الإسلام يريد اسهام الجميع
تأمل معي :
لأول مرة في التاريخ يفك الاسلام أعقد مسالة في مسار الانسانية يفك صراع الأجيال و الأجناس و الأعراق و القوميات من خلال صناعة قيم جديدة مخالفة للأعراف الموروثة ، تلك القيم البالية الموروثة التي حملت ظلمات و ضلالات الماضي ، يعالجها الإسلام ببناء منظومة قيم جديدة تألفها طبيعة الانسان المكرم و تنسجم مع حاجياته الفطرية . ففطرة الانسان تقبل الإيمان تعشق الجمال و تكره الظلم و ترفض التمييز و تحب البحث و تفضل الحرية و ترفض الاستبداد بكل أشكاله هي فطرة كما خلقها الله سبحانه .
المفاضلة بالتقوى و العمل الصالح :
لعل أعظم توجيه ساقه الاسلام للإنسانية في بيان الحقيقة المحيرة في رسالة حجة الوداع و خطبة الوداع الموجزة ، في كلمات الوجيزة في وقتها . هذه الخطبة ضمنت حقيقة الربوية و العبودية ثم أصلت حقيقة أصل هذا الكائن الكرم و ميزان الفضل ، حتى لا تتعدد الرؤى حول حقيقة الأصل فالأصل واحد " أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد الغائب « فمن هذا المنطلق لا مفاضلة بين الأعراق و الأنساب فالمفاضلة بالتقوى و العمل الصالح .
مشروع يبنى بسواعد الجميع :
إن مشروع الإسلام في الصدر الأول بني بسواعد جميع الصحابة رضوان الله عليهم ، في تنوع مبهر ، اجتمعت فيه كل الإيرادات الخيرة ، اجتمع فيه عطاء الشيوخ و عطاءات الشباب ، كما احتوى عطاءات المرأة التي شاركت في البناء اسهاما عجيبا فكانت تربية فريدة استوعبت حكمة الشيوخ و حماسة الشباب . فلا نكران لشيبة الشيوخ في التربية و التضحية و الجهاد الحق . فبهذا لا يكون للشباب ضيق بالأباء فإن حق السبق في العطاء هي ضمان للوفاء . و إن هذا الحق لا يمنع الحقوق المكتسبة ، بل على العكس من ذلك فقد أقر الإمام البنا رحمة الله عليه إن للشباب دور هام في صناعة النهضة وفقا لقاعدة التيسير . " يقول الإمام : " وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الايمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل من خصائص الشباب. لان أساس الايمان القلب الذكي، وأساس الاخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماسة الشعور القوي، وأساس العمل العزم الفتي، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب . ومن هنا كان الشباب قديما و حديثا في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها، وفي كل فكرة حامل رايتها "إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى " سورة لكهف
قاعدة كل ميسر لما خلق له :
نحسب أن الرسول يعد أغظم من وظف هذه القاعدة في بناء المشروع فقد وظف كل هذه الطاقات كلا حسب الإستعدادات التي يملكها بحسب جدوال التشغيل و المهمات التي يتقنها و يقوى على حملها و السيرة النبوية ملأى بهذه النماذج . و في الحديت إشارة دالة على ذلك .عن علي بن أبي طالب قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بقيع الغرقد في جنازة ، فقال : " ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار " . فقالوا : يا رسول الله ، أفلا نتكل ؟ فقال : " اعملوا ، فكل ميسر لما خلق له " . قال : ثم قرأ : " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى " إن الأمة تزخر بكم هائل من الطاقات وجب استغلالها فيما يفيد الأمة و يرفع شأنها بين الأمم و هذا الإمام يعلمنا كيف نستثمر توظيف الطاقات في كلام بديع الروعة يرد على من طلب منه التفرغ للزهد و التعبد : "إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فُتح له في الصلاة ولم يُفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشْرُ العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير".
وسوم: العدد 658