قطب القرآن
قال الله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون) [النحل: 80].
هذه الآية من الآيات التي كان لها شأنٌ في تاريخ الدعوة، وهي مِنْ مفاخر الإسلام والمسلمين، وعنوانٌ بارزٌ لهذا الدين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقرؤنها على مَنْ يدعونه إلى الإسلام.
وقال أبو طالب المكي، ونقله ابنُ عجيبة: "هي قطب القرآن"خبر نزولها:
قال الإمام أحمد في "المسند":
"حدثنا أبو النضر [هاشم بن القاسم]، قال: حدثنا عبد الحميد [بن بهرام]، حدثنا شهر [بن حوشب]، حدثنا عبد الله بن عباس، قال:
بينما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بفِنَاءِ بيته بمكةَ جالسٌ، إذ مرَّ به عثمانُ بنُ مظعون فَكَشَر[3].
***
2- النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وهذه الآية:
وردَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية على وفدٍ مِنْ بني شيبان بن ثعلبة، وعلى رُسُل أكثم بن صيفي، وعلى الوليد بن المغيرة.
وكذلك فإنَّ عثمان بن مظعون قرأها على عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم أبي طالب.
وأخرج ابنُ النجار البغدادي في "تاريخه" من طريق العكلي عن أبيه قال: مرَّ عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه بقومٍ يتحدّثون، فقال: فيم أنتم؟
فقالوا: نتذاكر المروءة.
فقال: أو ما كفاكم اللهُ عز وجل ذاك في كتابه إذ يقول: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) فالعدل: الإنصاف، والإحسان: التفضُّل، فما بقي بعد هذا؟[5].
وروى أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان البغدادي بسنده إلى أبي عبدالرحمن العائشي عن أبيه قال:
قال رجلٌ للحسن البصري: يا أبا سعيد، ما المروءة؟
فقال: قد فرغ الله عز وجل منها. ثم قرأ: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي). هذه المروءة[7].
وقال القرطبي:
"ترجم الإمامُ أبو عبد الله بن إسماعيل البخاري في "صحيحه" [9]: فتأوَّل [البخاري] رضي الله عنه من هذه الآيات [التي ذكرها] ترك إثارة الشر على مسلم أو كافر، كما دلَّ عليه حديث عائشة حيث قال عليه السلام: "أما الله فقد شفاني، وأما أنا فأكرهُ أنْ أثير على الناس شرًّا".
ووجهُ ذلك - والله أعلم - أنه تأوّل في قول الله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) الندب بالإحسان إلى المسئ، وترك معاقبته على إساءته..."[11].
فأما العدل فيُعامَل به الأعداء، والإحسان يُعامَل به الأولياء، والإيتاء يُعامَل به الأعوان والوزراء.
فثمرة العدل: البقاء، وثمرة الإحسان: الحمد والثناء، وثمرة الإيتاء: الألفة والنماء.
ونتيجة الفحشاء: فساد الدين والدنيا، ونتيجة المنكر: العداوة والبغضاء، ونتيجة البغي: الزوال والفناء".
ثم ذكرَ إشارةً وأقوالًا أخرى في تفسير هذه الآية وإيحاءاتها[13].
وأضيف: أنَّ الإمام أحمد روى خبرًا[15]!
والجوابُ عن هذا أنَّ في هذا السند ليث بن أبي سليم، وهو صدوقٌ اختلط جدًّا ولم يتميز حديثُه فتُرِكَ[17].
وقال الهيثمي: "إسناده حسن"[19].
***
5- على المنابر:
هذه الآية تُقرأ على المنابر في آخر خُطبة الجمعة منذ أكثر مِنْ (1300) سنة.
قال السيوطي ناقلًا - ولم يُسمِّ القائلَ -:
"كان بنو أمية يسبون عليَّ بن أبي طالب، فلما ولي عمرُ بن عبد العزيز أبطله، وكتبَ إلى نوابه بإبطاله، وقرأ مكانه: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) الآية. فاستمرتْ قراءتُها في الخُطبة إلى الآن"[21].
وقال ابنُ المنيِّر: "ولعل المُعوِّضَ بهذه الآية عن تلك الهناة، لاحظ التطبيقَ بين ذكر النهي عن البغي فيها، وبين الحديث الـوارد في أن المُناصِبَ لعليٍّ باغ، حيث يقولُ عليه الصلاة والسلام لعمّار -وكان مِنْ حزب علي-: تقتلك الفئة الباغية. فقُتل مع عليٍّ يوم صفين"[23].
وقد أعرضَ عن هذا بعضُ المفسِّرين، وعلَّل قراءتها تعليلًا آخر:
قال أبو البركات النَّسَفي: "وهي أجمعُ آية في القرآن للخير والشر، ولذا يقرأها كلُّ خطيبٍ على المنبر في آخر كل خُطبة، لتكون عظةً جامعةً لكل مأمور ومنهي"الشيخ المفسِّر الفقيه النحوي ابن الموصلي: محمد بن محمد بن عبد الكريم البعلي (699-774هـ).
له: "نهاية الإحسان في تفسير قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والاحسان)"الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي الحنبلي (988- 1033هـ).
له: "قلائد العقيان في قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان)".
وقد وفقني اللهُ لتحقيقه على ثلاث نسخ من مكتبة الأوقاف العامة في مدينة الموصل في العراق، ونشرتُهُ في "مجلة الأحمدية" سنة 1421هـ، ثم طُبِعَ مُفردًا سنة 1426هـ.
3- الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن محمد الخطيب الشربيني الشافعي المصري.
له: "فتح الرحيم الرحمن في تفسير آية: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان)".
وهـذا المؤَلِّف ذكره إسماعيلُ باشا البغدادي في "إيضاح المكنون"، وبيَّضَ لوفاتهِ.
وذكره في "هدية العارفين" وقال: "المُتوفى في حدود (1030هـ)"، وذكَرَ أنه فرغَ من الرسالة المذكورة سنة (1028هـ)[27]، فإنْ كان هذا تاريخ النسخ فالنسبة متردِّدة، وإلا فالرسالة لأبي الحسن علي بن عبدالرحمن، وهذا هو الراجح لتصريح إسماعيل البغدادي بأنه فرَغ منها في هذا التاريخ.
4- في مكتبة كوبريلي مجموعٌ برقم (1606/27) فيه رسالة في تفسير هذه الآية من (189ب - 200أ) ولم يُذكر المؤلف[29].
6-وللشيخ علي بن عبدالله الأرياني (ت: 1323هـ) رسالة في تفسير قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) [31].
وقد صدرَ هذا الكتاب -أعني: "هدي القرآن الكريم إلى الحُجّة والبرهان"- سنة (1408هـ)، ولا أدري هل تيسّرَ للشيخ كتابةُ شيءٍ عنها أو لا.
[2] أي ابتسم إليه. القاموس (كشر) ص470.
[4] الدر المنثور (4/143).
[6] المروءة وما جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين لابن المرزبان ص 44-45.
[8] في كتاب الأدب، الباب (56).
[10]الجامع لأحكام القرآن (10/168).
[12] مرآة المروات ص 108.
[14] انظر: "المسند" (4/218).
[16] تقريب التهذيب ص542.
[18] مجمع الزوائد (7/49).
[20] تاريخ الخلفاء ص235، وانظر "الكشاف" (2/629)، و"حياة الحيوان الكبرى" (1/63)، و"نهر الذهب في تاريخ حلب" (1/330).
ومثل هذا بحاجة إلى دراسةٍ تاريخيةٍ كاشفة تبيِّن مَنْ قام بهذا ومَنْ لم يقم.
[22] الانتصاف من الكشاف (2/629).
[24] تفسير النسفي (2/230)، وانظر "تنوير الأذهان" (3/317).
[26] إيضاح المكنون (2/165)، وهديـة العـارفين (1/754).
وللشيخ ذِكرٌ في "معجم المؤلفين" (7/120) و"معجم المفسّرين" (1/365) اعتمادًا على البغدادي، ولم يُترجم في "خلاصة الأثر"!
[28] الفهرس الشامل (1/924)، وقد ذكروا أنَّ المجموع من القرن العاشر!
[30] مصادر الفكر الإسلامي في اليمن ص 33.
[31] هدي القرآن الكريم إلى الحجة والبرهان ص252، 259.
وسوم: العدد 661