منجزات المقاومة المسلحة ضد إسرائيل كبيرة مشهودة

توالت في الأسابيع الأخيرة أصوات عربية تحط من فعالية المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد إسرائيل وتنكر منجزاتها ، وتراها جالبة للشر والضر على الشعب الفلسطيني . وكان للسعودية نصيب كبير من تلك الأصوات . تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودي السابق يرى في حركات المقاومة الفلسطينية حركات مثيرة للفوضى في المنطقة بتوجيه من إيران ، وعادل الجبير وزير الخارجية السعودية قال إن حركتي حماس والجهاد لم تحققا في 20 عاما أي شيء للفلسطينيين ، وجعلتهما ضحية ، وأنور عشقي ضابط المخابرات السعودي المتقاعد قال في دفاعه عن زيارته الأخيرة لإسرائيل إن المقاومة الفلسطينية لم تقتل ذبابة وإن ما تقوم به محض عنتريات  . الأصوات السعودية تعبير عن سياسة قديمة ثابتة مستترة ، وظهورها بقوة الآن يتوافق مع الجنوح العلني للتطبيع السعودي مع إسرائيل الذي يتخذ ما يسمى الخطر الإيراني حجة دافعة لهذا التطبيع من منطلق أن السعودية وإسرائيل معرضتان لهذا الخطر . وفي السياق ذاته سار نبيل شعث عضو مركزية فتح الذي قال مؤخرا إن المقاومة لم تحرر شبرا واحدا ، والمفاوضات لم توقف الاستيطان ، يعني لا أمل في مواجهة إسرائيل بأي وسيلة . وما سبق من حط لفاعلية المقاومة المسلحة وإنكار لمنجزاتها في مواجهة عدوان إسرائيل وخطرها ؛ تنفيه منجزات المقاومة لبنانية وفلسطينية ، وإذا كانت الأصوات السابقة خصت بحديثها المقاومة الفلسطينية ؛ فرأيها في المقاومة اللبنانية  هو نفس رأيها في المقاومة الفلسطينية . نبدأ بالمقامة اللبنانية : هذه المقاومة حررت جنوب لبنان في 25مايو/ أيار 2000 من الاحتلال الإسرائيلي ، وما كان الاحتلال ليخرج منه لولم تطرده بقوة السلاح ، ويعترف الإسرائيليون بأنهم هربوا منه " والذيل بين الرجلين " تشبيها لأنفسهم بالكلب ، والعبارة  عبارتهم في وصف حالهم عند هروبهم بليل من الجنوب . والمقاومة الفلسطينية طردت إسرائيل من غزة جيشا ومستوطنات في 12سبتمبر/ أيلول 2005، ولم ينقص من إيجابيات هذا المنجز الوطني الكبير الذي صنعته دماء شهداء المقاومة إلا نوعية علاقة السلطة الفلسطينية بإسرائيل في اتفاق أوسلو الذي يمنح إسرائيل سيطرة كاملة على حدود غزة والضفة ، فبقيت هذه السيطرة على حدود غزة مع تحرير داخله من إسرائيل ، وشملت هذه السيطرة  حتى منفذ رفح الذي لا سيطرة مكانية لإسرائيل عليه ؛ لأن  مصر منضوية مع السلطة في نفس الشبكة المعنية بالأمن الإسرائيلي ، وكل هذا حرم غزة من قطف ثمار انتصارها حرية حركة وتنمية شاملة في كل وجوه الحياة . وهيأت تلك الشبكة لثلاث حروب إسرائيلية مدمرة على قطاع غزة الصغير . ما كانت إسرائيل لتخلي  21 مستوطنة من القطاع  برضا وطيب خاطر . في ثمانينات القرن الماضي وقف مناحيم  بيجن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق في ميدان فلسطين بمدينة غزة ، وهتف متشنجا : " غزة لنا " ! وساوى شارون مستوطنة نيتساريم جنوبي مدينة غزة بتل أبيب مؤكدا إصرار إسرائيل على التمسك بها . وفي 1982 وصفت الوكالة اليهودية قطاع غزة  في نشرة تعريفية ب " هاواي إسرائيل "، وحثت الحكومة الإسرائيلية على توطين 100 ألف يهودي فيه . وبعد اتفاق أوسلو الذي بدأ تنفيذه في مايو 1994 لم يتوقف التوسع الاستيطاني في قطاع غزة ، ودأب المستوطنون على الإغارة على الأراضي المجاورة لمستوطناتهم لضمها لتلك المستوطنات محتمين بقوات الاحتلال التي كانت ترافقهم في إغاراتهم . وأخطر ما خططت له إسرائيل  في توسيع الاستيطان بعد أوسلو مشروعُ الوصل بين مستوطنة كفار داروم شرقي مدينة دير البلح وبين مجمع  مستوطنات جوش  قطيف جنوبي وغربي مدينة خانيونس بالاستيلاء على مئات الدونمات من أراضي المواطنين الفلسطينيين التي تفصل بين كفار داروم وجوش قطيف . ولو لم تجبر إسرائيل على الانسحاب بقوة سلاح المقاومة التي قادتها حركتا حماس والجهاد لنفذت ذلك المشروع الخطير . وكل فلسطيني في رفح وخانيونس لا ينسى ويلات وعذابات حاجز أبي هولي الذي كان يقطع طريق ذهابهم وعودتهم ، ويضطرهم أحيانا للمكوث عنده أياما وليالي في أقسى الأجواء بردا أو حرا وبيوتهم وأماكن عملهم أو دراستهم  لا تبعد عنهم سوى ربع أو ثلث ساعة . ولا نتحدث عن توالي الاقتحامات والاجتياحات التي كانت تقوم بها القوات الإسرائيلية لمختلف المناطق والتي زادت عددا وعنفا بعد أوسلو الذي تسمح بنوده بها وفق ما اصطلح على تسميته " المطاردة الساخنة " لمصادر الخطر على الجيش الإسرائيلي والمستوطنات . وحظرت إسرائيل على الفلسطينيين السير في 3 كيلومترا ت من شارع صلاح الدين حماية لمستوطنة كفار داروم ، ودام الحظر خمس سنوات ، ولم ينتهِ إلا  بانتهاء الاحتلال ، ويعرف أكثر الفلسطينيين محنة ذلك الحظر. وقل ما تشاء وزد عليه عن سيئات ومنغصات حاجز التفاح غربي خانيونس !  وماذا نحصي من بلايا الاحتلال والاستيطان في قطاع غزة التي تحرر الناس منها بعد دحر الاحتلال جيشا ومستوطنين ؟! من لا يعرف نعمة التحرر من الاحتلال يذم المقاومة ، وذمه يضمر غفلة كاملة عن أبسط حقائق الحياة ، وهي أنه لا خير لأي شعب في سيطرة غزاة معتدين على وطنه ومصيره ، هم ما غزوه إلا لمصلحتهم ، وهذا يُلزمه بمقاتلتهم مهما قلت إمكاناته ، وهو ما فعلته المقاومة الفلسطينية واللبنانية ، وصنعت به منجزات يقر بها الإسرائيليون ، وينكرها بعض العرب لغايات تخصهم وتخص صلتهم بإسرائيل  . ما من أمة تغمد سيفها إذا اعتدي عليها إلا جرفتها رياح التاريخ إلى مهاوي الذلة والانسحاق ؛ فما بالنا بعرب  يمجدون كسر سيوف  أمتهم ؟! ولا  تبعدوا مرمى النظر ! انظروا إلى إسرائيل نفسها ! تتقوى ليل نهاربأحدث الأسلحة وأدقها وأفتكها  ، وتؤمن وتتصرف بقناعة مطلقة بأنها تعيش في المنطقة بحد سيفها . وهذه مسلمة إنسانية . القوة المسلحة وسيلة أساسية لحماية الذات والحقوق ، ترفدها أنواع القوة الأخرى وتتضافر معها ، ولا تغني واحدة عن الأخرى . كوريا الشمالية نصف وطن ورغم نصفيتها  وفقرها ومحدودية إمكاناتها  صنعت لنفسها هيبة صلبة في وجه أميركا وتابعتها كوريا الجنوبية . كان المنطقي الأوجب أن تصبح المقاومة اللبنانية والفلسطينية مثلا يقتدى به في مواجهة الخطر الإسرائيلي الذي لا يستثني في جوهره أحدا من العرب والمسلمين ، وهو إذ يهادن بعض الأطراف العربية والإسلامية فإنما يهادنها مرحليا ليتخذ مهادنتها نقاط ارتكاز ووثوب إلى أهدافه التوسعية المخفية في ملفاته والتي تطل بين حين وآخر على ألسنة الإسرائيليين وفي تصرفاتهم . كل من يبخس المقاومة الفلسطينية واللبنانية منجزاتها الكبيرة المشهودة في مواجهة الخطر الإسرائيلي يعزز هذا الخطر ، ويمهد لاتساع سطوته .

وسوم: العدد 679