العلاّمة وديع فلسطين يفض مغاليق أسرار هيكل!
بعد انفضاض المولد والمأتم ..
هناك من الأسرار في قلعة الكاتب الصحفي الأشهر/ محمد حسنين هيكل(1923-2016م)) الراحل عن دنيانا مؤخراً؛ ما ظلَّ حبيسَ الأدراج، والكهوف، والقماقم، ورهينَ محابس هيكل نفسه؛ فلا يعرف عنها أحدٌ شيئاً؛ سواء من أتباعه، ودراويشه، أم من مُبغضيه وشانئيه، وألد أعدائه! وما أكثر الطرفين عدداً وعتاداً، وأسلحةً تقليديةً وغير تقليدية؛ مصرياً وعربياً!
ولكون هيكل صحفياً من العيار الثقيل؛ فهو مُحاوِر الملوك، والرؤساء؛ وصاحب أعلى أجر صحفي عربي، والمتربع على عرش صاحبة الجلالة حتى وفاته؛ فقد أردنا الاقتراب من ألصق زملائه، وأصدقائه؛ مِن الذين تسكَّع مع هيكل في صدر الشباب؛ ثمَّ اكتوى بلهيبه، ونيرانه؛ عندما أصبح هيكل الكاتب الأوحد، والسياسي الأوحد، والنجم الصحفي الأوحد!
هيكل لم ينل شهادات!
"هيكل؛ لم ينل أية شهادات جامعية! بل؛ هو حاصلٌ على شهادة دبلوم تجاري متوسط"! هكذا؛ اعترف وديع فلسطين؛ زميل هيكل، ورصيفه؛ في مشوار البدايات، والإخفاقات!
فـ(هيكل) بصراحة؛ "كان داهيةً؛ فقد عوَّض نقصه التعليمي، وإحساسه بالدونية؛ بذكائه، وتعليمه الذاتي، وإتقانه للغة الإنجليزية، وقراءاته المتعددة شرقاً وغرباً، وبنهمه للمعرفة؛ وبطموحه؛ وبعصاميته؛ التي حفرها بصعوبةٍ؛ حتى أصبح أشهر صحفيٍّ في العالم العربي"!
حياة التسكع!
ويتذكر الأديب الكبير/ وديع فلسطين(1923م- ...) مرحلة البدايات، وما صاحبها من معاناة وفشل؛ فيقول وهو يضحك: "كنا في شبابنا أثناء الحرب العالمية الثانية، والقاهرة تعاني من إظلامٍ تام؛ كنا نتسكَّع أنا، وهيكل، وزميلٌ ثالثٌ؛ ابن دفعتي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة(رمسيس نصيف؛ الذي عمل في أخبار اليوم صحفياً؛ ثم في الأمم المتحدة سكرتيراً لأمينها العام يوثانت، وتُوُفِّيَ مؤخراً في سويسرا) كنا ثلاثة شبان نسير على غير هوى، ونمرُّ على حانات القاهرة، ونرى فيها جنود الاحتلال البريطاني؛ وكنت أشرب القهوة، وهيكل يحتسي البيرة مع رمسيس! وكنا نحكي في كل شئ؛ من توافه الأمور؛ إلى أشدها وأعقدها! وكنا نلتقي باستمرار؛ كأصدقاء، وزملاء صحافة؛ فقد كنت أعمل في قسم توزيع الأهرام، إلى جانب كتاباتي في الصحف الأخرى، وكان هيكل يعمل مُحرِّراً في روزاليوسف، وجريدة إيجيبشين جازيت. وكنا نلتقي باستمرار، ولا يُفارِق بعضنا بعضاً!
هيكل؛ لا يعرف صديقه!
وفي عام 1952م؛ وبعد قيام ثورة يوليو؛ يتذكَّر وديع فلسطين المرارات في حياته؛ فيقول: تمَّ اعتقالي مع ثلاثين صحفياً؛ من المراسلين والدبلوماسيين، وأنا كنتُ أعمل رئيساً لتحرير جريدة المقطم الشهيرة القريبة من الملك وقتها؛ في قضيةٍ موهومةٍ؛ استمرت حوالي سنة، وتمت تبرئتنا جميعاً؛ لعدم وجود أدلة ضدنا! ومكثتُ ثلاث سنين بلا عمل؛ بسببها! واضطُرِرتُ إلى تغيير منهجي في الحياة؛ بالاعتماد على الترجمة، وليس الصحافة؛ حتى تتغيَّر الأحوال! وعندما؛ أصبح هيكل رئيساً لتحرير الأهرام في عام 1957م؛ توهَّمتُ أن صديق الأمس؛ قد يفتح لي أبواب جريدته للعمل معه؛ فبعثتُ إليه برسالةٍ سلَّمتها إليه يداً بيد؛ سكرتيرته(نوال المحلاوي) وتلميذتي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة؛ وقلتُ له فيها: "إنني أريد أن أعمل في الصحافة تحت إشرافك، وتوجيهك"! ولكنني إلى ما قبيل رحيله؛ لم أتلق منه رداً؛ سلباً أم إيجاباً! وعلَّلتُ تصرفه ذلك؛ إمّا بظروف الجريدة؛ وإمّا بظروفه هو الخاصة! وإنْ كان آخرون؛ زعموا أن هيكل؛ لم يُرِدْ استخدامَ شخصٍ؛ قد يُماثِله في الكفاءة، وقد يتميَّز عليه بدرجته العلمية؛ في حين أنه لا يحمل إلا شهادة متوسطة! وبرغم؛ ذلك؛ فلم أحقد عليه، والتمستُ له المعاذير! ومضيتُ في حالي؛ أعمل هنا وهناك؛ معتمداً في المقام الأول على الترجمة؛ التي احترفتها!
هيكل يستكتبني!
لقاء آخر جمعني بهيكل؛ فعندما أزمع الناشر/ إبراهيم المعلم؛ صاحب دار الشروق للنشر؛ إصدار مجلة(الكُتُب وجهات نظر) في التسعينيات من القرن الماضي؛ استعان بالأستاذ/ هيكل مستشاراً لها وشريكاً في الإصدار؛ فطلب منه هيكل شخصياً استكتابي في المجلة؛ وعندما عاد هيكل من سَفرةٍ إلى لندن؛ تساءل: هل اتصلتم بالأستاذ/ وديع فلسطين، ودعوتموه للكتابة في المجلة الجديدة؟! وبالفعل؛ اتصلوا بي؛ واستكتبوني عدة مقالات فيها، وكانت جريدة"السفير" اللبنانية تُعيد نشرها بعد ذلك!
مُحاضَرة هيكل عني!
وعندما؛ تُوُفِّيتْ تلميذتي/ نوال المحلاوي، التي كانت أيضاً؛ سكرتيرة هيكل في الأهرام؛ وأُقيمَ مجلس العزاء في جامع الحامدية الشاذلية بشارع جامعة الدول العربية؛ بحي المهندسين بالقاهرة؛ توجَّهتُ إلى هناك؛ لتقديم واجب العزاء لأسرتها؛ وجلستُ مع بعض الصحفيين، ولم يلبث إلا أن انضم إلينا الأستاذ هيكل؛ الذي ما إن رآني حتى ألقى محاضرةً على الملأ على هؤلاء الصحفيين؛ أشاد فيها بقدرتي على تحليل الشخصيات، والكتابة عنها؛ وكان في ذلك متأثراً بمقالاتي في جريدة"الحياة" اللندنية عن أعلام العرب في القرن العشرين؛ الذين التقيتهم.
هيكل يدافع عني!
وقبل ثلاثة أشهر؛ أجرى الإعلامي المصري/ حمدي رزق حديثاً تليفزيونياً معي؛ عبر فضائية "صدى البلد" المصرية؛ استمر ساعتين؛ تكلَّمتُ فيه عن مشواري الحياتي، والصحفي، والأدبي؛ وهاجمتُ فيه عبد الناصر، وهيكل! فلمَّا مرَّت الأيام؛ سألته الإعلامية/ لميس الحديدي في حواراتها الدائمة معه على قناة(سي بي سي) عن سر هجومي عليه، وعلى عبد الناصر؛ فردَّ عليها في أحاديثه المتلفزة؛ بقوله: "صديقي الأستاذ/ وديع فلسطين معذورٌ في ذلك؛ لأن عبد الناصر اعتقله"!
هيكل يطلب كتاب وديع
وفي أحد الأيام .. يقول وديع فلسطين: سمع هيكل عن كتابي الجديد وقتها(مختارات من الشعر العربي المعاصر وكلام في الشعر)الصادر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر؛ فطلب من سكرتيرته نوال المحلاوي إحضاره، وبالفعل أرسلته إليه؛ فأشاد به، كما حكت لي نوال المحلاوي. لكنه؛ لم يهاتفني للحديث عنه، ولم يكتب عني، ولو كلمة في الصحف التي كان يكتب فيها، وما أكثرها، أو في أحاديثه التلفازية الطويلة، مصرياً وعربياً!
وسوم: العدد 668