لماذا فشل الانقلاب في تركيا ؟؟؟!!!
ما كان الإنقلاب ليفشل .. أو يسقط .. أو يتحطم ..
والقائمون عليه ليقعوا في المصيدة .. كما تقع الجرذان ..
لولا توافر عنصرين رئيسيين .. أساسيين وهما :
الأول : العنصر الرباني .. وهو الأساسي .. والفاعل الحقيقي .. والمهم .. ولولاه لما كان للعنصر الثاني أي تاثير . . وأي قيمة ..
الثاني : العنصر البشري
وهذا العنصر البشري ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : الإنقلابييون ..
القسم الثاني : الدولة ..
فالعنصر الأول : كان له السلطة الكبرى .. والقوة العظمى .. والفاعلية المؤثرة .. والقدرة المطلقة .. في إسقاط الإنقلاب .. وإفشاله .. وسحق قادته .. ومحق مؤيديه ..
والإيمان اليقيني التام بأثر .. وقيمة .. وفاعلية هذا العنصر .. هو من مقتضيات .. ومتطلبات .. وشروط الإيمان ..
فلا إيمان .. ولا إسلام .. لمن لم يؤمن بهذه العقيدة الثابتة.. الراسخة .. الأولية التي يؤكدها قوله عز وجل :
( فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ وَمَا رَمَيۡتَ إِذۡ رَمَيۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبۡلِيَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡهُ بَلَآءً حَسَنًاۚ ) الأنفال 17
فهو سبحانه وتعالى .. الذي ألهم أردوغان .. وسهل له .. ويسر له .. كي يغادر الفندق قبل الهجوم عليه بساعة .. وقد نُقل عنه أنه قال : لو تأخرت ربع ساعة .. لكنت في عداد الموتى ..
وهو الله .. الذي طبع على قلوب الإنقلابيين .. وختم على أبصارهم .. وغشَى على عقولهم .. فجعلهم يتخبطون خبط عشواء .. فلا يهتدون سبيلاً .. ولا يتمكنون من القبض على رئيس الدولة .. ولا على نوابه .. ولا على وزرائه ..
وهذه هي الخطوة الأساسية .. المفصلية في نجاح أي انقلاب ..
وبدون تحقيق هذه الخطوة .. فالإنقلاب محكوم عليه بالفشل يقيناً ..
وقد شهدت في الستين سنة الماضية عشرات الإنقلابات .. كلها كانت تنهج نفس النهج .. القبض أولاً على الحاكم – أيا كان إسمه .. ملكاً .. أميراً .. أو رئيساً – ومعاونيه .. ومساعديه الأساسيين .. والسيطرة على قصره .. ومن ثم السيطرة على هيئة الأركان .. والوزارات السيادية .. ومنها وزارة الدفاع .. والداخلية .. وبعدها الإذاعة .. لإذاعة البيان رقم واحد في الصباح .. وليس في المساء ..
وكان أول انقلاب شهدته في حياتي .. وكان عمري أحد عشر عاماً .. كان في 14 تموز 1958 على يد عبد الكريم قاسم .. ضد الملكية الهاشمية في العراق .. ولم يكن لينجح الإنقلاب .. لولا القبض على الملك فيصل الثاني وعائلته .. وإعدامهم فوراً .. وتحويل النظام في العراق من ملكي إلى جمهوري ..
الثاني : العنصر البشري
القسم الأول : الخاص بالإنقلابيين ..
هذا العنصر وقع بأخطاء كارثية .. وفادحة أدت إلى فشله ..
والفضل في وقوع الإنقلابيين في الأخطاء الجسيمة .. يعود فيه بالدرجة الأولى .. إلى العنصر الرباني الأول .. الذي أعمى بصيرتهم .. وشل تفكيرهم .. وأعاق حركتهم ..
الخطأ الأول : أنهم استعجلوا ساعة الصفر .. فبدأوا في تنفيذ الإنقلاب في الساعات الأولى من الليل .. والناس لا يزالون مستيقظين .. على خلاف كل الإنقلابات التي حصلت في العالم خلال المائة سنة الماضية .. فإنها كانت تحدث في أواخر الليل .. والناس كلهم نيام .. وحينما يستيقظون في الصباح يسمعون من الإذاعة .. أو التلفاز إذا كان متوفرا .. نص البيان رقم واحد .. ويلقيه غالباً زعيم الإنقلاب ..
الخطأ الثاني : إن جميع الإنقلابات – أو معظمها – التي حصلت في العالم كانت تحصل في الليل المظلم .. والقمر يكون في أوائل أيامه .. أو في أواخر أيامه ليخفي تحركات الإنقلابيين .. ولكن إنقلابيوا تركيا نفذوه في ليلة مقمرة .. مضيئة .. وتحركاتهم مرئية .. مشاهدة ..
الخطأ الثالث : وقد يكون الأهم .. أن الإنقلابيين لم يتمكنوا من القبض على رئيس الدولة .. أو قتله .. أو أحداً من مساعديه .. مما مكن رئيس الدولة .. من التواصل مع بعض وسائل الإعلام الخاصة .. ومع أركان دولته للتنسيق .. وقلب السحر على الساحر .. ودحر الإنقلابيين .. ورد كيدهم ..
الخطأ الرابع : كان الإنقلابييون وجلين .. خائفين .. متلجلجين .. متخبطين .. يضربون ضرب عشواء .. في الأماكن التي لا يفيد فيها الضرب .. مثل ضرب مقر البرلمان ..
والتردد .. والتمنع من الضرب في الأماكن المفيدة .. مثل مواجهة المظاهرات المعارضة ..
فلم يتم مجابتها بحزم وشدة .. ولم يتم إطلاق الرصاص إلا قليلاً على الناس .. المتجمعين حول الدبابات .. كما كانت تفعل قوات الأسد .. التي هاجمت الناس المعتصمين بالآلاف في ساحة الساعة الجديدة .. في حمص في 18 نيسان 2011 ، وقتلت منهم المئات .. وجرحت الآلاف .. وكذلك حينما هاجمت قوات السيسي .. المتجمعين في ساحة رابعة العدوية .. وقتلت وحرقت الآلاف منهم ..
القسم الثاني من العنصر البشري ..
وهذا ينقسم إلى جزئين ..
الجزء الأول خاص بشخصية أردوغان القوية .. المتمكنة .. المهيمنة .. المسيطرة على مفاصل الدولة .. ذات التأثير القوي .. والذي له هيبة طاغية .. ويحمل جاذبية نفاذة .. وكل هذه الصفات تسمى بالإفرنجي ( كريزما ) ..
فقد استطاع هذا الرجل بحنكته .. ودهائه .. وخبرته الطويلة في الحكم – بعد أن نجاه الله من القتل – من استعادة السيطرة على الوضع .. بعد أن تمكن من التواصل مع قناة تلفزيونية .. من خلال هاتفه النقال .. لإرسال رسالة مرئية إلى الشعب .. يدعوهم فيها إلى الخروج إلى الشوارع والميادين .. ومقاومة الإنقلابيين ..
إضافة إلى التواصل .. الذي حصل بين وزارة الشؤون الدينية .. وأئمة المساجد .. ودعوتهم إلى استخدام المآذن .. لإطلاق التسابيح .. والتهليل .. والتكبير .. والصلاة على النبي .. والإستغاثة بالرب العظيم .. فكانت هذه الطريقة المتميزة .. محمسة .. وميهجة لمشاعر المسلمين .. لزيادة الحشد في الشوارع .. ومقاومة الإنقلابيين ..
الجزء الثاني من العنصر البشري :
هو الشعب التركي .. الذي لبى نداء أردوغان فوراً .. وخرج إلى الشوارع بكل فئاته .. وكل مكوناته العقائدية .. والفكرية .. والحزبية .. والإجتماعية ..
واصطف الجميع خلف القائد منددين .. ورافضين .. ومقاومين للإنقلاب .. سواء كانوا مؤيدين للحكومة .. أو معارضين لها ..
سواءاً كانوا ملتزمين بالدين .. أو علمانيين .. متحررين ..
سواءاً كانت النساء متحجبات .. أو سافرات .. أو متعريات ..
كان تلاحماً مشهوداً .. وتآلفاً رائعاً .. بين الشعب .. قلما يظهر في شعب من الشعوب ..
ولكن السؤال الكبير .. والهام جداً .. والذي يمكن أن يسأله كل الناس ..
لماذا .. ثم لماذا أفشل الله الإنقلاب في تركيا .. ولم يقشله في مصر ؟؟؟!!!
هذا السؤال مشروع .. ومهم جداً .. أن يعرف الناس جوابه ..
لا أزعم أني أعرف الجواب اليقيني .. لأن هذا من أسرار الله تعالى .. التي لم يطلع عليها أحداً من خلقه ..
ولكني أحاول أن أستشف .. وأتلمس بعضاً من الحكمة الربانية العظيمة ..
الحكمة الأولى : هي الرحمة الإلهية العظيمة .. واللطف الرباني الكبير .. باللاجئين المسلمين المتواجدين في تركيا ..
إذ كان من أحد أهداف الإنقلابيين هو طردهم ..
الحكمة الثانية : قد تكون محبة خاصة .. من الله الجليل للسيد أردوغان .. لتمكينه من إكمال مشروعه .. الذي وضعه منذ بداية حكمه قبل أكثر من عشر سنوات ..
الحكمة الثالثة : تنبيه أردوغان إلى الأخطار الداخلية المحدقة به .. وتعريفه بأعدائه .. للإقتصاص منهم .. والقضاء عليهم .. وتطهير البلد من رجسهم .. ومفاسدهم ..
الحكمة الرابعة : تنبيه أردوغان إلى الأعداء الخارجيين .. وتحديد العلاقة معهم .. وكيفية التعامل معهم .. بعد انكشاف تورطهم بتدبير .. أو تخطيط .. أو تأييد الإنقلابيين ..
الحكمة الخامسة : وهي أهم من كل ما سبقها .. إرسال رسالة قوية .. وتنبيه شديد .. من الله القوي لأردوغان ..
كأنها تقول :
إني نجيتك من القتل .. كما نجيت من قبلك .. إبراهيم من النار .. وموسى من الغرق .. ومحمدا من كفار قريش يوم الغار ..
لكي تطهر هذه الأرض المباركة .. التي فتحها أسلافك بأرواحهم .. ودمائهم .. من الفاسدين والمفسدين .. ولكي تقيم الدين منهاجاً .. وشريعة .. ونظاماً ..
( ۞شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ ) الشورى 13
وأن تحكم بما أنزل الله .. وتُبطِل قوانين العبيد الجائرة .. الظالمة ..
( وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ ) المائدة 49
أما لماذا لم يُفشل الله الإنقلاب في مصر .. فهذا يحتاج إلى مقالة أخرى .. إن شاء الله تعالى ..
وسوم: العدد 679