحدة قد تسعى الى تحويل إيران الى دور وظيفي يسهم بتداخلات تستفيد منها الولايات المتحدة".

رابعا : لازالت المقاومة الفلسطينية الباعث الأكثر حيوية في التأثير على منظومة الأمن الإسرائيلي من حيث تأثيرها على البيئة المقاومة في المنطقة واستدعاء الجبهات على الأرض الأمر الذي من شأنه تسريع حالة المواجهة مع إسرائيل.

خامسا: النظرة الغربية لإسرائيل: بعد الحروب الثلاث الفاشلة لإسرائيل على غزة، وعدم قدرتها على خلق متغيرات واضحة في الملفات (لبنان سوريا) وتخوفها من عدم ثبات البيئة السياسية العربية المحيطة، جعل الغرب يرى بأن القوى الناضجة في المنطقة دولا يمكنها القفز إلى حسم مواقف تضر بالنفوذ الغربي، مما حول حلفاء الغرب إلى مخالب ضاربه(كما يجري الآن في ليبيا، سيناء، اليمن).

استراتيجية إسرائيل الأمنية المقبلة

أما تعدد المخاطر الأمنية ضد إسرائيل، أظهرت بعض الأبحاث الصهيونية والمؤتمرات الملاحقة ملامح استراتيجية إسرائيل الأمنية والتي يمكن تلخصيها بالآتي بحسب(مدير المركز علاء الريماوي، ورئيس قسم الشان الإسرائيلي في المركز عماد أبو عواد):

أولا: الملف الايراني، لم يعد تهديدا في المرحلة الحالية، لكن من الممكن أن يكون كذلك بعد عشر سنوات، لذلك على إسرائيل التنسيق الدائم مع الولايات المتحدة في هذه المسألة، وتفعيل دور يهود وأصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة للضغط على النظام هناك من اجل نكث الاتفاق النووي مع ايران، اضافة الى العمل على اضعاف ايران من خلال الساحة السورية.

لذلك اعتمدت إسرائيل في الملف الإيراني"سياسة تحريك الغرب، عبر التقارير الاستخبارية".

لكن يعتبر الباحثون في الكيان أن الملف الإيراني يعد من أهم الصدمات التي تلقت فيها إسرائيل ضربة مهمة" على صعيد ثبات خطى الغرب تجاه إيران".

ثانيا: أبقت إسرائيل استعدادها لامكانية استمرار الأوضاع الحالية في سوريا والشرق الاوسط لسنوات طويلة مع امكانية عدم عودة سوريا كدولة واحدة، والوصول الى تفاهمات مع روسيا من أجل رسم خريطة المنطقة بما يتناسب مع مصالحها ولتفتيت أي خطر من الممكن ان يحدق بإسرائيل.

وترى إسرائيل أن الخيارات التي وجب فعلها، تعزيز حكم السيسي في مصر، وتوثيق العلاقة مع ما يعرف بدول الاعتدال العربي، خاصة الأردن الإمارات الكويت وصولا إلى العربية السعويد".

هذا الملف حققت فيه إسرائيل انجازات مهمة منذ العام 2014، لكنها في ذات الوقت أخفقت في تحقيق بيئة تطمئن لها في هذه الدول برغم مساندة الولايات المتحدة لإسرائيل في ذلك.

ثالثا: الاستعداد لإمكانية مواجهة عسكرية اقوى وأكبر مع حزب الله اللبناني، الذي تعاظمت قدراته التسليحية في الفترة الاخيرة، مع الاخذ بعين الاعتبار الدور الروسي في المنطقة وامكانية لجم حزب الله من خلال روسيا.

عمدت إسرائيل في ذلك على صيغة تفاهم مع روسيا، تتيح ثبات النظام، ضمن دائرة الوجود، عبر الشراكة في ضرب القوى المعارضة في سوريا، مع ضمان روسيا ثبات جبهتها الشمالية.

رابعا: العودة الى المفاوضات مع الفلسطينيين للوصول الى حل سياسي، وفي حال فشل ذلك ، فان اسرائيل قد تقوم بعملية انفصال فعالة عن الفلسطينيين، من اجل حفظ امن سكانها.

هذا الحل لم ينضج، بعد لكن خيارات إسرائيل تقوم على نمطين من الفعل(اضعاف القيادة السياسية، بأكثر مما هي عليه الآن لصالح خيارات اقتصادية ووأمنية).

وأوضح الباحثان" هناك دول مثل مصر الأردن، الإمرات، يؤسسان للقيادي المفصول في حركة فتح، هذا الدور، وتعمد جهات غربية، لفحص هذا الخيار).

وعلمت مصادر المركز الموثوقه" أن الغرب بدأ يتجهز لمرحلة سياسية ليس فيها الرئيس عباس، لذلك ترى إسرائيل بالخيارات السياسية الضعيفة خيار ممكن،مع حالة أمنية قوية.

خامسا: اعداد الجيش لمواجهة اخرى مع غزة في ظل تعاظم وازدياد قوة حماس الصاروخية وبناءها للأنفاق، مع تفعيل الدور المصري في حصار حماس في غزة، والعمل على اشعال فتيل حرب بين مصر وغزة.

أمام ذلك حرصت إسرائيل على بناء استراتيجية أمنية تقوم على ركنين(الإضعاف التصاعدي).

وتعني هذه السياسة" ابقاء الحصار الماس، من خلال استخدام العرب، في حال ارباك الخطة، الذهاب إلى الحفاظ على المنجز من خلال الاتاحة لحالفاء حماس التحرك الاقتصادي بشكل مضبوط، وبطئ".

ورجح المركز" ثبات الجبهة في هذا العام مع غزة، لكن مصير الثبات إلى مواجهة ستكون أوسع من سابقاتها".

سادسا: تعميق العلاقات مع الدول العربية البرجماتية، للمساعدة في حل القضية الفلسطينية ومواجهة تنظيم الدولة الاسلامية، في ظل وجود قاسم مشترك الا وهو التهديد الايراني.

إسرائيل تعول على هذا الخيار كي تتيح اتفاقات معلنة، مع دول عربية بعينها، وتسعة لتسهيل الوصول لاتفاق مع تركيا.

هذا الملف ترى فيه إسرائيل مهما، كون بعض الدول العربية، قدم لإسرائيل جملة من الخدمات الأمنية غير المسبوق تجاه المقاومة.

سابعا: في العام 2016 سيكون للواقع في الضفة الغربية والقدس، والداخل حضورا يوازي حجم البيئات الأخرى بل يزيد عليها".

لذلك ستعمد إسرائيل إلى مواصلة سياسة القبضة الأمنية، لكن في ذات الوقت ستحافظ على دورا أمنيا محوريا من خلال التنسيق الأمني".

خلاصة القراءة للاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية

برغم ما حققته إسرائيل في ملفات العلاقة من الدول العربية، وتفتيت دول كالعراق وسوريا، ونجاح إسرائيل في تجنيد دعم عسكري مهول من الولايات المتحدة ودول أوروبية، إلا أن إسرائيل لازالت تتحسب لانهيار أي من جبهات الشمال والجنوب.

وأضاف المركز" هذا الانهيار أعد أمامه الاحتلال الإسرائيلي، استعدادات لمواجهة مشتركة على جبهة الشمال(سوريا لبنان)، كما تحسبت لمواجهة في الجنوب.

وأضاف المركز لكن في المقابل أدركت إسرائيل أن هناك ثلاثة مواطن ضعف تعتريها ويمكن تلخيصها عبر الآتي:

أولا: ضعف المؤسسة السياسة الإسرائيلية: هذا الضعف يتركز في قدرات القيادة، وتشتت البنية الحزيبة لصالح ما يعرف بقيادات الظاهرة.

ثانيا: انحسار قوة القيادات العسكرية الإسرائيلية، لصالح قيادات أمنية متوجسة ومترددة، وهذا ما أظهره بشكل واضح الحرب الأخيرة على قطاع غزة.

ثالثا: كفاءة المقاتل الإسرائيلي: بات قدرة الجيش أح المعضلات التي تعيق تحرك إسرائيلي ساخن برغم ما تمتلكه إسرائيل من قدرات مهولة، جنود إسرائيل منذ العام 1983 لم يحصدوا قدرة قادرة على اخضاع المقاومة الفلسطينية واللبنانية".

وقال مدير مركز القدس علاء الريماوي(العام 2016) يحمل لإسرائيل كثير من الألغام على في المساحة الأمنية، ويحمل أيضا تحولات ستتضح في الربع الأخير من العام الجاري، والذي من شأنه التأسيس لتحولات أعمق في الشرق العربي.

وأضاف الريماوي" مباعث التغيير يحدد كل طرف من الأطراف، حجم دعم توجهاته، الأمر الذي يتطلب من الجانب الفلسطيني، تعزيز رؤية وطنية تفهم الساحات المحيطة، لنجاح بيئة تخفف من حجم الضرر وتعظم من الانجازات".

وسوم: العدد 652