التآمر والكذب وجهان لعملة واحدة

د. محمد أحمد الزعبي

1. اخترت هذا العنوان بينما كنت أتابع وقائع مؤتمر الأ akمن 2016 في ميونخ ، وبالذات كلمات بعض عناصر " المجموعة الدولية الداعمة لسوريا "، حيث توقفت عند ماورد  في مداخلة السيدديمتري مدفيديف رئيس وزراء روسيا الاتحادية من أن الطائرات الروسية لم تستهدف المدنيين في سوريا ، وأن مايشاع عن ذلك هو محض افتراء !!. كما وتوقفت عند ماورد في مداخلة السيد جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ، التي أكد فيها أنه لاغنى عن التعاون مع روسيا لحل  مادعاه "  الأزمة  السورية " متجاهلاً الاحتلال العسكري الروسي لسوريا نفسه ،  والإعلا ن الصريح لبوتن من أن الهدف الأساسي من التواجد العسكري  الروسي في سوريا هو الدفاع عن  " الرئيس " بشار الأسد ، الذي لم تمل الولايات المتحدة الأمريكية طوال أربع سنوات وعلى لسان أعلى المستويات  فيها ، من وصفه بالرئيس غير الشرعي والذي عليه أن "  يرحل "  فوراً  ، الأمر الذي يجعل من روسيا بوتين   ،  وفق هذا التصور الأمريكي ، خصما وليس حكما فيما يتعلق بحل" الأزمة السورية "  .

 2. في  المؤتمر الصحفي  لجون كيري وسيرغي لافروف ،  والذي عقد في ختام مداولات المجموعة  الدولية ال ١٧+٣ الداعمة لسوريا (!)، أشار  جون كيري ، إلى أن هذه المجموعة الدولية المعنية بالشأن السوري ،  قد أقرت  خطة عمل تهدف إلى وقف الأعمال العدائية في سوريا بعد أسبوع من اليوم ( الجمعة 12.02.2016). والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو ،هل تشمل هذه الأعمال العدائيةالتي تشير إليها خطة المجموعة الداعمة لسوريا  القصف الروسي للمدنيين وللمعارضة المعتدلة  ؟   أم أن الباب  ترك مفتوحا لمختلف التفسيرات ، بما فيها التفسيرات الروسية ، التي عبر عنها  وزير الخارجية الروسية السيد لافروف ،  بنفس المؤتمر الصحفي  الذي عقده مع زميله كيري،ب : (أ)  ضرورة استئناف المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة في جنيفدون شروط مسبقة ، ( ب) ضرورة إشراك الآخرين الذين لم يتم استدعاءهم في المرة السابقة ، (ج) إن وقف إطلاق النار لايشمل  كلا من " داعش ، وجبهة النصرة ، وغيرها من  التنظيمات الإرهابية "  ، (د) ولذلك فإن الطائرات الروسية سوف تتابع قصفها لهذه المنظمات ،  (هـ) حذر لافروف أيضاً من مغبة تحويل عملية الانتقال السياسي  في سوريا إلى انقلاب على النظام  تدعمه القوى الأجنبية  ( كما لو كان هو قوة محلية !! ) ، ذالك أنه على السوريين أن يحلوا مسألة انتقال السلطة بأنفسهم ( كلمة حق يراد بها باطل )  ،  (و)   كما سخر من المملكة العربية السعودية  فيما يتعلق بإعلانها عن نيتها القيام بعملية عسكرية ضد داعش داخل سورية ، (ز)  وحذر تركيا من أية محاولة عسكرية  ضد سوريا  ، 

(أ حرام على بلابله الدوح  حلال للطير من كل جنس؟ ) 

3. يحرص بعض الكتاب ( العرب وغير العرب ) سواء عند ظهورهم على الهواء في بعض الفضائيات أو فيما ينشرونه  في الصحافة الورقية  أو الإلكترونية على أن يؤكد على أنه لايقبل ولا يؤمن  ب " نظرية المؤامرة " ! . وهنا أريد أن أتفق (  جدلاً  ) مع هذا البعض فيما يذهبون إليه من عدم وجود أي تآمر بين الدول الكبرى المعنية والمعروفة حول ماجرى ويجري  في سورية  ، ولكني سأطرح على  السادة منكري    " نظرية المؤامرة " التساؤلات التالية وجميعها تدور حول مارأيته وما سمعته بنفسي  ( (بصورة مباشرة أو غير مباشرة )  من المجتمعين في ميونخ  ، حول بلدي  سوريا  : 

>  هل إن  رئيس وزراء  روسيا الإتحادية  السيد ( مدفيديف  ) عندما قال على الهواء وأمام مؤتمر ميونخ  بطوله وعرضه أن الطائرات الروسية لا تقصف المدنيين السوريين كان صادقا أم كاذبا ؟ ، وإذا كان كاذباً فهل كان يعرف أن يكذب ؟

> هل إن  إشارة  السيد جون كيري في مداخلته المطولة أمام مؤتمر ميونخ  إلى أن القصف الروسي يقوم بضرب المعارضة المعتدلة بدلا من داعش ، يعفيه من تجاوزه جوهر الإشكالية ، والذي هو : لماذا تتواجد هذه القوات الروسية ( الأجنبية )  في سورية  أصلاً ؟ .

الروس يقولون  أن قدوم قواتهم العسكرية إلى  سورية كان بطلب من "رئيس شرعي " ( يقصدون الرئيس الوريث ) ، ولذلك فإن تواجدهم العسكري في سورية هو تواجد شرعي  ، أما الأمريكان  ومنهم السيد جون كيري نفسه لم يملوا ( كما ذكرنا سابقاً ) على مدى أربع سنوات من القول بأن بشار الأسد  " فقد شرعيته "  و أن عليه أن " يرحل " ، بل  إن رقم ضحايا بشار ( وحلفائه )  قد ورد  على لسان جون كيري نفسه  في مداخلته  إياها ألا وهو( 400000 ) شهيد ( الرقم لكيري والوصف للكاتب )،

ألا يجعل هذا الرقم ( ، وبغض النظر عن أن الرقم الحقيقي  وفق العديد من الإحصائيات وبما فيها إحصاءات الهيئات الدولية  هو أكبر بكثير ) من شرعية بشار الأسد التي يتمسك بها الروس ،  أثرا بعد عين .  

>  وإذا كان جون كيري صادقا فيما يقوله حول الدور الروسي السلبي  في سوريا  ، سواء في قصف طائراتهم للمدنيين  وقتل العشرات منهم يومياً  ، أو في قصفهم للجيش الحر وقوات المعارضة المعتدلة  بدلاً من داعش ( وهو صادق فعلاً هنا ) ، فلماذا  لم يتعرض لعدم شرعية التواجد الروسي في سوريا من حيث الأصل  ، ولماذا لم يطالب روسيا بحسب قواتها من سوريا وترك السوريين يحلون مشاكلهم بأنفسهم ، واكتفى بنقد الممارسات العسكرية الروسية الخاطئة  فقط ؟ .

أخشى أن تكون ثورتنا السورية وشعبنا السوري ، أمام مؤامرة دولية مكتملة الأركان  تذكر بمؤامرة ١٩٤٨ على الشعب الفلسطيني .   

5. إن ماقاله ويقوله  بعض المحسوبين  على الثورة ، بل والذين عادة مايطلق عليهم  " أصدقاء الشعب السوري "  حول سوريا إنما يدخل ، من وجهة نظري ، ليس في باب "  المؤامرة  "  وحسب ، وإنما في باب"الكذب" أيضاً  . حيث  يمثل  الكذب هنا ورقة التوت التي  يحاول  بها المعنيون ستر عورات و مواقف أنظمتهم المحسوبة على الديموقراطية وحقوق الإنسان ، من نظرة طفل سوري أو طفلة سورية فقدا أبويهما تحت الدمار الذي خلفه قصف طائراتهم وصواريخهم وبراميلهم ، وهما ينظران إليهم  ، نظرة ملؤها  ال" ياحيف " ، ويقولان لهم بصوت طفولي خجول  ،يكفي الصمت والسكوت على جرائم بشار الأسد  ومرتزقته أيها الأصدقاء . وليعلم الحاضر منكم الغائب ، أن السكوت عن مثل هذه الممارسات الهمجية في سوريا طيلة خمس سنوات من  القتل والتدميروالتهجيروالتغريق والإبادة الجماعية وانتهاك حقوق الإنسان ،إنما هو " أيها الأصدقاء " سكوت عن الحق ، وإن الساكت عن الحق شيطان أخرس .  ورحم الله المتنبي في مخاطبته لسف الدولة الحمداني في لاميته:

          وسوى الروم خلف ظهرك روم     فعلى أي جانبيك تميل ؟!

فيا أ طفال سورية اتحدوا .

وسوم: العدد 656