يسرى إبراهيم البربري، رائدة العمل النسائي في فلسطين

clip_image002_8d935.jpg

إنه لمن دواعي غبطتي أن أكتب عن الأستاذة القديرة يسرى البربري، والإشادة بدورها في كتابي: (أعلام من جيل الرواد من غزة هاشم: منذ أواخر العهد العثماني وحتى القرن العشرين)، وهو جهدي المقل. أتناول فيه إنسانيتها، والقيم العالية التي حرصت عليها، والمثل الراقية التي وضعتها نصب عينها، والمبادئ السامية التي تمسكت بها، تكريماً للإنسانية في شخصها، وإكباراً لتلك القيم وإشادة بتلك المثل، وتقديراً لما تحلت به من الفضائل، وتحسيناً في عين الجيل الصاعد لمزاياها وسجاياها... وفي ظني أنه ليس بوسع أحد أن يكون مربياً ناجحاً ما لم يكن إنساناً كاملاً في إنسانيته، لأن التربية عملية ملازمة للحياة، بل الحياة المعطاءة في أسمى معانيها. لقد أحست بآلام قومها، فهي واحدة منهم، عاشت مشاكلهم، وعانت المظالم التي عانوها، وشربت من الكأس الذي شربوه، وتجرعت مرارة البؤس والشقاء والإجحاف في عهد الانتداب البريطاني الظالم، وفي ظل الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.

حيث ولدت المربية يسرى البربري في حي الدرج بمدينة غزة في 15 إبريل (نيسان) عام 1923، (نشأت في أسرة وطنية مثقفة فوالدها الحاج إبراهيم البربري من تجار غزة وعضو المجلس البلدي فيها زمن الانتداب البريطاني، ووالدتها السيدة لبيبة محمود حلاوة كان لها اهتمامات وطنية ونشاطات إنسانية، وشقيقها المحامي كمال البربري الذي دافع عن الثوار العرب الذين قاوموا الانتداب البريطاني واستشهد عام 1967)، تخرجت من مدرسة بنات غزة الابتدائية، ثم كلية شميدت الثانوية في القدس.

سافرت إلى مصر، والتحقت بكلية الآداب قسم التاريخ في (جامعة فؤاد الأول- القاهرة الآن)، وتخرجت عام 1949، وكانت أول جامعية في قطاع غزة، ولم يقتصر تعلمها على هذا الحد بل حضرت أطروحة للماجستير بعنوان: (كفاح ونضال الشعب الفلسطيني) تحت إشراف الدكتور شفيق غربال رئيس الجمعية التاريخية بجمهورية مصر العربية، وأجادت اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية قراءة وكتابة، كما تعلمت اللاتينية والعبرية والألمانية.

بدأت حياتها العملية مدرسة في مدرسة بنات السبع الابتدائية، ثم مدرسة وناظرة مدرسة الزهراء الثانوية للبنات في غزة، وكانت المدرسة الثانوية الوحيدة للبنات في قطاع غزة، ثم ناظرة لمعهد المعلمات في القطاع ثم ناظرة للجامعة الشعبية فرع السيدات التي أنشأتها الإدارة المصرية في الفترة المسائية أوائل الخمسينيات، ثم مفتشة للمواد الاجتماعية في مدارس قطاع غزة حتى عام 1967.

نشطت وهي عمرها خمس سنوات في جمع التبرعات لمنكوبي أحداث الأقصى في عهد الانتداب، واشتركت في المظاهرات ضد سلطات الانتداب البريطاني ومصادرة الأراضي وإقامة المستعمرات اليهودية، كما برزت في العديد من النشاطات المعادية للصهيونية وسلطات الانتداب في المرحلة الثانوية في القدس، وكذلك في الجامعة بمصر عامي (1947/1948)، واشتركت مع سيدات القطاع في استقبال أفواج اللاجئين الفلسطينيين وتقديم الخدمات لهم عام 1948، وعملت على تدريس الفتيات الفلسطينيات اللاجئات في الخيام، كما ساهمت في العمل الوطني والمظاهرات والاجتماعات ضد مشروع التوطين اللاجئين في سيناء، والاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة أثناء العدوان الثلاثي 1956.

اختيرت المترجم لها عضواً في جمعية الصليب الأحمر الدولي أثناء الحرب العالمية الثانية، وعضواً في اللجنة التأسيسية للاتحاد النسائي الفلسطيني، ورئيسة الاتحاد بقطاع غزة منذ عام 1964 وحتى وفاتها، وشغلت سكرتيره تنفيذيه لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بقطاع غزة (تأسست عام 1964 وبدأ العمل بها عام 1972)، ثم عضواً في مجلس إدارتها وكانت عضواً في مجلس إدارة جمعية المحاربين القدماء بقطاع غزة.

شاركت مع الدكتور حيدر عبد الشافي، وإبراهيم أبو ستة في أول وفد فلسطيني زار هيئة الأمم المتحدة عام 1963، واختيرت عضواً في المؤتمر الفلسطيني الأول بالقدس عام 1964، وعضواً في المجلس الوطني ورشحت لعضوية الهيئة التنفيذية فيه. رأست وفد قطاع غزة للجنة التأسيسية لمؤتمر المرأة الفلسطينية في القدس عام 1965، وكذلك الوفد الفلسطيني لمؤتمر الجامعيات في بيروت والقاهرة.

أبدعت في النشاط الرياضي، وشاركت في معظم الدورات العربية والعالمية لتنس الطاولة، وعملت كمسؤولة إدارية لمنتخب فلسطين للفتيات.

بعد هزيمة حزيران عام 1967 شاركت في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الغاشم بمختلف المجالات.. ومنعتها قوات الاحتلال عام 1974 من السفر خارج قطاع غزة لعدة سنوات، وقدمت لها المحكمة العسكرية الإسرائيلية عدة تهم أمنية.

توفيت رحمها الله بعد حياة حافلة بالعطاء عصر يوم 13/5/2009 وشيعت في موكب مهيب، ودفنت في مقبرة الشهداء الإسلامية شرق مدينة غزة، وأُقيم لها حفل تأبين يوم الأربعاء 24 حزيران (يونيو) 2009 في مركز رشاد الشوا الثقافي بغزة، شارك فيه العديد من الشخصيات الوطنية.

وسوم: العدد 659