الإسلام وحقوق الإنسان بين التنظير والواقع
يمكن تعريف حقوق الإنسان بأنها القيم والمبادئ الأخلاقية والاجتماعية الأساسية التي لا يمكن للناس، من دونها، أن يعيشوا بكرامة كبشر. وتشكيل حقوق الإنسان بهذا المعنى أساس الحرية والعدالة والسلام، وإن من شأن احترام حقوق الإنسان أن يتيح إمكان تنمية الفرد والمجتمع تنمية كاملة..
إن فكرة حقوق الإنسان ليست فكرة جديدة للمجتمعات الإنسانية بالخصوص المجتمعات المسلمة، وذلك لأن صَون الكائنات البشرية من المعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهنية للكرامة قد وُجِدتْ الإشارةُ إليه في الشريعة الإسلامية وفي معظم التقاليد الاجتماعية الدينية وغير الدينية عبر التاريخ. وذلك فأن البند الأول من الشرعة العالمية، الذي يعلن أن " كل الكائنات البشرية تولد حرة ومتساوية في الكرامة والحقوق "، إنما يعبر عن التوصيف الأساسي للحكمة الإنسانية التي تَمَّ توارُثُها عبر مختلف الظروف التاريخية، وذلك حتى لما عمد بنو البشر إلى التنازع في ما بينهم البين وقتل بعضهم البعض.
وقد تناول الإسلام -على المستوى النظري- حقوق الإنسان من خلال ثلاث ركائز أساسية، الأولى: هي الكرامة الإنسانية “ولقد كرمنا بني آدم” والثانية: هي المساواة بين البشر جميعا في أصل النشأة والخلق “يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا” والثالثة: هي المفاضلة بين الناس على أساس العمل الذي يقوم به الإنسان، لا على شيء آخر من لون أو عرق أو جنس “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
لكن السؤال المهم بالنسبة للمسلمين، سواء عملوا بأحكام الشريعة الإسلامية أو وضعوها وراء ظهورهم، هو هل حظيت "حقوق الإنسان" بالاهتمام المطلوب عند المسلمين على المستويين النظري والتطبيقي كما حظيت باهتمام غير المسلمين؟ وما هي الآثار التي ترتبت على ضعف اهتمام المجتمعات المسلمة بتلك الحقوق مقارنة بغير المسلمين مع أن المسلمين كانوا يوما ما، لهم سبق القصب في كل شيء؟
يرى بعض المفكرين المسلمين من أمثال السيد مرتضى محمد الشيرازي "أن هذه السلسلة الواسعة من الحقوق ابتليت على الصعيد المعرفي بالإهمال، وعلى الصعيد العملي بالانتهاك والسحق، أما على الصعيد المعرفي والنظري، فنجد أن الحقوق عندنا نحن المسلمون مهملة، ولم تعطَ حقها من البحث والدراسة" وهناك شواهد كثيرة على هذا الإهمال، مثل إهمال الموسوعات الحديثة لـ(حقوق الإنسان في الإسلام) فإنها لا تفرِد لذلك إلا صفحة واحدة كما أن مجمل ما خصصته للحديث عن مجمل الحقوق يقرب من (8) صفحات فقط!. إذن لا نستغرب عندما نجد أن الحقوق منتهكة؛ لان الحقوق على الصعيد النظري والمعرفي مهملة، فأين الحديث والتنظير لحقوق الإنسان في بلداننا، ومعاهدنا العلمية، وجامعاتنا الأكاديمية..؟ أين الحديث عن حقوق الطفل؟ أو حقوق المرأة؟ أو حقوق العامل؟ أو حقوق المزارع؟ أو حقوق الطالب؟ أو حقوق المعلم؟ أو حقوق النقابات؟ أو حقوق العشائر؟ أو حقوق الأحزاب؟ أو حقوق الشعب؟ أو حقوق الدولة على الشعوب العكس؟."
أضف إلى ذلك، أن من سوء حظ المسلمين أن تراثهم الإسلامي، بما يحويه من كنوز تركز على الإنسان بالدرجة الأولى، ضائع في زحمة الخلافات المذهبية المقيتة التي يشهدها العالم الإسلامي، منذ وفاة رسول الله (ص) وحتى اليوم. وأن أهم الآثار التي ترتبت على إهمالهم لمسألة حقوق الإنسان وحرياته على المستوى الفقهي وعلى المستوى العملي هي:
1- قيادة غير المسلمين لحقوق الإنسان: أن الغرب اختطف من المسلمين الأضواء وانتزع منهم حتى الريادة الحقوقية، لان المسلمين كانوا هم القادة والرواد في مختلف الحقول، في الاقتصاد السليم، وفي السياسة القويمة وفي الاجتماع المستقيم، وفي الحقوق أيضا. ومن الطبيعي أن الغرب عندما يكون هو القائد في المجالات الحقوقية فانه يبصمها ببصمته، ويهندسها على ضوء منظومته المعرفية والحضارية، ويفرض شروطه وأفكاره على الآخرين من الأمم الأخرى والحضارات الأخرى. وبالتالي، عندما يكون الغرب هو الرائد والمنظر في الحقل الحقوقي، فانه يفرض ثقافته الحقوقية في هذه القضية وسائر القضايا والتي ليست بالضرورة هي لمصلحة الإنسان؛ وذلك لأن الحقوق التي يدعو إليها الغرب ليست كلها حقوقاً فطرية سليمة، بل أن العديد منها هي في الواقع تعد انتهاكا لحقوق الله تعالى، بل حتى لحقوق الإنسان.
2- غياب منطق الحقوق عند المسلمين: فغياب الثقافة الحقوقية الإسلامية بل ضعف مجمل ثقافة حقوق الإنسان في العالم الإسلامي، سواء في البيت أو المدرسة أو المجتمع، يولد انتهاكا للحقوق والحريات؛ إما عن جهل بتلك الحقوق أو عن تقصير متعمد. فعندما لا نتحدث عن حقوق الطفل فلا نعمل على حماية الأطفال من الإخطار المحدقة بهم. وعندما لا نتحدث عن حقوق المرأة نفقد دافع احترامها وتكريمها. وعندما لا نتحدث عن حق العامل والفلاح فانا لا نوفر لهما البيئة السليمة للعمل والإبداع وهكذا.
3- توسع انتهاكات حقوق الإنسان في المجتمعات الإسلامية: يقوم عالم اليوم على مفاهيم حقوق الإنسان، ويرتبط تقدم المجتمعات وتأخرها بالإضافة إلى الصناعة والتكنولوجية بمدى الالتزام باحترام حقوق المواطن وتطبيقها. ومع أن الكثير من التقارير الصادرة من دول غرب أوربا وأمريكا تؤكد على أن الدول الإسلامية بشكل عام، والدول العربية بشكل خاص هي في ذيل قائمة الدول التي ترعى حقوق الإنسان، ليست كلها دقيقة لكنها تعد مقبولة إلى حد كبير في ظل أجواء عدم احترام الإنسان، وفي ظل بروز ظاهر العنف غير المسبوق باسم "الدين".
إذن؛ ثَمَّةَ حاجةٌ إلى تقويم حَلِيمٍ وبَنَّاءٍ للدور الذي يمكن لدين شَأْن الإسلام أن يلعبه على الأقل في تأكيد بعض الحقوق الكونية التي تَخُصُّ البشرَ بحسبانهم بشرا. وهي الحقوق التي لا يمكن أبدا التنازل أو التخلي عنها، نظيرَ الكرامة والحريةِ اللَّذَيْنِ بدونهما لا يمكن اعتبار أي وجود وجودا إنسانيا حقا.. فالاعتراف بالكرامة المتأصلة لدى الأسرة البشرية وبحقوقها المتساوية الثابتة يعتبر ركيزة أساسية للحرية والعدل وتحقيق السلام في العالم. وإن ازدراء أو التغاضي وإغفال حقوق الإنسان، لهو أمر يفضي إلى كوارث ضد الإنسانية، وأعمالا همجية، خلّفت جروحا وشروخا عميقة في الضمير الإنساني..
يقول الإمام الشيرازي (قده) في كتابه احترام الإنسان في الإسلام: من أهم الأمور التي أكد عليها الإسلام تأكيداً بالغاً، هو احترام الإنسان بما هو إنسان، مع قطع النظر عن لونه ولغته وقوميته ودينه ورأيه، فالإسلام يؤكد على احترام كل الناس حتى إذا كانوا كفاراً غير مسلمين، لأن الإنسان بما هو إنسان محترم، والقرآن الكريم يقول: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً).
وسوم: العدد 670