هل يتجاورُ «الأسدان» «إيران» و «إسرائيل»
هل يتجاورُ «الأسدان»
«إيران» و «إسرائيل»
د. محمد عناد سليمان
إنَّ أمن منطقة «الشَّرق الأوسط» مرتبطٌ ارتباطًا مباشرًا بأمن «إسرائيل» فيه، ولا شكَّ أن أمنها لا يتحقَّق إلا عندما تكون هي الأقوى عسكريًا في المنطقة، وهذا هو أساس «الاستراتيجيّة» التي تنتهجها في التّعامل مع «الأنظمة» الِّسياسيّة القائمة.
لكن هذه «الاستراتيجيَّة» أصبحت هشَّة ضعيفة، ولا تفي بالغرض المطلوب بعد قيام ثورات «الرّبيع العربيّ»، فكان لا بدّ من إضافة ما يزيدُ من صلابتها ومتانتها، فكان السَّعي إلى انهيار «المجتمعات العربيّة» عنصرًا هامًا ومقدَّما على القوَّة العسكريَّة، مع ما يرافقه من نشر للفوضى المنظَّمة، وقد تتجاوز حدود منطقة «الشِّرق الأوسط» نفسها، في محاولة جديدة تهدف إلى إعادة «رسم الحدود» بعد مضي مئة عام تقريبًا على اتفاقية «سايكس بيكو» التي ما زال معمولاً بها جغرافيًا وسياسيًّا.
وقد نشر بعض الباحثين ومنهم البرفسور «إسرائيل شاحاك»، و«عوديد ينون» المشهور بعلاقاته الوثيقة بالخارجيَّة «الإسرائيليَّة» بحثًا دعا فيه إلى إحداث انقسام في «الدُّول العربيَّة» على أن يكون هذا الانقسام داخليًّا قد يصل إلى درجة «بلقنة» أو «صوملة» هذه الدُّول، وتجزئتها إلى «دويلات طائفيَّة».
وهو تخطيط لم يكن وليد اليوم، أو مرافقًا لثورات «الرَّبيع العربيّ»؛ بل أشار إليه في سبعينيات القرن الماضي الباحث الأمريكيّ «زبغنيو بريجنسكي»، ودعا إلى إشعال الحروب «الديِّنيَّة» و«الطَّائفيَّة»، خاصَّة في المجتمعات التي ترتبط بـ«الدِّين» ارتباطًا مطلقًا على نحو ما هو عليه الحال في المجتمعات العربيَّة.
الأمر ذاته أكَّده في أكثر من مقابلة الباحث الأمريكيِّ «بيرنارد لويس»، إلا أنَّه لم يقتصر على دول منطقة «الشَّرق الأوسط»، وإنَّما تعدَّاها إلى جميع الدُّول «الإسلاميَّة»، ورأى ضرورة «إعادة تقسيم الأقطار العربيَّة، والإسلاميَّة إلى وحدات عشائريَّة وطائفيَّة»، من خلال «تضييق الخناق على هذه الشُّعوب، ومحاصرتها، واستثمار التَّناقضات العرقيَّة، والعصبيَّات القبليَّة والطَّائفيَّة فيها».
وإنَّ المتتبِّع لما عليه الأوضاع في المنطقة يرى أنَّ ذلك أصبح واقعًا مريرًا، يحصدُ مئات الأرواح يوميًا، إن في «سوريا» أو في «العراق»، أو في «ليبيا»، أو في «اليمن»، وقد يتِّسع الأمر ليصل إلى دول «الخليج» التي حاولت طوال الفترة الماضية أن تنأى بنفسها عن الصِّراع الحاصل، وتقتصر على تقديم الدَّعم المادِّي أو «اللوجستيّ»، وقد تكون «الكويت» كبش الفداء لهذه الدُّول قريبًا.
والجدير بالذِّكر أنَّ وزير الخارجيَّة الأمريكي السَّابق «هنري كيسنجر» أكَّد أنَّه لا يمكن التَّعامل مع هذه المنطقة إلا من خلال «الدِّين»، وهو السبيل الوحيد لتحقيق وتنفيذ مشاريع «الصَّهيونيَّة العالميَّة»، ولم يكن «غزو العراق» عام «2003» إلا تطبيقًا لهذا المنهج في التَّعامل.
بل إنَّ «العراق» بموقعه الاستراتيجيّ يشكِّل النَّواة الحقيقَّية لتنفيذ المشروع «الصَّهيونيّ»، ونقطة ارتكاز للانطلاق إلى بقيَّة الدُّول، ويعدُّ سيفًا مسلَّطا على رقاب دول «الخليج»، وما الأحداث التي يشهدها «العراق» حاليًا إلا محاولة للسَّيطرة عليه من أجل إكمال المشروع وإتمامه، من خلال إذكاء الصِّراع بين أكبر طائفتين فيه «السنَّة» و«الشِّيعة».
والسُّؤال الذي يُطرح هنا: هل يسمح المجتمع الدُّولي وفي مقدمته «الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة» التي تضع طاقاتها في خدمة أمن واستقرار «إسرائيل» أنَّ يصل «الأسد الإيرانيّ» ليجاور «الأسد الإسرائيليّ»؟!
والجواب عنه يكمن في مشروع كلٍّ من «الأسدين»، فالأوَّل يهدف إلى التَّمدُّد في المنطقة تمدُّدًا دينيًا، والثَّاني يهدف إلى التَّمدُّد ذاته، لكنَّه تمدُّد «عنصريّ»؛ لتحقيق حلم المعتقد الدِّيني «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النِّيل»، ولا شكَّ أنَّ الثَّاني مقدَّم على الأوَّل، خاصَّة أنَّ تحقيقه قائم على التَّفتيت «الطَّائفيّ» فلا يُسمح لقيام طائفة بعينها في المنطقة، وإن كانت ذات نمط واحد «الشِّيعة».
ولا شكَّ أنَّ ما نراه اليوم من تعاون بين «الأسدين» إنَّما هو تعاون يندرج ضمن التَّصنيف «التَّكتيكيّ» على نحو ما حدث بينهما في الحرب «العراقيَّة الإيرانيَّة»، وليس التَّصنيف «الاستراتيجيّ»؛ لتضارب مصالحهما على المدى البعيد. وإن كان الاستنزاف في كل من «سوريا» و«لبنان» و«العراق» حليفَ «الأسد الإيرانيّ».
وإذا كان هذا حال «الأسدين» فإنَّ حال «الأنظمة العربيّة» وشعوبها من أعسر الأحوال وأسوأها؛ لأنَّ «الأنظمة» القائمة من خلال توسيع الفجوة بينها وبين شعوبها جعلت منها فريسة سهلة المنال؛ بل إنَّها جعلت من نفسها أداة تنفيذيَّة لكلِّ ما من شأنه أن يهين شعوبها ويذلّها، حتى غدت هذه الشّعوب تنادي بضرورة عودة «الاستعمار» على أن تحكمها هذه «الأنظمة الفاسدة».