حماس ومصر : هل بدأ الوفاق ؟!

بعد ما طال التساؤل والشك حول نتيجة  مباحثات وفد حماس في مصر ؛ نسبت صحيفة " الجريدة  الكويتية" يوم السبت التاسع عشر من الجاري إلى مصدر مصري رفيع أنه تم الاتفاق بين الطرفين على صيغة وفاق مكتوب من ستة بنود تحقق في جملتها نسبة معقولة مما يريده كل طرف من نظيره . الطرف المصري ركز عل همومه الأمنية ، وحماس ركزت على براءتها من المشاركة في صنع تلك الهموم ، وعلى استعدادها لتقديم كل ما تستطيع لمساعدة مصر في الجانب الأمني ، وسعت إلى عمل ما يمكن أن يخفف من أعباء الحصار على غزة ، وذكرت الصحيفة أن أحد البنود يتحدث عن إقامة ميناء بحري . البنود الستة تبين أن كل طرف في حاجة إلى الآخر . كلاهما في شدة . الحديث عن علاقة مصر بحماس هو حديث عن علاقة مصر بغزة ، وهنا تنفسح مساحته ، ولا مكان لانفساحه في هذه السطور . نكتفي  بالمشيرات التالية :

أولا : ليس في غزة ، أيا كان انتماؤه ، من يريد مس مصر بسوء ، هذه مسلمة وطنية شعبية في غزة .

ثانيا : كل التوترات التي أصابت علاقة الطرفين مصطنعة من قوى في مصر وفي فلسطين وفي إسرائيل .

ثالثا : نوعية العلاقة بين مصر وغزة لاعتبارات جغرافية واجتماعية وتاريخية يجب ألا تتأثر بعوارض الأحداث العابرة ، ومثلا ، الانقسام الفلسطيني الذي حدث في يوليو 2007 ، ما كان ينبغي أن يصنع بين غزة ومصر كل هذه القطيعة بحجة أن في غزة إدارة منقلبة على السلطة الفلسطينية . السلطة الفلسطينية نفسها تعرف وتشهد ليل نهار أنها سلطة صورية بلا صلاحيات سيادية في الضفة . والواقع هو أن الضفة محتلة داخليا وخارجيا ، وغزة محتلة خارجيا ؛ فأين هي السيادة ؟! وهكذا ، كان يجب مراعاة الواقع لا الوهم ، ولو روعي الواقع لاستبقت مصر ممثليتها في غزة ، وليسر عليها بقاؤها فهم حقائق الأوضاع في غزة ، ولما بدت غزة في عينها كأنها موجودة وراء النظام الشمسي ، ولبادر أعضاء الممثلية لمناقشة أي خلاف فور حدوثه مع الجهات المسئولة في غزة ، وستكون خطوة موفقة مفيدة لمصر ولغزة لو أعادت مصر افتتاح تلك الممثلية . حافظت مصر عقودا على "إدارة حاكم غزة " بعد الاحتلال الإسرائيلي في 1967 ، وجعلت لها طوال تلك العقود مقرا في القاهرة تتولى إدارته النظر في شئون غزة ذات الصلة بمصر . غريب فوق العادة ألا تتنبه مصر إلى أن " حكاية " منفذ رفح آذت سمعتها ومنزلتها بدرجة كبيرة ، وأنها مشكلة مكبرة بما يتخطى العقل . بشيء من الفهم وشيء من الحكمة وحسن النية ما كان لهذه المشكلة أن تزمن وتزداد تعقدا . تصور بعض الأصوات في مصر غزة عبئا على مصر ، وأن أي اقتراب منها سيضاعف هذا العبء . غزة ليست عبئا على أحد ، وفي غزة مليونا إنسان ، شعب ، له حياته الاقتصادية الكاملة ، ويستورد بضائع من إسرائيل وتركيا والصين وغيرها من الدول ، وتجاره وصناعيوه يزورون إسرائيل وتركيا  والصين ويوقعون مع تجارها وصناعييها العقود ، ولا يحدث شيء من هذا مع مصر ، ومصر هي السبب . وفي غزة إنتاج زراعي مزدهر من الخضر اوات والفواكه يتبع أحدث طرق الزراعة التي مكنت المزارعين من تغيير الدورة الزراعية ، فصاروا ينتجون الخضراوات على مدار العام دون تقيد بالفصول والمناخ . وإسرائيل تهتم كثيرا بارتباط غزة التجاري بها لتسويق منتجاتها فيها ، ولا يسمع في مصر صوت واحد يتحدث عن هذه السوق . وأليس مستهجنا إلى مستوى الإنكار أن تستورد مكتبات غزة الكتب المصرية عبر إسرائيل ؟! لم لا تأتي الكتب من منفذ رفح ؟! إنها القيود المصرية . بعد مؤتمر إعادة إعمار غزة الذي انعقد في القاهرة في أكتوبر 2014، ورصد فيه 5مليارات و400مليون دولار للعملية ، وتهيأت الشركات الإسرائيلية لتوفير مواد إعادة الإعمار ، قيل إن إسرائيل تهدم وشركاتها تكسب من إعادة البناء ، ولم يرتفع صوت مصري  يطالب بنصيب لشركات مواد البناء المصرية . تبدو مصر بلا خيال تجاري خاص أو اقتصادي عام .

سادسا : الدول مثل الأشجار ، كلما كبرت وازدهرت اتسع ظلها ، وكلما ضعفت ويبست تقلص عما حولها ، ومصر في وهدة ضعف شامل عميق تصيب آثاره وأضراره من حولها مثلما تصيبها قبلهم ، وهذه هي الخلفية الحقيقية لعلاقتها مع غزة ، ونأمل ألا نسمع نفيا لما جاء في الصحيفة الكويتية .

وسوم: العدد 660