وللخامس من حزيران أجراس الفضائح للأسد

عقاب يحيى

ويطلّ الخامس من حزيران مجلبباً هذا العام بعار العارات، وكاشفاً جوهر السوس الذي بنوا عليه، وفيه حكمهم.. يوم كان الطاغية الأكبر وزيراً للدفاع ـ قائداً للطيران، وركب الهزيمة المباشرة..المدوّية

وكتبنا الكثير عن تلك الهزيمة المفصل، وما زالت الشهية مفتوحة لتناول جوانب كثيرة غامضة فيها، لأنها ـ باختصار ـ أمّ الهزائم، وأب الأوضاع التالية التي رتّبت ما يعرف "بّالردّة"، وبمنح الطاغية الأكبر لوازم جديدة للسيطرة على الحكم بالكامل، وإقامة مملكة الرعب، والصمت، والتشويه والمسخ والفئوية.. وصولاً للتوريث والقائم في بلادنا من تفجير بنى المجتمع، وما تبقى من شيء اسمه دولة.

ـ بين اعتبار أننا كنا ضحية الغدر المبيّت لمؤامرة كبيرة خططت لها الصهيونية بكل ذكاء وترتيب، وبتواطؤ أمريكي مشبوه، ومفضوح.. وحتى روسي بشكل، أو بنسب ما.. وأن المعركة حسمت في ثلاث ساعات بعد تدمير الطيران المصري في قواعده، ومعظم المطارات، وعدد كبير من الطائرات السورية والأردنية، وحتى العراقية...

   وهنا يمكن أن يُضاف كومة من العوامل التي تخصّ بنى التخلف . موازين القوى المختلة . الشعارية ومصائبها . اللاواقعية . عدم التنسيق بين الجبهات العربية .عدم معرفة قوات العدو الحقيقية..إلخ ..

ـ وبين من يعيد الأمر إلى مؤامرة بالكامل، ويتهم حكم البعث، أو أطرافاً فاعلة فيه بصناعة تلك المؤامرة لإسقاط عبد الناصر، وكلام كثير قيل، وما زال يقال عن البيع والشراء، والتمهيد لحكم الطائفة المباشر، وتسليم القنيطرة مفروشة ...وتلغيم البعث بما بقي له وفيه..إلخ..

ـ وعبر السنوات كتبت المزيد من المقالات في وجهة نظري بأسباب ومسارات، ونتائج حزيران، وعندما كنت في قيادة البعث ، المتحوّل اسماً للبعث الديمقراطي.. اختلفنا"المكتب السياسي القومي" ونحن نناقش ما يعرف ب"نقد التجربة" في المقدمات، والحيثيات، والمسارات، والتداعيات التي أدّت إلى وصول الأسد الطاغية، الطائفي للسلطة في انقلاب أبيض، والإجهاز على ما بقي من حزب البعث.

ـ وقد يُكتب الكثير عن تلك الحرب والهزيمة لأن تفاعلاتها ما تزال قائمة، لكن الأكيد أن العقل الأحادي، الشمولي، المهزوم داخليا، الذي يعاني الازدواجية المربكة، والخوف من الشعب والآخرين رفض إقامة مراجعة جذرية لها تتجاوز الشعارات الثورية الصارخة، والمواقف الوطنية المتطرفة، والجنوح نحو اليسار الشكلاني.. وذلك من خلال الإقرار بأن البعث ليس وحده المسؤول عن الحكم، وأن قوى سياسية أخرى يجب أن تشارك، وإسقاط الأحادية، والحزب الواحد القائد، وتكريس أن المرحلة مرحلة تحرر وطني بكل مستلزماتها وأطرافها، وضرورة إنهاض جبهة سياسية وشعبية واسعة لمواجهة الاحتلال، والضغوط الناتجة عن الهزيمة.

ـ وطالما أن العقل السائد رفض تلك المراجعة، متمسكاً بثوابته، بل ومتشدداً أكثر بها في ردّ فعل تبرز البلبلة فيها وآثار الهزيمة، والخوف من السقوط، و"المؤامرة" . وطالما استمر عقل المكابرة في الاعتراف بالواقع وما حصل، وأهمية المحاسبة، وتغيير قيادة الجيش المسؤول الأول عن الهزيمة، فإن الطبيعي حدوث الذي حدث، وبروز ذلك التكتل العسكري الطائفي بقيادة الأسد في ظروف مواتية ومثيرة لكثير الأسئلة عن البواعث، والفشل في مواجهته، وصولاً لانقضاضه السهل على الحكم، ووضع القيادة السياسية والحزبية في السجن، وبدء مرحلة التأسيس الشامل لمرحلة نوعية في تاريخ سورية تتسم بالطائفية الصريحة، وبإقامة مملكة خاصة لآل الأسد وأزلامهم تتحول فيها سورية : نواة الدولة إلى مزرعة، وسورية الحضارة، والتاريخ إلى بسطار بأرجلهم، وإلى حالة وراثية تدوس بكل صلافة على أبسط أسس الجمهورية، وتنتهك حتى الدستور الذي فصّلوه على قياس الطاغية الأكبر ليكون الحاكم المطلق ..

****

نظام الفئوية، وعقلية المزرعة، والعائلة، والطائفة، والمافيا.. الذي شرّش، وعشش في جميع مناحي الحياة السورية، وبثّ على مرّ العقود جراثيمه، وأوبئته.. لا يمكنه أن يتعامل مع الشعب إلا كقطيع خانع، ذليل، ومع الحقوق إلا من خلال أقبية المخابرات، وتقارير المخبرين.. لذلك كان الجواب على مطالب الشعب السوري بتلك الطريقة المنهّجة، ولذلك تعاملوا مع الأطفال بتلك الطريقة الدموية، ولذلك، ايضاً، وايضاً مستمرون في عمليات الإبادة وتدمير البلاد، ولا مانع لديهم من قتل الملايين، وتحويل معظم ارجاء الوطن لحطام.وهم يدركون مصيرهم الحتمي، ويعلمون أنهم في معركة "مصيرية " هم من وضع نفسه مختاراً فيها، وهم من قادها بكل صلف، واستكبار، ودموية .

ـ أما البعث المسكين.. الذي كان، والذي صار عليه تحت بساطير آل الأسد والأجهزة الأمنية، فأمره آخر ويحتاج وقفات مستقلة، لأنه كان من أكبر الضحايا التي نزلت به على يد الحكم، ومسخته وشوهته عبر السنوات، وحولته إلى ممسحة لكل الموبقات .

ـ اليوم، وفي الخامس من حزيران.. يُفترض ان يعلن القاتل فوزه الساحق.. ولكم أن تتصورواً اية نتائج فاضحة للخامس من حزيران، وهزيمته.. واي دور لعبه الطاغية الأكبر وورثته، وصحبه، وآله ..