مع الأستاذ الفرنسي في تعلم اللغة العربية

معمر حبار

[email protected]

مقدمة التلميذ : حين يعود التلميذ لتصفح ملفه الدراسي، يجد مجموعة من الأساتذة الذين كان لهم الفضل عليه، ومازال. وقد سبق أن أفرد لبعض أساتذته مقالا منفردا لكل واحد منهم، ومازال يكتب عنهم، وهذا أقلّ مايقدّمه التلميذ مقابل فضل أساتذته الذي لاينضب.

وهذه المرة، ستكون الأسطر للأساتذة الفرنسيين، الذين تلقى على أيديهم المادة التي كانوا يلقنونها، وبعض السلوكات الحسنة التي حفظها عنهم، ويريد أن يشكرهم عبر هذه الأسطر، لعلّها تكون قدوة للتلميذ الذي يظل يعترف بفضل أساتذته ، وعبرة للأستاذ الذي يتخذ غيره من الأساتذة قدوة ، فيما يستوجب أن يكون قدوة.

فرنسي يعلم نطق العربية : أثناء قراءة نص باللغة الفرنسية، الذي يقرأه عادة مجموعة من الطلبة، جاء الدور على طالبة كانت تحسن اللغة الفرنسية جيدا، ونطقت إسم الأمير عبد القادر بـ: Abdelkader، فثار الأستاذ الفرنسي غاضبا، وقال .. إنطقوا الاسم العربي باللغة الأجنبية، كما تنطقونه باللغة العربية، وضرب لذلك مثلا وقال، قولوا ..  Abdelkadir، وليس  Abdelkader. وكان درسا في تلقين النطق السليم للغة العربية على يد أعجمي اللسان.

حب الفرنسي للجزائر : زار الرئيس الجزائري الأسبق، الشاذلي بن جديد، رحمة الله عليه، ولاية الشلف مرتين ، عقب زلزال أكتوبر 1980. وأثناء الزيارة تزينت الولاية، كما يحدث مع جميع الزيارات، فكان نصيب غرس الأشجار، الجهة المقابلة لثانوية العقيد بوقرة، وغيرها.

وفي الغد، استقبل الأستاذ الفرنسي تلامذته معاتبا بشدة، وهو يقول .. لماذا سرقت الأشجار؟. لقد عددتها قبل الزيارة،كانت كثيرة جميلة، وعددتها بعد الزيارة،  فلم أجد إلا واحدة. ثم راح يضرب لتلامذته دروسا في المحافظ على أملاك الجزائر وخيراتها.

الصمت مساعد للصوم: حين كان يحين شهر رمضان، كان يوصي طلبته، وهم في أوج المراهقة والشباب، قائلا لهم.. لاترهقوا أنفسكم كثيرا، وأنتم صائمون، فاليوم الطويل، إقتصدوا في مجهوداتكم، إدّخروا قوتكم فيما بعد، فستحتاجون إليها في المساء، خاصة وأن شهر رمضان في تلك السنوات، كان في الصيف.

ماأغلى وأعزّ شمس الجزائر: حين يرى الطلبة، يتجاذبون إزار النوافذ، ليحميهم من حرارة الشمس، كان الأستاذ الفرنسي يقول لنا ..

أتركوا الإزار في حاله، واحمدوا أن الله متّع الجزائر بطبيعة خلابة، لايملكها الآخرون، ويتمنون لو رُزقوا القليل من هذه الشمس، التي تتهربون منها.

اللغة الرياضية : من السلوكات الحسنة التي تعلمناها على يد الأستاذة Madame Leduc ، في مادة الرياضيات، أنها كانت تلقن طلبتها الصياغة اللغوية في معالجة المعادلات، فهي قبل أن تبدأ في معالجة المعادلة الرياضية، تكتب قائلا ..

لنعالج المعادلة التالية. وحين تنتقل للجزء الثاني من المعادلة تكتب .. ننتقل للجزء الثاني من المعادلة.

وفي كل مرحلة من مراحل حل التمرين، يكتب الطالب ماله علاقة بالنتيجة أو المجهول أو القاعدة بالكلمات والأحرف، ثم يكتب النتيجة التي توصل إليها بالأرقام.

وهذه القاعدة الثمينة، الخاصة بالتعبير اللغوي الخاص بالرياضيات، تعلّم منها الطالب، أن يكتب مقدمة لكل مايريد أن يكتب فيه أو عنه، ويعلّمها لأبناءه، حين يتطرقون للرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية، وكل ماله علاقة بالعلوم الجامدة.

ويكفي المرء، أن يتابع الدروس والمحاضرات ومناقشة المذكرات، الخاصة بالعلوم التجريبية، كالهندسة المدنية، والري، والميكانيك، والإعلام الآلي، والهندسة المعمارية، ليقف على الفضاعة التي تُقدم للطالب، فلا هي لغة أجنبية سليمة، ولا هي لغة عربية سليمة، ويخيّل للمرء أن الدروس تلقى للصم البكم، جراء إنعدام اللغة السليمة في تقديم العلوم التجريبية.

إحترام العادات والتقاليد : درس التلميذ عند الأستاذ الفرنسي وزوجته Leduc، عامين متتالين 1982 – 1984. ظلا يحترمان المجتمع الجزائري في عاداته وتقاليده، وظهر ذلك جليا في ..

الانضباط التام في شهر رمضان، فلا تجدهم طيلة العامين يأكلان أثناء نهار رمضان، وكأنهما صائمين.

وفيما يخص  الأستاذة Leduc ، كانت تلبس لباسا عاديا. ولم تلبس يوما مايثير مشاعر المجتمع، رغم جمال الصورة، وأناقة الجسد التي تتميّز بها.

وأتذكر جيدا، حين صعدت طالبة لحل معادلة رياضية، فانحلّ شعرها، وخوفا من أن يراها الطلبة أمسكت بشعرها ، وطلبت من الأستاذة أن تتوقف عن حل المعادلة، وتعود لمكانها للم شعرها، وضبط خمارها، فأذنت لها الأستاذة الفرنسية، وفي الحين صعد طالب آخر ليكمل حل المعادلة، في هدوء تام وصمت كامل.

خلاصة التلميذ : يرى التلميذ من واجبه، وبعد مرور 32 سنة ، أن يقف قليلا، ويتحدث عن أستاذه الفرنسي وزوجتهLeduc ، الذين استفاد منهم، بالقدر الذي سمح به مستواه المعرفي البسيط يومها، وبالقدر الذي تعلّمه في الحياة فيما بعد.