في يوم «تنصيبك» يا مولاي سنشرب بول البشر!
زفت خالدة الذكر صفاء حجازي لعموم الشعب المصري، في الأصقاع، بُشرى، كانت الأمة تترقبها بفارغ الصبر، (وكانت وهي في حالة الترقب هذه تكتم أنفاسها وتقف على أطراف أصابعها)، تتمثل البُشرى في أن «التلفزيون المصري» سيخصص يومين للاحتفال «بتنصيب» السيسي رئيساً للبلاد، وعندها أمكن لمن حبس أنفاسه في انتظار هذه اللحظة التاريخية الفارقة، أن يعود لممارسة حياته الطبيعية شهيقاً وزفيراً، لينال حصته من الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون، كما أمكن للواقف على أطراف الأصابع، أن يقف على قدميه مثل عموم الخلائق التي لم تجرب انتظار الإعلان عن احتفال التلفزيون المصري بـ «تنصيب» السيسي! بشرى المذكورة صفاء، رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون في مصر، تأخذ أهميتها، وعلى طريقة الأكاديميين، من أنها تتضمن عنصرين، الأول: هو «التلفزيون المصري»، فجهة الاحتفال هي تلفزيون الدولة، وليست أي محطة تلفزيونية أخرى، وهو أمر يعطي إحساسا بالجدية والوقار، فالبشرى تضمنت التلفزيون المصري وليست قناة «روتانا سينما مش هتقدر تغمض عينيك». والعنصر الثاني: هو أن الاحتفال سيكون بـ «تنصيب السيسي»، وليس مجرد انتخابه، أو توليه الحكم وبمناسبة «الذكرى السنوية» لهذا «الحادث الأليم». و»التنصيب» أمر مرتبط بالنظم الملكية، عندما يتم الاحتفال بـ «تنصيب» جلالته، والاحتفال بعيد اعتلائه على العرش، ومن الواضح أن «المندوبة» السابقة للتلفزيون المصري في جامعة الدول العربية «صفاء»، ومن احتكاكها المباشر، مع ممثلي الأنظمة الملكية قد تأثرت بثقافتهم، فلم تعلم أن الجمهوريات لا تعرف «التنصيب»، و»السيسي» لم يتم اختياره، ملكاً لمصر والسودان، كما كان يطلق على ملك مصر قبل حركة ضباط الجيش في في سنة 1952، التي ألغت الملكية وحولت مصر إلى جمهورية، ومن ثم لا يمكن أن يقال في السيسي اصطلاح التنصيب، إنما يجوز فيه «التأبين»؛ إذ يشكر الحضور الكريم بالقول: «لا أراكم الله مكروهاً في عزيز لديكم»!
أهلا بالعيد
وعلى غرار الدراسات الأكاديمية أيضاً في الدقة المتطرفة، يمكن القول إن البُشرى تحتوي على عنصرين آخرين، الأول: أن المحتفي بعيد تنصيبه هو «السيسي». وأن من زفت البُشرى أو البشارة، لنا هي «السيدة»، أو «الآنسة»، رئيسة الاتحاد المصري للإذاعة والتلفزيون «صفاء» حجازي»، وليست «صفاء أبو السعود»، التي نتذكرها مع كل عيد في أغنية «أهلا بالعيد»، وإذا كان العيد لم يأت بعد، فقد ذكرنا بها حضور زوجها رجل الأعمال السعودي صالح كامل في المشهد، الذي ذكرنا به الخبر المنشور على صفحات جريدة «الوفد»، ومفاده أن عمال وموظفي قناة «الأهلي» طالبوه بصرف مستحقاتهم المالية المتأخرة، وقد ذهلت لأول وهلة، لأني ظننت أن قناة «الأهلي» لا بد وأن تكون تابعة للنادي الأهلي المصري، قبل أن اكتشف من خلال ما نشر أنها قناة تتبع شبكة «آي آر تي». والخبر ذكرنا بهذه الشبكة التي كانت قنواتها ملء السمع والبصر، وقد كنت أظن لغيابها عن «الإدراك العام» أنها توقفت. واللافت في خبر جريدة «الوفد» هو نشره مع «لوغو القناة»، الذي هو نفسه «لوغو النادي الأهلي»، فهل هي ذاتها قناة النادي وأن صالح كامل ينفق عليها، ضمن اهتماماته المعروفة بأعمال البر والتقوى؟! ولم يكن هذا هو الظهور الأول بعد غياب، لرجل الأعمال السعودي، صاحب المغفور لها شبكة «آي آر تي»، وإنما ظهر في أبريل/نيسان الماضي في مؤتمر مجلس الأعمال المصري – السعودي، وقال إن الرئيس السيسي كلف جهات سيادية بحل مشكلات المستثمرين السعوديين، وهو ظهور بدأ مع الحديث عن بيع منطقة «وسط القاهرة» لمستثمرين أجانب، وكان له عرض قديم بشراء منطقة مثلث ماسبيرو، الذي يقع في حيزه مبنى التلفزيون المصري، الذي تجلس على قمته «السيدة»، أو «الآنسة» أخذاً بالأحوط «صفاء حجازي»! فأنا لدي عقدة قديمة من التعامل مع الألقاب عند التعامل مع المرأة، منذ أن نزحت من الصعيد للقاهرة، حيث كان اللقب المريح هو «حاجة»، وذات يوم من أيام البداية في القاهرة كانت زميلة تبدو لي أنها من القواعد من النساء، اللاتي يئسن من المحيط، وإذ خاطبتها بـ «مدام» فكان يوما أسود من لون الغراب، حيث هاجت وماجت، «وفار التنور»، وهي تقول «أنا آنسة»، ودهشت وقتها لأمرين، ونحن في أجواء أكاديمية (ولا تأخذونني فأنا أقرأ هذه الأيام في المنهج الوصفي)، الأول: لأنها حتى هذا السن المتقدم لم يصبها الدور، وأنا قادم من ثقافة مختلفة. والثاني: لأني كنت اعتقد أن اللقب «مدام» مما يسعد من هم في مثل ظروفها لأنه يدخل في باب «الستر والغطاء»!
مدام أم آنسة؟
لا أعرف «الحالة الاجتماعية» لسالفة الذكر، وقديماً وعندما بدأت في كتابة هذه الزاوية «فضائيات وأرضيات» كانت حالة المذيعات الاجتماعية تشغلني، ففلانة متزوجة، وفلانة أرملة، وفلانة تركها عريسها في ليلة الدخلة وهرب، أما الآن فقد هرمنا ولم يعد الأمر يشغلنا، ولو كان يشغلني لحل لي مشكلة التعامل مع صفاء حجازي، الألقاب محفوظة، سواء «مدام» أم «آنسة»، يعجبني الفرنسيون فقد حلوا هذه المشكلة، فالكل عندهم «مدام»، حيث يُنطق اللقب بنطق الأخنف، حتى يتحول ناطقه إلى «الأخنف بن قيس» وهو يقول «مدام». يتكلم السيسي من ضلوعه ويتكلم الفرنسي أو الفرانكفوني من أنفه! ما علينا، فلأني في هذه الأيام بعيد عن مقر إقامتي فلم أتمكن من مشاهدة التلفزيون المصري، لكي أقف على الاحتفال بـ «التنصيب» كما وعدت صفاء حجازي، وقد شغلني ماذا سيقال للناس من انجازات فعلها السيسي، إلا إذا كان الأمر سيكون قاصراً على أجواء احتفالية، وبتكرار الأغاني الوطنية، مع استبعاد أغنية: «مصر هي أمي»! فهذه الأغنية ستقلب على المصريين المواجع، لأن في الأغنية تذكيرا بالنيل؛ فتقول: «مصر هي أمي/ نيلها هو دمي/ شمسها في سماري/ شكلها في ملمحي/حتى لوني قمحي/ لون نيلك يا مصر»، وإذ قل منسوب النيل هذا العام بشكل غير مسبوق، وحدث الجفاف لكثير من الأراضي الزراعية، وقد أعلن مسؤول بوزارة الري في برنامج «صباح دريم»: «مصر مهددة بالجفاف في العام المقبل»، فلم يعد هذا الكلام يقوله الأشرار، عبر قنوات الثورة من اسطنبول، فالاعتراف بالكارثة يتم من قبل مسؤولين في دولة السيسي، وعبر قنوات تلفزيونية تمثل الأذرع الإعلامية له، وإن كان التعامل مع الأمر يتم وفق الإعلان عن المشروع القومي العملاق الذي بشرنا به القوم ويتمثل في معالجة مياه الصرف الصحي ليشربها المصريون، الذين كانوا وإلى العام الماضي يتعاملون مع ماء النيل على أنه لن ينضب أبداً، وكانوا يبددونه في «رش» الشوارع، الآن حمل لهم وزير الري بشارة، بأن هذا المشروع القومي لن يقتصر استخدام مياهه على الزراعة والري وإنما سيستخدم في الشرب بالهناء والشفاء، إذ قال نصاً: «إعادة استخدام مياه الصرف تشمل الشرب ولا تقتصر على الزراعة فقط»! في المداخلة التي قام بها مسؤول وزارة الري مع قناة «دريم»، كان يندب حظه، لأن الوزارة طلبت (5) مليارات جنيه هو حصتها هذا العام من الموازنة العامة وأن ما تم توفيره هو (2.6) مليار فقط، وبدا واضحاً أنه يسعى بهذه المداخلة لإحداث ضغط شعبي على الدولة لصرف باقي المبلغ المخصص، لمجابهة ما وصفه بـ «الجفاف» الذي ينتظر مصر في العام المقبل في ظل انخفاض منسوب الفيضان في نهر النيل! وهو واثق من حدوث هذا الضغط الجماهيري بعد دغدغة عواطف الناس الجياشة بأن إعادة استخدام مياه الصرف تشمل الشرب ولا تقتصر على الزراعة ومؤكد أن عدم صرف باقي المبلغ سيؤثر على هذا المشروع الواعد والخلاق الذي يمكن المصريين من شرب بولهم، بعد أن كانوا يسخرون من العلاج بشرب بول الإبل، وقامت حملة ضد أحد الأشخاص قال في برنامج تلفزيوني بشرب أبوالها للعلاج من مرض السكري وغيره، وتم منعه من الظهور التلفزيوني مرة أخرى، لكن بكل تأكيد فإن بول الإبل يختلف عن بول البشر، من حيث النكهة، فنكهة الأخير متميزة، وغداً يتم الإعلان عن بول البشر من جنس الخواجات، الذي هو قطعاً أفضل من المحلي، وعلى طريقة الإعلان التلفزيوني القديم عن «سر شوبيس»!
الفاعل هو السيسي
مشكلة أغنية «مصر هي أمي» تكمن في أن نهاية النيل تمت بفعل فاعل، والفاعل هو السيسي، الذي وقع على بناء سد النهضة، ولم تتضمن الاتفاقيات التي وقع عليها ضمان حصة مصر التاريخية من مياه النيل الأزرق، وهو كان أول من دغدغ مشاعرنا بالمشروع القومي لمعالجة مياه الصرف الصحي لتصبح صالحة للشرب، ولأن السياسة هي فن الممكن، فسوف يكون المتاح هو مطالبة الدولة بسرعة الاستجابة ومد وزارة الري بباقي مخصصاتها المالية لتتمكن من التصدي لكارثة الجفاف! إن صفاء حجازي تمتلك من الموهبة، وباعتبارها خبرة في التعامل، مع سكان القصور الرئاسية ما يجعلها آخر اختيار للسيسي في مبنى التلفزيون، وقد ارتقت به فمنحته الملكية بتخصيص يومين للاحتفال بتنصيبه!
وسوم: العدد 671