حملة صليبية بواجهة شيعية تستهدف سوريا

تشهد المنطقة  العربية ومنذ عقود  خلت احتدامًا وصراعًا  غير مسبوق ، بما تم تسميته بالصراع العربي - الإيراني والذي جاء على خلفية الثورة الإيرانية  ،  وما عملت عليه دولة ولي الفقيه  منذ انتصار الثورة وما مثلته إيران الشاه قبلها  من تهديد أمني واستراتيجي لمصالح واستقرار دول وشعوب العالم  العربي  وأمنها .

لا شك بأن مجمل الحروب  والنزاعات التي جرت داخل المنطقة  سببها  الأساس هما إيران  وإسرائيل  على حد سواء  ، اللتان باتتا سبب المصائب والويلات.

الثورة الإيرانية  ومنذ وصولها  للحكم  باتت تُشكل عامل التوتر الأساسي ، وصاعق التفجير لأمن واستقرار المنطقة  والإقليم برمته ، وهذا ما نجح به الغرب من خلال مخططه بدعم هذه الثورة للوصول للحكم ، وتسهيل مهمة الخميني للعودة إلى إيران  ، وبهذا نجح مخططهم  ، من خلال  إدخال  دول جديدة  لتكون أحد أدوات الصراع  المهمة والمحورية لاستنزاف مقدرات الأمة العربية ، وتعزيز وتيرة  الصراع المحتدم ،  وتغذية  مصادر التوتر وحالة عدم الاستقرار  الدائمة ؛ وتسهيل عملية النفوذ إلى المنطقة العربية من خلال التذرع  للحفاظ  على  أمن وسلامة بعض الدول من التهديدات الخارجية  ؛ لا سيما من جانب إيران ؛ وإما  من خلال محاولة ضرب الأمن الداخلي   للدول العربية  من خلال هذه الدولة  ؛ مما يوفر فرصة  ملائمة لضربها وإنهاك قوتها ، والأمر المثير أن القوى العظمى ، وبالذات أمريكا تمادت وسلمت بعض الدول العربية على طبق من ذهب لإيران ، وهذا ما اتضح من خلال الحالة العراقية و الحالة السورية ، حيث أسهمت  طهران من خلال هاتين الأزمتين   بتعزيز  الانقسام الطائفي  والمذهبي والديني  وتغذيته، ما أدى  لإشعال فتيل الفتنة الطائفية، وإرجاع المنطقة إلى العصور الوسطى  من جديد  .

المشهد الإقليمي و بخاصة   فصل الأزمة  السورية منه   وقد بات يتصدر مشهد الأحداث في سوريا الذبيحة  التي  تعيش الآن  لحظات تاريخية حاسمة  ، وحرباً بين شعب أعزل ونظام مجرم  يستقوي بأدوات خارجية ومرتزقة وقتلة مأجورين ومنهم الروس الذين أعلنوها حرباً مقدسة ،  فضلا عن أصحاب المعتقدات  من الطوائف  الضالة و المدعومة من إيران ،  وقد جاء كثير منهم  من إيران ،  ومن  العراق  وباكستان وأفغانستان ،  في محاولة إيرانية  بالتعاون  مع بعض الأطراف الإقليمية  والدولية لجعل المشهد السوري ضمن سلسلة الأزمات الإقليمية ؛  وحتى تكون سوريا  الشعب  والجغرافيا في مرمى الاستهداف  بحجج وذرائع دينية ، وهذا  ما استمر عليه الحال منذ خمسة سنوات ولغاية كتابة هذه السطور .

 ما زال الحدث السوري مسرحاً  لارتكاب  أكبر جريمة عرفها التاريخ الحديث  على أيدي الإيرانيين ، و القتلة والمرتزقة المأجورين  الذين  ما زالوا يتدفقون من كل حدب وصوب ، بناء على توجيهات المراجع العظام القابعين في طهران وقم   ومشهد الذين ملؤا الدنيا بفتاواهم الطائفية، لتطبيق العدالة السماوية للانتقام من بني أمية ومن يزيدي الشام، على اعتبار أنهم الوحيدون  المؤهلون للدفاع عن مراقد آل البيت  من خلال سفك الدماء ، و قتل الأطفال ، وبناء ما أصطلح على تسميته  بالإعلام الشيعي الثأري ..وتوظيف  الفضائيات والمواقع الالكترونية لما بات يعرف حسب ما يطرحه أية الله يزدي  بإعلام  التعبئة لتهيئة  عودة إمام الزمان والاقتصاص أولاً من أعدائه المحتملين من أهل الشام  .

  يقول آية الله محمد تقي مصباح  يزدي  تعليقاً عما يجري في سوريا  أن  من أهم  أسباب التعجيل بظهور إمام الزمان  ستكون من أرض الشام ، حيث  يكثر فيها  القتل وحرق أجساد البشر أحياء ،  وتكثر معها هتك  الأعراض ، وقطع الرؤوس  ، لكن ضد من ؟ ؛ يضيف ضد من يكنون العداء لإمام الزمان  ، ويسعون لتأجيل ظهوره .

من هنا كان على إيران أن تجهد  في إرسال  و تدريب  الآلاف   من المرتزقة  للقيام بهذه المهمة ، ممن يسمون أنفسهم بالمدافعين عن الأضرحة ، والمجاهدين المؤمنين  الذين سيمهدون  لعودة إمام الزمان .

 لهذا  تم توظيف هذه الفتاوى  الشيطانية و استغلالها من جانب دولة ولي الفقيه ، وتم البناء عليها  وتضخيمها باستخدام أسلوب  التعبئة  المذهبية والإثارة  المهدوية لشحن مرتزقة الأرض إلى سوريا .

 بناء على ما سبق  بات القربان المعد للذبح" الشعب السوري " على مذبح تحقيق الخلاص للروس والإيرانيين معاً ، خاصة بعد الأنباء التي تقاطعت  مع  شعار الواجب الإلهي  الإيراني  ، والخرافات التي تتوارد من عاصمة القيصر التي أطلقت نداءها المقدس لذبح الشعب السوري ، في حين بادرت أم قرى العالم الإسلامي المفترضة " إيران " إلى إطلاق بيانها  " المقدس "العاجل  رقم   1 لإعلان التعبئة العامة لتجنيد المزيد من المرتزقة  لتطهير سوريا،  وتنظيفها  بالكامل من أعداء إمام الزمان الذي بشرتنا بظهوره في القريب العاجل ، ليطأ أرض الشام وقد تطهرت بالكامل من الكفار   .

لا شك بأن  المحور الإقليمي  والدولي المتمثل بإيران وروسيا ومن شايعهم من قوى غربية  تبطن كرهها الديني العميق وتحت حجج وذرائع واهية لا أساس لها من الصحة .

بالمقابل فإن السياسة  الإيرانية والروسية والغربية واضحة وفاضحة ؛ وهي ببساطة   لا تريد القضاء على الإرهاب والإرهابيين لا في سوريا ولا في العراق ولا في أي مكان  من العالم ؛ لأنها الراعي الأساسي و المستثمر الرئيس للإرهاب ؛ بعد أن  حاولت كل هذه  الدول وأدواتها  توظيفه و ذلك كذريعة للتدخل في سوريا  والعراق ، ولقلب موازين القوى على الأرض لتمتلك ورقة يمكن أن توظفها لتحقيق مصالحها  المستقبلية في سوريا .

فالمحور المعادي  للإسلام والعروبة   من روسيا والغرب  إلى الحلف الإقليمي  غير المعلن والقائم بين إيران  وإسرائيل على وجه التحديد يسعى لتحقيق  أمنياته واستراتيجياته لتفتيت المنطقة ، وتغيير الخارطة السياسية  والديموغرافية ؛ وستبقى سوريا  الحلم والنموذج لتحقيق هذا الهدف .

وهذا ما يبرر التصعيد العسكري  غير المسبوق من جانب روسيا وإيران ومليشياتها إلى جانب قوات الأسد  و الذي نشهده الآن في ساحة حلب وغيرها .

 هذا الثالوث الدموي حاول وأكثر من مرة وعلى أكثر من محور اختراق خطوط المعارضة ،  وفي كل مرة جوبهت وأفشلت هذه المحاولات البائسة ،  وكان من نتيجة فشلهم أن صبوا حممهم وحقدهم  المقدس باستهدافهم العشوائي المدنيين في الأحياء السكنية والأسواق العامة والأماكن المكتظة والمصلين عند خروجهم من المساجد ،  وأمطروا هذه الساحات والأماكن بالبراميل المتفجرة التي طورها الحرس الثوري الإيراني ، و التي أطلق عليها  آية الله جنتي " حمم عاشوراء التي تستهدف التكفيرين"   ، والتي أدت إلى استشهاد الآف المدنيين من نساء ورجال وأطفال لا حول لهم ولا قوة .

نحن الآن أمام  سيناريو يُعد  لسوريا بشكل مُخطط ومدروس  وبعناية فائقة ، ويجري العمل على تنفيذه بأدوات إقليمية ودولية  ؛ وما يجري داخل الساحة السورية  من  ذبح وتهجير ، ودمار وويلات ونكبات  دون رقيب أو حسيب ، وتفتيت ممنهج لمقومات الدولة السورية  ، وما يدمر من  بنيتها التحتية ومشاريعها ، وما يجري تداوله بشأن  تقسيمها تحت عنوان النزاعات والاختلافات  الطائفية والمذهبية ..... كل ذلك يتم تحت عنوان النبؤات الدينية والمذهبية  ، التي توافقت بأهدافها  الصليبية  مع الديانة الشيعية ،  وباتت ترفع  نفس الشعارات ،  وتمارس سياسة الأرض المحروقة  ، وتتسابق في ارتكاب الجرائم والمجازر  وبلا حدود ، فطرف يريد التمهيد لظهور مسيحه الدجال ، والأخر يستعجل إمام زمانه الموعود ، والمثير أن ذلك لن يتحقق  إلا على أشلاء السوريين .

 إيران  ومواقفها السياسية تجاه  الأزمة السورية  ، وإزاء العديد من دول المنطقة تؤكد بشكل ثابت   إلى عداء وصراع وحقد   دفين غير مسبوق  ، وقد أثبت مواقفها وسياساتها   بشكل  قاطع بأن  إيران  أولًا وأخيرًا هي عدونا الاستراتيجي وهذا ما أكده لنا  التاريخ القديم والوسيط والحديث ، لهذا بات على علماؤنا وشيوخنا إعلان الجهاد ضدها  وبشكل عاجل ودون تردد.

 

د.نبيل العتوم                                                                               

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية                                    

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

 

وسوم: العدد 667