هل تنبأ "الكتاب المقدّس" بداعش؟!

ادعى –مؤخراً- القس الأميركي/ مايكل فورتنر Maikel Fortiner-مؤلف كتاب "اكتشافات في تنبؤات الكتاب المٌقدس" أنَّ "الكتاب المُقدس" تنبأ بظهور "داعش"، واندلاع حرب عالمية ثالثة تبدأ بمنطقة نهر الفرات. وقال: هناك أربعة ملائكة مُقيّدة في نهر الفرات، سيتم إطلاقها لقتل ثلث البشر، ودلَّلَ على كلامه بنص من (الإصحاح التاسع من سِفْر الرؤيا).    هذا ما نشرته (صحيفة Express البريطانية 12 /2/ 2016).

   ومنذ سنوات؛ ألقى القس Hiten محاضرةً في المسرح الملكي في ديربن Durbin بالمملكة المتحدة، فَسَّر فيها التنبؤات التي وردت في التوراة والإنجيل، بشكل يبرهِن على أنَّ الإنجيل قد بشَّر بقيام الاتحاد السوفيتي، وبأنَّ القيامة ستقوم في غضون سنوات قليلة، كذلك ادَّعى هذا القسيس بأن (الإنجيل) لمْ يترك شيئاً إلاَّ أحصاه، فتنبأ بقيام دولة الفاتيكان والبابا، وادَّعى –كذلك- أنَّ التنِّين الذي ورد في الإصحاح الثاني عشر من (رؤيا يوحنا اللاهوتي) إنما هو (هنري كيسنجر H.kissinger) وزير خارجية أميركا السابق!

عندئذٍ؛ لمْ أتمالك نفسي من الضحك ... فسألني عن سر ضحكي؛ فقلتُ له: إذا كان "الكتاب المقدَّس" تنبأ بكل شيء، حتى مثل هذه الأشياء الصغيرة ... ألمْ يتنبأ –كذلك- بأجلّ وأعظم حدث في التاريخ، بلْ في الدنيا كلها، ألاَ وهو ظهور (النبيّ الخاتم)؟ ذلكم الحدث الذي يُعدُّ أخطر زلزال، وأكبر تحدِّ في تاريخ الكنيسة –كما يقول فلاسفة المسيحية! 

قبل أنْ أُكمِل حديثي ... انفجر طوفان الضحك بين الحاضرين، ولمْ يستطع القس Hiten أنْ يواصل محاضرته! لكني التقيته بعدها بأيامٍ قلائل، وقال لي مداعباً: لماذا تأخذ الكلام كله على محمل الجد .. ألستم في البلاد العربية تتكلمون بالمجاز، والتورية، والكناية، والمشاكلة، وعكس الظاهر، والمعنى البعيد ... إلخ!!

*   *   *

      يقول علماء اللاهوت: إنَّ هناك مئات أوْ آلاف من التنبؤات في العهد القديم تشير إلى مقدم (عيسى) عليه السلام. ولكن إذا سألتَ أحدهم أن يأتيك بأيّ إشارة إلى عيسى بالاسم، أوْ إلى المسيح بالذات، أوْ حتى كلقب، أوْ على ما يشير إلى أنَّ عيسى هو المسيح، أوْ المسيح هو (عيسى) أوْ إلى والدته هي مريم، وأنَّ الذي رعاه هو يوسف النجار، أوْ إلى أنه سيُولَد في عهد هيرود الملِك، وما إلى ذلك من تكهّنات ... لا يجد ما يدلّ على دعواه!!

   لكن فلاسفة المسيحية؛ أرهقوا أنفسهم في البحث، حتى أرهقوا البحث ذاته، وأتوا بفقرة من العهد القديم، نصّها في نسخة الآباء اليسوعيين: (سأُقيم لهم نبياً مثلكَ من وسط إخوتهم. وأجعل كلامي في فمه فيكلّمهم بكل ما أُوصيه به. ولسوف تستمعون إليه. ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم باسمي أنا أُطالبه) "التثنية 18:18". وفي النسخة الكاثوليكية من الكتاب المقدس يقول: (سأكون أنا المنتقِم) أيْ أنَّ الله سيتوعَّد بالعقاب من لا يسمع له.

وهذا النص جاء في النسخة الإنجليزية، كالآتي: (ولسوف يُقيم ربكَ رسولاً من أبناء عمومتكم مثلك. أجعل كلامي في فمه فيكلِّمهم بكل ما أُوصيه به. ولسوف تستمعون إليه ...".

    ونحن نتساءل: ماذا تعني هذه النبوءة؟ وإلى أيّ شخص تشير ...إلى عيسى أمْ إلى غيره؟ 

إنهم يذهبون إلى أنَّ عيسى مثل موسى؛ باعتبار أنهما رسولان، وأنهما من بني إسرائيل.

ونحن إذا سلَّمنا بهاتيْن النقطتيْن، ووافقناهم في تأويلهم، فإننا نكون غير محايدين، لأنَّ هناك أنبياء كثيرين تجمعهم بموسى هاتان الصفتان، أمثال: سليمان، وإشعياء، وحزقيال، ودانيال، وهوشع، وملاخي، وزكريا، ويحيى، وغيرهم ... فكلّهم كانوا يهوداً، وكانوا أنبياء.

   لكن، بنظرة موضوعية؛ لا نرى أنَّ عيسى مثل (موسى) للأسباب التالية:

يرى المسيحيون أنَّ عيسى إله، في حين يرى اليهود أنَّ موسى لمْ يكن إلاَّ نبياً ورسولا. يرى المسيحيون أنَّ عيسى صُلِبَ مُكفِّراً عن خطايا العالم، ولكن موسى لمْ يمت مُكفِّراً عن خطايا أحد. يرى المسيحيون أنَّ عيسى ذهب إلى النار لمدة ثلاثة أيام، في حين لمْ يذهب موسى إلى نار إطلاقاً. وعلى ذلك لا يكون عيسى مثل موسى.

  لكن إذا قارنَّا مُحمَّداً بموسى في حدود هذه الجملة التي وردت في التوراة، نجد ما يلي:

وُلِدَ موسى من أب وأُم، كذلك مُحمَّد، ولكن عيسى وُلِدَ من أُنثى فقط، ولم يكن له أب. وُلِدَ موسى بالطريق الطبيعي زواج رجل بامرأة، ولكن عيسى وُلِدَ بمعجزة. لقد تزوج موسى، وكذلك مُحمّد، وأنجبا ذرية، أمَّا عيسى فبقِيَ دون زواج طيلة حياته، وبالتالي فإنَّ (عيسى) ليس كموسى، ولكن مُحمّداً مثله. صَدَّق الشعب العربي مُحمّداً كما صدَّق الشعب اليهودي موسى، وقد تقبّلاهما كرسوليْن خلال حياتهما. وأن عيسى الذي جاء إلى اليهود، لمْ تقبله اليهود حتى بعد قرابة ألفي سنة. وعلى ذلك نقول: إنَّ عيسى ليس مثل موسى، بلْ موسى مثل مُحمّد. كان كل من موسى ومُحمّد رسولاً وحاكِماً مدنياً. لكن عيسى لم يحكُم، ولم يملِك حق تنفيذ الشريعة كصاحبيْه، وبالتالي نقول: إن عيسى لم يكن مثل موسى، بلْ كان مُحمَّد مثله. جاء كل من موسى ومُحمَّد بشريعة جديدة. أمَّا المسيح فنجده يكرِّر مِراراً للشعب اليهودي بأنه لمْ يأتِ بدين جديد، وما جاء لينقض شريعة موسى، بلْ ليصلح فقط. وعلى ذلك يكون عيسى غير موسى، وليس شبيهاً له، في حين أنَّ مُحمّداً شبيه بموسى ومثله. مات كل من موسى ومُحمّد بطريقة طبيعية، لكن عيسى رُفِعَ إلى السماء. وعلى ذلك يكون مُحمّد مثل موسى، وليس(عيسى) مثل موسى. دُفِنَ جُثمان كل من مُوسى ومُحمّد في الأرض، ولكنَّ عيسى كان مثواه السماء، وبالتالي يكون مُحمّد مثل مُوسى، أمَّا عيسى فلا.

ومعنى "أجعلُ كلامي في فمه فيكلِّمهم بكل ما أُوصِيه به" التي وردتْ في النص: أيْ أنَّ هذا النبيّ سيكون أُميّاً، لا يقرأ ولا يكتب.

وأمَّا المقصود بـ(من وسط إخوتهم ...أوْ من أبناء عمومتهم) أيْ من نسل (إسماعيل). وليس من نسل بني إسرائيل .. لأنه لوْ كان هذا النبيّ الموعود من نسل إسرائيل، لقال: منكم أوْ من أنفسكم أوْ من بيت إسرائيل .. أليستْ هذه هي الحقيقة؟

ومما يُدحِض رأي اليهود والنصارى في أن هذه البشارة لا تنطبق على يوشــــع ولا على المســيح بأيّ حال من الأحوال، وإنما تبشِّر بالنبيّ الأُميّ الخاتم؛ هو ما جاء في التوراة أنه لا يقوم في بني إسرائيل نبيٌّ مثل موسى. "وَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى، الَّذِي خَاطَبَهُ الرَّبُّ وَجْهاً لِوَجْه" (التثنية 34: 10).

وكما هو معروف لدى الجميع أن المسيح كان من بني إسرائيل. فلا يبقى إذنْ سوى (مُحمَّد) الذي بشَّرَ بهِ سِفْر التثنية! 

وسوم: العدد 659