أهمية الشورى في الجهاد الإسلامي
د. فوّاز القاسم / سوريا
(( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ )) آل عمران (160)
لقد نزل هذا النص الباهر ، ليأمر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالشورى ، بهذا الأسلوب الجازم ، في أعقاب معركة أحد الخالدة ، وعقب وقوع نتائج للشورى كانت تبدو في ظاهرها خطيرة ومريرة !
فلقد كان من جرائها ظاهريا وقوع خلل في وحدة الصف المسلم .
حيث رأت مجموعة أن يبقى المسلمون في المدينة محتمين بها , حتى إذا هاجمهم العدو قاتلوه على أفواه الأزقة.
بينما تحمست مجموعة أخرى ، فرأت الخروج للقاء المشركين خارج المدينة .
وكان من جراء هذا الاختلاف ذلك الخلل في وحدة الصف . إذ عاد عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش , والعدو على الأبواب - وهو حدث ضخم ، وخلل مخيف - كذلك بدا أن الخطة التي نفذت لم تكن - في ظاهرها - أسلم الخطط من الناحية العسكرية . إذ أنها كانت مخالفة "للسوابق" في الدفاع عن المدينة - كما قال عبد الله ابن أبي - ولقد اتبع المسلمون عكسها في غزوة الأحزاب التالية , فبقوا فعلا في المدينة , وأقاموا الخندق , ولم يخرجوا للقاء العدو . منتفعين بالدرس الذي تلقوه في أحد !
ولقد كان من حق القيادة النبوية أن تنبذ مبدأ الشورى كله بعد المعركة ، أمام ما أحدثته من انقسام في الصفوف في أحرج الظروف ; وأمام النتائج المريرة التي انتهت إليها المعركة ...!
ولكن الإسلام كان ينشىء أمة , ويربيها , ويعدّها لقيادة البشرية . وكان الله يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمم وإعدادها للقيادة الرشيدة , أن تربى بالشورى ; وأن تدرب على حمل التبعة , وأن تخطىء - مهما كان الخطأ جسيما وذا نتائج مريرة - لتعرف كيف تصحح خطأها , وكيف تحتمل تبعات رأيها وتصرفها .
فالأمة لا تتعلم الصواب إلا إذا زاولت الخطأ . .
وإن أفدح الخسائر لتهون ، إذا كانت الحصيلة هي إنشاء الأمة المدربة المدركة الواعية المقدرة للتبعة .
واختصار الأخطاء والعثرات والخسائر في حياة الأمة ليس فيه شيء من الكسب لها , إذا كانت نتيجته أن تظل هذه الأمة قاصرة كالطفل تحت الوصاية .
إنها في هذه الحالة تتقي خسائر مادية وتحقق مكاسب مادية ،ولكنها تخسر نفسها , وتخسر وجودها , وتخسر تربيتها , وتخسر تدريبها على الحياة الواقعية .
كالطفل الذي يمنعه أهله من مزاولة المشي - مثلا – مخافة التعثر ، فيحرمونه من أعظم فرصة في حياته للتجربة والتعلّم ...!!!
ان الإسلام ينشىء أمة ويربيها , ويعدها للقيادة الراشدة . فلم يكن بد أن يحقق لهذه الأمة رشدها , ويرفع عنها الوصاية في حركات حياتها العملية الواقعية , كي تدرب عليها في حياة الرسول [ ص ] وبإشرافه .
ولو كان وجود القيادة الراشدة يمنع الشورى , ويمنع تدريب الأمة عليها تدريبا عمليا واقعيا في أخطر الشؤون - كمعركة أحد التي قد تقرر مصير الأمة المسلمة نهائيا , وهي أمة ناشئة تحيط بها العداوات والأخطار من كل جانب - ويحل للقيادة أن تستقل بالأمر وله كل هذه الخطورة - لو كان وجود القيادة الراشدة في الأمة يكفي ويسد مسد مزاولة الشورى في أخطر الشؤون , لكان وجود محمد [ ص ] ومعه الوحي من الله سبحانه وتعالى - كافيا لحرمان الجماعة المسلمة يومها من حق الشورى . !
ولكن وجود محمد رسول الله [ ص ] ، ومعه الوحي الإلهي ، ووقوع تلك الأحداث , ووجود تلك الملابسات , لم يلغ هذا الحق للأمة في الشورى .
ومن هنا فقد جاء هذا الأمر الإلهي الحاسم الجازم : (( فاعف عنهم , واستغفر لهم , وشاورهم في الأمر )). .
وإن مما تتفطر له الأكباد الرطبة ، وتتقطّع له نياط القلوب الحيّة ، أن تغيب أمثال هذه المعاني العظيمة عن قياداتنا ونُخبنا ، حتى في الجماعات التي تسمي نفسها إسلامية ، فيعطّلوا هذا الركن العظيم ( الشورى ) ويمنعوه من مزاولة دوره في بناء الجماعة والأمة وتربيتها وتطويرها وترشيدها ...
وبالرغم من وجود عشرات الهياكل ( الكرتونية ) الشورية في جماعاتنا الإسلامية وأمتنا ، إلا أنها هياكل صورية فارغة من مضمونها ، ومعطّلة عن أداء دورها ، والدليل هو : فشل تلك الهياكل الشورية الصورية الكارتونية لأكثر من نصف قرن في تطوير وتعليم وترشيد الأمة ، بالرغم من وجود الآلاف والملايين من الكوادر والنخب المثقفة والمبدعة لدينا ، والمشهود لها بالإتقان والإبداع في ميادين أعمالها الفردية ..!!!