الكلام المعقول في قصة سحر الرسول!

شاهدتُ –مؤخراً- إحدى الفضائيات سيئة السمعة! وإذا بواحدٍ من المغفَّلين من الأعراب يشرح قصة سِحر الرسول الأعظم، وينتقد الرافضين لهذه القصة!

انظر؛ فيمَ يتحدث هؤلاء الأدعياء المغرَّر بهم؟

ألمْ يروا إلى الأُمة التي تحترق –لا أقول من الخليج إلى المحيط- بلْ أقول: من كهوف تورا بورا إلى أدغال أفريقيا! ألمْ تحركهم تلك الدماء التي تتدفق ليل نهار؟ ألمْ يبصروا تلك الجماجم التي لا تجد من يواريها؟ ألمْ يشعروا بالخراب الذي حلَّ بأمة المختار؟

إنَّ القوم مشغولون بتخدير الأمة، والتغرير بها ... إنها (المؤامرة الكبرى) التي يقود زمامها الحمقى، والمرضى، وأدعياء السلفية ... قاتلهم الله أنَّى يؤفكون!

*   *   *

إنني أرجو أن يسمع هؤلاء الأدعياء؛ لِما سنورده من حقائق ناصعة، وقرائن دامغة، تقتلع هذه القصة الخيالية من أساسها؛ التي لا يقبلها شرع حكيم، ولا عقل سليم!

أولاً: ليس إسناد أيّ رواية إلى أُم المؤمنين -أو إلى أيّ صحابي- يقطع بصحتها.

     ثانياً: ليس ورود القصة في صحيح البخاري، ينجيها من الضعف .. لأنه لا يستطع أحد أن يزعم أن صحيح البخاري "لا ريب فيه" أو أنه "لا يأتيه الباطل"! إنما هو كتاب ممتاز، بلغ مبلغاً عالياً من الصحة. والأصح منه (موطأ مالك) الذي يتجاهله السلفيون! 

جدير بالذكر، أن الإمام (مسلم النيسابوري) صاحب الصحيح، وهو تلميذ البخاري- ضعّف كثيراً من أحاديث البخاري، والبخاري ضعّف من أحاديث مسلم! كما أن (الدارقطني) انتقد حوالي 100 حديث في البخاري!

 ليس هذا فحسب؛ فأبو زرعة الرازي -وهو تلميذ البخاري- تألّم وتضجّر عندما رأى "مسلم" جمع أحاديثاً كثيرة، وسمّاها (صحيح مسلم) فقال مستنكراً: سمّيته صحيحاً، لتجعله سُلّماً لأهل البدع؟!   

ثالثاً: لقد رفض "قصة سحر النبيّ" واستهجنها غالبية العلماء والأئمة المحققين في مختلف العصور، حسبنا أن نذكر أشهر من أنكروها ورفضوها من أئمة السلف، أمثال: ابن الجوزي، وابن حجر الهيتمي، والرازي، والباقلاني، وابن دقيق العيد، والإمام/ الجويني، وغيرهم. كما استنكرها في العصر الحديث الكثير من الأئمة الأعلام: كالشوكاني، ومحمد عبده، والشيخ عبد الله دراز، ومحمد البهي، والأحمدي الظواهري، والشيخ مصطفى عبد الرازق، وحسنين مخلوف، والشيخ المراغي، ومحمد أبو زهرة، والشيخ/ كشك، وشلتوت، وعبد الحليم محمود، وجاد الحق، والغزالي، والشعراوي، والقرضاوي، وأحمد عمر هاشم، وإسماعيل الدفتار، والأحمدي أبو النور، وغيرهم من أولي الألباب الذين يُحتَجُّ برأيهم في تلك المسائل!

رابعاً: لوْ أنّ الرسول الأكرم ابتُلِي بالسحر، فإنَّ هذا الأمر ليس بمسألة الهيِّن، بلْ هو أمر جلل .. خاصة أن القصة تقول بأن السحر استمر لأكثر من شهرين! فكان من المتوقع أن يرويها كثير من كتيبة الرواة الذين لا يبرحون مجالس الرسول!

خامساً: لماذا لم ترِد أيّة إشارة من "صاحب الرسالة" إلى أنه قد سُحِر ذات مرة، أو في يوم كذا، أو أنَّ السبب كذا .. كعهدنا بالمرويات النبوية؟ أو أنَّ أحد الصحابة -مثلاً- قال له أخبرنا عن واقعة سحرك .. وما شابه ذلك؟!

سادساً: إذا كان النبيّ المُجتبَى قد سُحِر بالفعل؛ فما معنى قوله الله تعالى: "والله يعصمك من الناس"! فمن أي شيء -إذن- عصمه؟ وهل هناك بلاء أكثر من السحر؟!

سابعاً: معلوم ومتواتر أن الناس كانوا يذهبون للنبيّ لعلاجهم مما يصيبهم من سحر وحسد؛ كالمرأة التي كانت تتكشّف، فدعا لها بالشفاء. ومأثور عنه أنه كان يُعوّذ "الحسنيْن" بالكلمات التامّات، وكان يرقي الناس ويُعوّذهم بسورتي الفلق والناس. بلْ أُثِرَ عنه أدعية لا حصر لها في هذا الباب .. فهل هو-حاشاه ربّه- نسي أن يُعوّذ نفسه؟!  

إن المصدقين لهذه القصة الخرافية يؤيدون قول المشركين "إنْ تتبعون إلاَّ رجلاً مسحورا"!

 وإذا كان (ابن الخطَّاب) يمشي في طريق، والشيطان في طريق آخر .. فما الظن بإمام الهُدَى، ونبيّ الأنبياء؟

 ثامناً: الذي نجّى "موسى" من السِّحر ونصره على السحرة؛ كيف لا ينصر أخاه مُحمّداً؟!

تاسعا: أليستْ هذه القصة لوْ صحّت كفيلة بأن تفتح باباً واسعاً للتشكيك في أمور كثيرة فيما يتعلق بالوحي، وما تبعه من الهدي النبوي؟!

عاشراً: أريد من (غلمان الوهابية) أن يجيبوا عن السؤال التالي: ما هو السر الخفي في أن البطل (يهودي) وليس وثنياً أوْ هندوسياً أوْ روسياً- وراء قصص (سِحر النبي، وسم النبي، ورهن درع النبي، و..)؟! 

أخيــــراً؛ لئن لم ينتهِ أدعياء السلفية، والذين في قلوبهم مرض؛ عن ترديد هذه الاساءت لسيد العالمين؛ لأحرِّقنَّنهم، ثم لأنسفنَّهم في اليم نسفا !

أكتفي بهذا القدر، ولا أريد أن أفيض في الحديث من حيثُ أفاض الناس!

وسوم: العدد 658