الحق والباطل.. والمعادلة الصفرية

علاء الدين العرابي

علاء الدين العرابي

عضو رابطة الإسلام العالمية

[email protected]

الصراع بين الإيمان والكفر .. صراع بين حق وباطل لا ريب في ذلك ، ولكن .. هل هذه هي القضية الوحيدة التي يتجلى فيها الصراع بين الحق والباطل ؟ ..  بالقطع لا .. فهناك قضايا أخرى ...

كفاح الشعوب ضد المستعمر .. هو صراع بين حق وباطل

ثورات الشعوب ضد نظام مستبد وظالم .. هو صراع بين حق وباطل

إلى هنا أعتقد أنه ليس هناك خلاف ، ولكن الخلاف ينشأ عندما نطرح السؤال التالي ..

هل بالضرورة كل صراع بين حق وباطل هو صراع صفري ؟ .. بمعنى هل بالضرورة أن يصرع أحد طرفي الصراع الطرف الآخر ؟ .. وإذا كان هذا واقعا فلمن تكون الغلبة في النهاية ؟

والإجابة المباشرة تأتي لنا من عمق التاريخ لتقرر : أن كل معارك الحق والباطل تنتهي لصالح الحق في النهاية ، برغم أن هذا لا يمنع من تغلب الباطل في بعض جولات الصراع .. وهذا يحتاج إلى مزيد بيان ..

دعونا نتناول القضية من ثلاث محاور ..

المحور الأول : صراع الإيمان والكفر .. وهذا لن يحتاج منا غير النظر في كتاب الله لنطل على رسالات السماء وهي تجسد إرادة الخالق على الأرض ، لتطرح أهم قضية في الكون وهي قضية الإيمان بإله واحد له حق العبودية وحده ، ثم لنرى كيف وقفت ضدها قوى الباطل بقيادة إبليس اللعين ، لتختم كل قصصها بالنهاية الطبيعية وهي انتصار قوى الإيمان

قال الله تعالى " بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَا تَصِفُونَ " الانبياء 18

ومعنى فيدمغه : أي يمحقه محق مكسور الدماغ ، ومعنى زاهق : أي زائل أو هالك

المحور الثاني : صراع الشعوب ضد المستعمر .. يحدثنا التاريخ في هذا المحور عن معارك كبيرة أخذ بعضها حيز زمني طويل نظرا لامتلاك المستعمر ترسانات من الأسلحة  في مقابل ضعف وقلة إمكانات أصحاب دعاوى التحرر إلا من إرادة وعزيمة 

من أمثال تلك الصراعات الشهيرة طولا والواسعة عرضا ، والعظيمة ثمنا ؛ صراع الجزائر مع المحتل الفرنسي فقد استمر هذا الصراع قرابة القرن ونصف (132 عام )  ، وكان ثمن ضحاياها قرابة المليون شهيد

ونتيجتها معروفة وهي رحيل المستعمر الفرنسي 

المحور الثالث : صراع الشعوب ضد الأنظمة الفاسدة ، وهو المحور الخاص بثورات الشعوب ضد حكامها

نضع هنا موجات الثورات في أوربا كمثال .. لأنها غيرت وجه أوربا

فقد مرت أوربا بثلاث موجات ثورية في القرن التاسع عشر

الموجة الأولى في ثلاثينيات القرن (1830) وبدأت بثورة فرنسا ثم انتقلت إلى بلجيكا ثم بولندا ثم ايطاليا .. وقد صنف الباحثون هذه الموجة بالفشل  

الموجة الثانية في (1848) وبدأت بفرنسا أيضا وألمانيا وإيطاليا والمجر  ، وكانت هذه الموجة أوسعها نطاقا وصنفها الباحثون أيضا بالفشل

ثم جاءت الموجة الثالثة في (1889) وقد اجتاحت أوربا الشرقية وهذه الموجة صنفت على أنها ناجحة

والنتيجة أن ثورات الربيع الأوربي استطاعت أن تحسم الصراع بعد ثلاث موجات ثورية

مثال آخر : ما حدث في ثورة محمد مصدق ضد شاه إيران والتي استطاعت الثورة المضادة بإسقاطها بعد عام واحد بمساعدة أمريكا فيما يعرف بالعملية " اجاكس "  عام (1953) ، ولكن الشعب الإيراني استطاع أن يستعيد ثورته مرة أخرى في عام (1978) وينجح في إزاحة الشاه رجل أمريكا القوي ، ليتنصر الشعب في النهاية 

إذن فالمعادلة هنا أيضا صفرية لصالح الشعوب لأنها أدت في النهاية إلى انتصار الشعوب في معاركها مع الأنظمة المستبدة ؛ حتى ولو مرت بمراحل فشل انتصرت فيها الأنظمة الحاكمة المستبدة على ثورات شعوبها في مراحل من هذه الثورات ؛ وهو ما يعرف بالثورات المضادة 

بقى لنا هنا أن نطرح السؤال التالي ....

هل يمكن أن يحدث حوار بين طرفي الصراع أي بين طرف يمثل الحق وطرف يمثل الباطل  .. سواء كان هذان الطرفان يمثلان ( الإيمان والكفر ) أو يمثلان ( الشعب والمستعمر ) أو يمثلان (الثورة والثورة المضادة ) ؟

والإجابة تأتينا من تجارب التاريخ بالإيجاب فإمكانية حدوث  الحوار بين طرفي الصراع واردة  ،  ولكن ذلك يحدث في مراحل معينة قد يتأخر فيها الحسم ، أو في حالات تكون قوى الطرفين غير متكافئة .. ويستدعى الحوار غالبا عندما يفشل كل أي طرف من حسم الصراع  ، ويكون الحوار في هذه الحالة هو الحل ، ولكنه حل يضمن التعايش بين طرفي الصراع لفترة من الزمن  ، ولكنه لا ينهي الصراع بل يؤجل الحسم فقط

وتبرز هنا السيرة النبوية كمثال ، فقد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم الحوار مع كفار مكة والتوصل إلى اتفاقية الحديبية التي ضمنت وضع السلاح لتبدأ مرحلة التعايش بين طرفي الصراع ، وقد كانت هذه الاتفاقية بمثابة اعتراف كل طرف بالآخر ، وكانت نصرا عظيما لأن الحق ينمو في بيئة الحرية ، وفي بيئة الحوار ، وفي بيئة التعايش ، لأن حجة الحق ظاهرة  

ولكن هذا الحوار كان بمثابة الهدنة أو بمثابة تأخير موعد الحسم 

وهذه هي سنة الله في كونه ، التي يبينها في كتابة الكريم ، وهي ما تسمى بسنة التدافع ، وهذا التدافع هو الميزان الذي يضمن عدم فساد الأرض ، فلو وضع أصحاب الحق أسلحتهم واستكانوا لانتهى الصراع لصالح أصحاب الباطل ، وهذا ما سوف يُحدث خللا في منظومة الأرض

يقول الله تعالى " وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ " البقرة 251

ونأتي هنا إلى حالة ثورات الربيع العربي التي لا تزال أحداثها متصارعة ، ولا يزال الصراع بين الثورة والثورة المضادة على أشده ، ليبرز السؤال .. لمن تكون الغلبة ؟ .. وهل تستطيع ثورات الربيع العربي حسم الصراع في هذه الجولة ؟ أم أنها جولة من جولات الصراع بين الشعوب وأنظمتها المتسلطة في معركة الحرية والكرامة  ، وقد أراد الله أن يؤجل فيها الحسم ؟؟؟ ..