معركة الإعلام

قال لي: أنتِ من تقولين هذا؟ لم أكن أعتقد أنك مثلهم!

كررت ما قلته: لستُ مع الانتخابات المبكرة ويجب أن يكمل الرئيس مرسي مدته.

نظر إلي بذهول وارتفع حاجباه، وشاركه ذهوله واستنكاره باقي السيدات والسادة الذين شاركتهم تلك الجلسة في نيويورك قبيل الانقلاب في أحد المطاعم.

حاول إثنائي عن رأيي وظل صامتاً ثم بدا أنه وجد ما يرد به أخيراً, فقال يريد الإخوان إقامة الخلافة والاحتكام إلى الشريعة ويريدون أن ترتدي جميع النساء الحجاب.

فقلت وما المانع!

كان هذا الحوار مع أحد الممثلين السابقين في أحد المطاعم بنيويورك قبل الانقلاب.

قد تستغرب ويصيبك الذهول إذا استمعت للممثل نفسه يحدث أمريكياً عن الانتخابات والصندوق وحق الشعوب في اختيار حكامها وربما ظننت أن لغتك الإنجليزية ليست على ما يُرام.

العلمانيون يريدون عالماً مثل ذلك الذي يرونه في أوروبا. يريدون انتخابات بدون إسلاميين, يريدون مشاركة حقيقية وطوابير أمام لجان الاقتراع ولكن دون مرشحين ملتحين, يريدون نقل النموذج الأوروبي حرفياً إلى بلادنا, وفي النموذج الأوربي لا يوجد إسلام.

السوفتوير القادم من الغرب لا يحتوي على الإسلام. هذه هي إحدى المشاكل ببساطة.

الجانب الآخر للمشكلة هو العلمانية القسرية التي تم ضخ مفاهيمها في عقول ونفوس البعض حتى ارتفع بنيانها وتحولت إلى هيكل يحتل مساحة في نفوسهم دون أن يدركوا أنهم بقناعاتهم هذه أصبحوا علمانيين يفصلون الدين عن الدولة.

الببغاء الذي يردد كلمات كالإرهاب والتطرف دون أن يدرك معناها ودون أن يمنح عقله فرصة لتحليلها والرد عليها, ذلك الذي سمح لعقله أن يكون ملجأ للأكاذيب والخزعبلات.

المواطن الذي لم ير أي غضاضة في التظاهر ضد الرئيس المنتخب لمطالبته بانتخابات مبكرة. بل النخبة مشوهة العقل التي مازال بعضها حتى الآن يكرر حديثه الماسخ عن ضرورة عدم المطالبة بعودة الرئيس مرسي.

كل هذه التشوهات كانت بحاجة لمنظومة إعلامية أمينة تعمل وفق قواعد جديدة. منظومة تعمل كمشرط جراح يعالج تشوهات أحدثتها عقود من الأكاذيب. منظومة قادرة على توفير الحماية للتجربة الجديدة بعد انتخاب الرئيس مرسي. الإعلام بشقيه المرئي والمكتوب كان الخنجر الذي طعن الثورة وتجربة الرئيس مرسي.

في كتاب (لعبة أمريكا الكبرى) رصد الكاتب من خلال الدراسات التي أجرتها المخابرات الأمريكية تأثير إذاعة صوت العرب التي أنشئت في عهد عبد الناصر, التغيرات التي تصيب عقول المستمعين.

الإعلام بكل بساطة هو دجال العصر الحديث, مسيلمة الكذاب. عندما تشتري نسختك اليومية من جريدتك المفضلة أو تقتني تليفزيوناً فأنت بكل بساطة تشتري طوقاً تحيط به عقلك.

في مظاهرة 30 سونيا, أخرج أحدهم رأسه من ميكروباص ما وعلى وجهه تعبير اشمئزاز شديد وهو يحمل لافتة متكوب عليها (شرعية إيه.. البيضة بجنيه).

ربما كان مدفوعاً ككثير ممن شاركوا في تلك المهزلة وربما كان من المخدوعين, ولكن المؤكد أن الكثيرين وقتها كانوا يعتقدون أن مصر في سبيلها للانهيار.

قارن حال ذلك المواطن المشمئز بحال المواطن المستكين الذي تحيط به السكاكين الآن من كل جانب, سد النهضة والتهديد المحقق بالمجاعة وبناء مانع جديد بطول 35 كيلومتراً موازِ لقناة السويس, وانهيار سعر الجنيه وتوحش الأسعار, بل وانهيار ثوابت دولة العسكر وخيانات الجيش في سيناء وتعاونه الواضح مع العدو الصهيوني والطائرات الصهيونية التي تحلق يومياً في سيناء ليشارك الطيارون الصهاينة نظراءهم المصريين قصف منازل، وستدرك أن المعركة الأولى التي يجب على معسكرنا الرافض للانقلاب هي معركة الإعلام.

معركة يجب علينا أن نغير قواعدها وأن نخرج خصمنا من ملعبه التقليدي لنفرض عليه نحن قواعد اللعبة, معركة متجددة يومية لا تحتمل حلولا وسطا, معركة لها ما بعدها.

وسوم: العدد 667