" الاكتساح " المطلوب في الحالة الفلسطينية
" الاكتساح " مصطلح شائع بغيض وطافح بالزهو والغرور رافق دائما أي انتخابات فلسطينية بما في ذلك انتخابات الجامعات والكليات والمعاهد والمؤسسات المهنية . وأصل الكلمة من " الكسح " وهو الكنس ، و" الكنس " يعني الإزالة ، ونعرف إزالة ماذا ، ولأن دلالة الكلمات تتطور مع الزمن ، وتستخدم استخدامات جديدة قد يكون لها صلة وقد لا يكون لها صلة بدلالتها الأصلية ، ولأن زيادة المبني الصرفي للكلمة تولد زيادة في معناها في أكثر حالات الاستخدام اللغوي فإن " الاكتساح " (الافتعال ) من " كسح " ينضاف إليه دلالة الشمول والعنف . وهكذا فأي فائز ( الطريف اللغوي أن من معاني الفوز الموت ) في الانتخابات الفلسطينية أيا كان نوعها وضآلة شأنها يرى أنه أزال خصومه ومنافسيه إزالة شاملة عنيفة تمحوهم من الوجود الذي يتحرك فيه ، وتمنحه التفرد لقول ما يريد وفعل ما يريد دون أن يعارضه أحد أو يحاسبه أحد ، ويقتنع اقتناعا لا يهتز ولا تقترب منه لمسة ريب بأنه فريد من نوعه . مصطلح " الاكتساح " البغيض انتعش مع التحرك نحو انتخابات البلديات والمجالس المحلية في الضفة وغزة ، وأكثر الحديث عنه إن لم نقل كله ينبعث من أتباع فتح ، وهم على كل حال أشهر من استخدمه في الساحة الفلسطينية ، وكثيرا ما ساعدت أحوال الضفة وغزة على إفراطهم في استخدامه . في انتخابات 1996 التشريعية لم ينافسهم أحد ، نافسوا أنفسهم ، فاكتسحوا ... من ؟! وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت مرتين لم ينافسهم أحد عمليا، فاكتسحوا . وفي انتخابات 2012 للبلديات والمجالس المحلية التي جرت في الضفة دون غزة لم ينافسهم خصمهم الكبير حماس ، فاكتسحوا . وعادوا الآن من جديد يتحدثون عن الاكتساح في الانتخابات الجديدة للبلديات والمجالس المحلية في الضفة وغزة المقرر أن تُجرى في الثامن من أكتوبر / تشرين الأول القادم إن لم يصطدم كوز حماس بجرة فتح قبل ذلك التاريخ ، ويدفع الاصطدام إلى إلغاء كل ما اتفق عليه الفصيلان بشان الانتخابات . فعلام يبني المبشرون الفتحاويون قناعتهم بحتمية اكتساحهم للانتخابات ؟! يظنون أن سوء الحال بسبب الحصار في غزة سيدفع الناس إلى الابتعاد عن حماس والاتجاه تلقائيا إلى فتح ، ويرون أن الأمور في الضفة في يدهم بحكم صعوبة تحرك حماس فيها وإلا لما غامرت فتح بإجراء الانتخابات وهي التي صعقت من فوز كتلة حماس في آخر انتخابات في جامعة بير زيت . الواقع يوضح أن تبشير فتح لأنصارها بالاكتساح في الانتخابات القادمة ربما يكون نوعا من التمني لا يدل على قراءة سليمة لحال غزة والضفة . في غزة لحماس شعبية واضحة اعترافا من الناس بصدق مقاومتها لإسرائيل ، وبحالة الأمن الاجتماعي المقبولة التي وفرتها لهم ، وبحذقها المالي في توفير نسبة منتظمة من رواتب موظفيها حتى في جو اتهام حكومتها بثقل ضغطها في الضرائب والغرامات عليهم ، ولا ينسى لحماس في نزاهتها المالية أن وزارة الخارجية الأميركية زمن ولاية كونداليزا رايس أعدت دراسة لسلوك حماس المالي دامت شهرين ، فلم تتوصل إلى أي شبهة فساد فيه . وفي الضفة نقمة واضحة على السلطة التي هي فتحاوية خالصة . ويرى خليل الشقاقي رئيس " المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية " نفس الرأي حين يقول في حديث مع المحلل الإسرائيلي يسخاروف من صحيفة " تايمزأوف إسرائيل " إن السلطة وفتح لم تقدرا حماس ، ولم تفهما الأجواء في غزة . ولا ننسى أن انتخابات سابقة خسرتها فتح أكدت قبلها ، وشاركتها التأكيد استطلاعات رأي غير نزيهة ، حتمية اكتساحها لتلك الانتخابات ، ومنها انتخابات تشريعي 2006 ، والانتخابات البلدية والقروية في 2005 ، وجاءت النتائج النهائية لها صادمة مخيبة لتفاؤل فتح المغرور . ومن ثم فالحديث الفتحاوي من جديد عن الاكتساح مغالى فيه ، والحكمة في التقليل منه ، والانشغال عوضه ب " اكتساح " من نوع آخر ، هو مقاومة الخطر الإسرائيلي الاستيطاني الذي يلتهم الضفة ليل نهار التهام النار ليابس الحطب مقتلعا آخر جذور الحلم الفلسطيني بدولة ومجتمع حتى على 22% من الأرض الفلسطينية ، وأيضا الانشغال بترميم ما يستطاع ترميمه من الانهيار السياسي الفلسطيني داخليا وخارجيا . وتتعاظم ضرورة الانشغالين السابقين في وقت تتفكك فيه دول عربية كبيرة رغم كل ما توفر لها من أسس الرسوخ والصمود ، وتتحالف دول عربية كثيرة مع إسرائيل ، وتبدي تحمسا لا عقلانية فيه " للتكفير " عن مظاهر عدائها السابق لإسرائيل على ما كان فيه من نفاق ووهن . كل من يقاوم إسرائيل ، وبأي أسلوب ، والمهم الإنجاز الملموس الواضح لمقاومته ، سيرحب به الشعب الفلسطيني . ومن يقاوم إسرائيل من الفصائل الفلسطينية لن يقاومها بفصيله وإنما بالشعب ، وستجعله مقاومته " يكتسح " غيره الذي قصر في مقاومة إسرائيل أو نكص عنها . مقاومة إسرائيل هي " الاكتساح " الحقيقي الذي يتحتم أن ينشغل به كل فصيل فلسطيني وكل مواطن فلسطيني ، وبعد ذلك يمكن الانشغال بالفوز على الخصوم والمنافسين الفلسطينيين في أي انتخابات .
وسوم: العدد 680