التفجيرات التي تشهدها تركية اليوم، ومايجب أن تعرفه أولاً
التفجيرات التي تشهدها تركية، و التي كان آخرها تفجير قزيلاي، في الثالث عشر من شهر آذار/مارس وسط أنقرة. وراح ضحيتها أكثر من مئة و خمسين شخصاً بين قتيل و جريح هي تفجيرات هادفة، خطط لها مسبقاً من أجل زعزعة أمن تركية، و النيل من وحدتها الوطنية. و من تجربتها الرائدة، و نموها الاقتصادي، الذي بلغ مرحلة متقدمة نالت إعجاب العالم و تقديره.
وذلك كله جزء من مخطط مشبوه يستهدف المنطقة الشرق أوسطية، و تقف خلفه جهات دولية هدفها الأول و الأخير، إثارة الفوضى و الاضطراب و القلاقل في تركية، و فصم العرى الاجتماعية فيها، و القضاء على نموها و تقدمها، و الحيلولة دون أخذها بأسباب القوة. أو تحقيق المستوى المطلوب من الرخاء الاجتماعي الذي يطلبه شعبها.
و الجرح التركي و هو جرح ماس و عميق، يذكرنا بما نجب أن نكون عليه- نحن شعوب المنطقة الشرق أوسطية- من نباهة في تقدير الموقف، و من ارتقاء في المستوى، و عدم الركض وراء الأفكار المشبوهة، التي تهدف إلى تحويل الأنظار عن العدو الحقيقي إلى عدو آخر مفترض، و شغل الدولة التركية به دون أن تنتبه إلى الفاعل الرئيس، في هذه الجريمة المأساة.
و الذي يجري في سورية و هو جزء من ذلك المحطط يقدم أكثر من دليل على هوية الفاعلين، و على أهدافهم البعيدة و القريبة، و هي غير خافية على أحد. و قد باتت اليوم أكثر تكشفاً، بسبب السياسات المعلنة، و المواقف الواضحة، و منها مواقف الذين يخططون لذبح الشعب السوري من الوريد إلى الوريد، ثم يزعمون بتكشف ساذج أنهم من حماة ذلك الشعب ومن أنصاره!!!! ولكن بالبراميل المتفجرة، و بالقنابل العنقودية و بالصواريخ البعيدة المدى التي ترمى على السوريين من البحر الأسود و الأحمر و الأبيض، و بالطيران المدمر الذي يستهدف المدارس و المشافي و الأسواق الشعبية و حتى دور العبادة. ثم يزعمون وببلاهة فظة أنهم يستهدفون الإرهابيين و يعملون من أجل القضاء عليهم، ظناً منهم أن مايفعلونه سيمكنهم من تمرير مخططهم، و من تنفيذه. و هذا مايجب أن ينتبه إليه. و الذي نريد أن نقوله للإخوة الأتراك في هذه الأجواء المأساوية المشحونة بالغضب و نحن نمد لهم يد الإخاء و نواسيهم في مصابهم الجلل- أن يقفوا عند خمس من المسائل التي نرى أنها مقدمة لفهم ماحدث جيداً:
المسألة الأولى: أن يعودوا إلى قراءة المخطط الشرق أوسطي الجديد و أن يقفوا على مافيه من أفكار و خطط، و المعلومات عن ذلك المخطط متوافرة حتى على صفحات التواصل الاجتماعي، و قد كثر المتحدثون عنها، حتى باتت بحكم المعروف من قبل عامة الناس و خاصتهم.
المسألة الثانية: أن يعرفوا أهداف اللاعب الرئيس و مخططاته على الساحة الدولية، و ألا تغرنهم التصريحات أو التقليعات أو التعليقات، فقد يكون ذلك كله للاستهلاك، و مايخفى أخطر و أكثر أهمية. و نعتقد جازمين أن مايجري اليوم إقليميا و بالتحديد في سورية و العراق و اليمن، و ربما في تونس و ليبيا و مصر لايخرج عن هذه الدائرة، و هذه المسألة غير خافية على أحد.
المسألة الثالثة: أن يحسنوا قراءة التحالفات الدولية في المنطقةوأن يعرفوا الأطراف الرئيسة المشاركة فيها. و ماتفعله في المنطقة، و قد أصبحت بسبب تلك الأفعال، أشبه ماتكون بالمنطقة المحروقة. و نظرة عجلى على مايجري في سورية و العراق تؤكد ذلك.
المسألة الرابعة: أن يعرفوا الأدوات المشاركة، التي تتولى تنفيذ ذلك المخطط، و أن يميزوا بين المستفيد منها و المأجور عليها. و أن يحسنوا التعامل مع هذه الظاهرة داخلية كانت أو خارجية، و أن يحذروا ردود الأفعال التي قد تؤدي إلى توسيع دائرة العنف، و إلى نتائج عكسية ليست في الصالح العام، و قد تخدم المخطط ذاته،بما تشيعه من بلبلة و فوضى، و اضطراب أمني غير محسوب.
المسألة الخامسة: أن يعرفوا طاقاتهم، و قدراتهم، وواقعهم المحلي، و ماهم عليه من ضعف أو قوة، و مايجب عليهم فعله اليوم أو غداً، و أن يعملوا على تكوين الهيئات المختصة على كافة الصعد الإعلامية و السياسية، و الاقتصادية و الاجتماعية و العسكرية و إخضاع ذلك للبحث الجادّ و المعّمق و الذي من شأنه أن يوصل إلى الحقائق المجردة، و أن يعين صانع القرار، و يساعده على حل المسائل الصعبة و الشائكة.
و هذه المسائل الخمس. و هي التي يجب أن يُفَكَّر بها، و أن يعمل من أجلها جملة و تفصيلاً.
فما يجري في تركية اليوم، ليس حدثاَ عارضاَ، و لا طارئاَ، و إنما هو حدث خطط له ببراعة، و أعد ليكون حلقة من مؤامرة، أريد لها ان تكون مستمرة، و ألا تتوقف، و هذا مانحذره و نخشاه و نعد العدة من أجل تلافيه. و تبقى الكلمة الأولى و الأخيرة لأصحاب التماسّ المباشر مع هذه المسألة من مختصين و تقنيين و خبراء و فنيين ممن يجيدون التعامل معها أو مع غيرها من المسائل الأخرى.
أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 659