المشروعان الصفوي الإيراني و الصهيوني الصليبي "الرؤية و التحليل"
عندما أحكمت قوات النظام و الميليشيات المساندة لها بدعم من الطيران الروسي سيطرتها على خط الكاستيلو، وزعت أولاً مناشير تدعو إلى إخلاء شمالي حلب ثم أعقبته عبر مسمّى( الممرات الآمنة) بحض المدنيين من سكان حلب على( الخروج الآمن)، ثم أتبعت ذلك بجعل المسلحين الذين يلقون السلاح أو يسلمون أسلحتهم لقوات النظام مشمولين بالخروج الآمن، و أعقبوا ذلك بتمثيلية هزلية صوروا فيها بعض المسلحين الذين استسلموا للنظام، و أحدهم و هو يحي الرئيس القائد على إنجازاته البطولية.
و عندها فهم القاصي و الداني، من الأعداء و الأصدقاء أن مدينة حلب تتعرض لمؤامرة كبرى تهدد بنيتها الديمغرافية و أن المطلوب خروج سكان حلب من مدينتهم التي أصبحت من نصيب الميلشيات الشيعية المقاتلة في حلب و أكنافها، و أن العنصر السني فيها أصبح أمام خيارين: إما الإبادة داخل حلب و في أطرافها، بجعله يموت جوعا بسبب الحصار المحكم الذي فرض عليه، و بسبب البراميل المتفجرة و القنابل العنقودية التي تستهدفه و إما ان يغادر بلاده موطن آبائه و أجداده، إلى بلدان الجوار، أو مخيمات نزوح غير آمنة.
وقد وضح من ذلك أن النظام و على وفق خطط معدة مسبقا و بتنسيق مع إيران، يتبنى هذا المخطط، و أن العدو الروسي، يضطلع بالدور الأكبر منه، و ذلك لأسباب براغماتية جدا، و بوسائل مكيافيلية لاتفرق بين الأبيض و الأسود في عدوانها على الشعب السوري، و في قتله و تدميره و تخريب بيوته على رأسه بطيرانه المتفوق على المقاتلين الذين حيل بينهم و بين امتلاك القوة الرادعة من قبل الأمريكيين و الأوربيين، الذين ينظرون إلى المسألة السورية من منظور صليبيّ بحت.
و هذا يعني أن الروس و الإيرانيين، و النظام يتبنون مشروع تغيير ديمغرافية سورية بضرب البنى التحتية فيها و بإجبار سكانها على ترك بلادهم إلى بلدان أخرى. ومن أجل تحقيق ذلك المشروع ركزوا على استعمال البراميل المتفجرة، و على قصف الأسواق، و المستشفيات، و دور العبادة، و المدارس، و التجمعات السكانية. كما عملوا على حصار القرى و المدن قصد إماتتهم جوعا أو إخراجهم من بيوتهم. و هذه المسألة حصلت و في كثير من المدن المحاصرة.
وهذا المشروع و هو مشروع صفوي شيعي رافضي أخذ طريقه إلى التحقيق في سورية على أيدي تلك القوى الغاشمة التي تمثّلت بالثلاثي(الروسي الإيراني السوري) و يعد مايفعله الطيران الروسي و الميليشيات الرافضة و قوات النظام في سورية و هو جرائم ضد الإنسانية شاهد على ذلك.
و في موازاة ذلك مشروع آخر لايقل خطراً عن سابقه يتمثل بتجزئة سورية على أساس عرقي و مذهبي و تحويلها إلى دول متناحرة فيمابينها، و هذا المشروع يتبناه التحالف الدولي، الذي تتزعمه الصليبية الدولية، و يلبي الطموحات الصهيونية التي سبق أن تحدث عنها تيودور هرتزل في مؤتمر بازل في سويسرا سنة 1897م و قد كان أشار إلى ضرورة أن تخضع منطقة الشرق الأوسط إلى تقسيمات على أساس عرقي و مذهبي، و أن تشكل فيما بينها كومنولث شرق أوسطي، يكون للدولة اليهودية في فلسطين السيادة فيه. كما أنها جاءت استجابة لوثيقة هنري كامبل التي أسست للمشروع الشرق أوسطي الجديد، الذي عد استجابة- للمطامح الصهيونية التي سعت لمثل ذلك
وعلى أساس منه جاء اتفاق سايكس بيكو سنة 1916 و وعد بلفور سنة 1917، و بعده جاءت سياسة المندوبين الساميين في سورية التي عملت على إحداث البنى الطائفية التي كان لها شأنها فيما بعد، ومن ذلك إحداث قوات المشرق الخاصة التي أسسها الجنرال غورو سنة1924، و التي نصت أن تكون عمدتها من العلويين و ألا تزيد نسبة السنة فيها على 30%. و الذي حدث بعد أن هذه القوات سنة 1946 تحولت إلى الجيش العربي السوري جيش(حماة الديار عليكم سلام)، الأمر الذي أدخل سورية في مشكلة لا حل لها و قد فقدت أمنها الوطني بسبب حمّى الانقلابات التي لازمتها و التي توجت بانقلاب1963م، الذي تبنى زعماؤه و منهم حافظ أسد مشروع الدولة الطائفية في سورية العربية المسلمة التي تبلغ نسبة المسلمين فيها 95% و نسبة المسلمين السنةمنهم 79% و هذا و هو بالغ الخطورة هو الذي أدى إلى اندلاع الثورة السورية التي نعيش أحداثها اليوم.
و المشروعان الصفوي الإيراني و الصهيوني الصليبي يشتركان في كثير من الخصائص و الميزات، التي تكاد تكون متطابقة، مع وجود اختلاف كبير يعود لأصل النشأة لكل منهما. و مع ذلك فهما ينفذان مهمات مشتركة، و يعملان معا من أجل هدف عام بالرغم من ذلك الاختلاف.
و أوجه الاختلاف هذه يمكن الحديث عنها بشكل منفصل، من خلال وقفة مفردة لكل منها.
أولاً- أوجه الاتفاق بين المشروعين:
يتفق المشروعان الصفوي الإيراني و الصهيوني الصليبي في مسألتين:
في طبيعة العداء القديم الذي يكنه كل منهما للعرب و المسلمين بعامة.وإن اختلفا في أصل ذلك العداء و في منشئه و فيما هما عليه الآن من سياسة.
فطبيعة العداء تشير إلى أن الجنس الفارسي لم يهدأ يوما واحدا في معاداته للعرب منذ قوّض الفاتحون المسلمون عرش كسرى و إلى اليوم. و لذلك فهم في حكم الموتور، و سياساتهم كلها لاتفسّر إلا من خلال مشاعر الحقد و الكراهية للعرب جمعيا، و على وجه الخصوص للمكون السني الذي يقفون معه على نقيض، و يحاولون جاهدين لصق تهمة الإرهاب به قصد استعداء العالم عليه، و هذا هو الذي يحصل الآن على الساحتين الدولية و الإسلامية.
و كذلك الحال بالنسبة للصهاينة و الصليبين الذين لم يغب عن أذهانهم ماحصل لهم في القرن الهجري الأول، في أثناء الفتح الإسلامي، و كيف خرجوا صاغرين من بلاد الشام، و كيف تعقبهم المسلمون في البر و البحر، و كيف كانت المعارك معهم سجالا منذ سني الفتح الأولى، و حتى معركتي الزلاقة و ملاذ كرد في القرن الخامس الهجري، و التي استمرت إلى مابعد فتح القسطنطينية في القرن التاسع الهجري و إلى عصر الاستعمار حيث عادت الكرة لهم فكانت الحركة الصليبية الصهيونية الحديثة امتدادا لتلك السياسات التي جمعت الصليبين و الصهاينة في خانة واحدة، فجاء وعد بلفور ملبياً لطموحات هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية سنة1897م.
في طبيعة السياسات العدوانية الحديثة التي يرسمها الإيرانيون و الصليبيون ضد المسلمين السنة في كل مكان من العالم سيما في بلاد العرب. فكلاهما الإيرانيون و الصليبيون اليوم يعملون معا ضد المكون السني، في سورية و في العراق، و في بلدان أخرى من العالم العربي و الإسلامي. ففي الوقت الذي تحتشد فيه الشيعة تحت مسمى( الحشد الشعبي أو القوات العراقية) في العراق، تحتشد الميليشيات الشيعية القادمة من لبنان و إيران و باكستان و أفغانستان على الساحة السورية قصد القضاء على المكون السني، و إحداث التغيير الديمغرافي الكامل لصالح الشيعة. و يكون غطاء الحشد الشعبي و القوات العراقية و المليشيات الشيعية الطيران الروسي و الحليف، و ذلك من خلال تعاون لوجستي و تنسيق عسكري لم يحدث له نظير منذ الحرب العالمية الثانية و إلى الآن.
و تأتي المواقف الدولية في الأمم المتحدة و مجلس الأمن، و في الهيئات الدولية بعامة معبرة و دالة على طبيعة مايختزن في داخل تلك الأطراف من مشاعر و من سياسات و من صور العداء المستحكم، ضد المسلمين بعامة و منهم المكون السني الذي يعد مستهدفا في عقر داره و حتى في بلدان النزوح حيث يعد إرهابيا، و أصبحت تهمة الإرهاب جاهزة لتلصق به حتى ولو كان خارجا من دور العبادة.
ويعد اشتراك الروس و الأمريكان و من خلفهم التحالف الدولي في الحرب ضد المقاومة في سورية و العراق الدليل الأكبر على طبيعة ذلك التحالف الشرير، الذي استغل ضعف العرب و المسلمين ليفعل فعلته معهم و بلا أخلاقية لم تعرفها الدنيا منذ ماوراء التاريخ المكتوب و إلى اليوم.
و إطلاق يد إيران في العراق و سورية و بدون رد فعل يذكر من الهيئات الدولية بعامة يعدّ بمثابة البيان رقم واحد عن ذلك التحالف، و عن سياساته الخفية و المعلنة، و هي كثيرة و كثيرة جدا.
ثانيا- أوجه الاختلاف بين المشروعين:
يأتي الاختلاف بين المشروعين الصفوي الفارسي و الصهيوني الصليبي في دائرة المصلحة حسب. و ذلك على وفق رؤيتين:
الرؤية الأولى-تقول: إنه اختلاف مصالح.فالمصالح الإيرانية غير المحدودة و التي تمتد لتشمل سورية و العراق، تصطدم مع المصالح الصهيونية، التي ترى أن حدودها الطبيعية من العراق إلى النيل. و لذلك كثيراً ماتتضارب المصالح الفارسية مع المصالح الصهيونية و الصليبية. ففي الوقت الذي ترى فيه إيران أن من مصلحتها القضاء على البنية الديمغرافية في سورية و العراق، و ذلك تمهيدا لإقامة الدولة الشيعية الممتدة من باكستان إلى البحر الأبيض المتوسط يرى الصهاينة و الصليبيون، أن تمدد إيران و على هذه الطريقة سيكون خطرا على الدول الحليفة، لأنه سيؤدي إلى قيام دولة كبرى فارسية الطابع. و هو مالم يسلم به جدلا، حتى و إن قيل: إن ذلك يضعف المكوّن السنيّ بل و يشلّه تماما.
الرؤية الثانية- تقول: إنه اختلاف على الكعكة. و الاختلاف على الكعكة يدخل في دائرة الأخذ و الرد و فيه مايسمى بتقايض المصالح. فأكثر من مرة صرح المسؤولون الإيرانيون، أنه لولا إيران لما تمكنت أمريكا من احتلال أفغانستان. و نحن نضيف أنه لولا خيانة الشيعة في العراق و تآمرهم مع الإيرانيين ضد العراقيين لما تمكن الأمريكان من احتلال الالعراق، و لظل العراق شوكة في حلق الإيرانيين الذي ذاقوا الويلات في حرب السنوات الثماني التي دارت بينهم و بين العراقيين.
و على أساس منه فإن ذلك الخلاف لم يمنع من الاتفاق و سببه أنه خلاف على المصالح حسب، و هو امر وارد.
و على أساس منه فالمشروعان الصفوي الإيراني و الصليبي الصهيوني و إن اختلفا منشأ فقد اتفقا مسلكا، و قد جمعتهم أحقادهم القديمة، و سياساتهم الحديثة عند خانة واحدة و هذه الخانة إذا عنت شيئا فإنما تعني قتل العرب و هذا ما تهش له الصليبية الحديثة، و تؤمن به الصهيونية، و تعمل من أجله دولة الولي الفقيه التي تبشر بالمهدي المنتظر الذي حال ظهوره سيقتل العرب جمعيا!!
و هذا هو الذي جعلهم يلتقون معا و يتفقون على قتل العرب و ذلك على وفق ثلاث نظريات:
النظرية الأولى- نظرية تفكيك البنى الديمغرافية. و هذه النظرية تعدّ الأكثر خطرا. و هي ذات أسلوبين: الأسلوب الأول يتمثل بقتل السكان و تخريب بيوتهم فوق رؤوسهم، و مايقوم به الطيران الروسي حاليا من تدمير يؤدي إلى قتل المدنيين الذين هم مادة المكون السني سواء أكان ذلك في حلب و أريافها أو في أي مكان كان في سورية و ما أكثر التجمعات البشرية التي تقتل قتلا هادئا و بدم بارد بجعلها تموت جوعا بعد إحكام الحصار عليها، و بعد إدامة قتلها بالبراميل المتفجرة و بالقنابل العنقودية و بالغازات السامة. و الأسلوب الثاني يتمثل بالتهجير القسري، و بفتح أبواب الهجرة أمام السوريين أو الحضّ لها. و تعد المناشير التي ألقاها طيران النظام بعد حصاره حلب و ماقيل عن الخروج الآمن مما يعمل على تفكيك البنى الديمغرافية و على استبدال تلك البنى بالمكونات الشيعية التي ستجعل من سورية العربية المسلمة ذات الأكثرية السنية بلدا أعجميا خالصا يدور في فلك ولاية الفقيه الشيعية التي تصب نار حقدها اليوم على العرب تحديدا و ليس على غيرهم من البشر.
النظرية الثانية- نظرية تفكيك الدول ذات السيادة، و ذلك بتجزئتها إلى دويلات عرقية و مذهبية، وذلك حسب نظرية هرتزل التي دعى إليها مع نهاية القرن التاسع عشر و التي نشهد بعض انجازاتها اليوم بقيام الدول ذات الطابع العرقي. و دعم قوات سورية الديمقراطية لا يخرج عن ذلك. و هذه السياسة سبق أن جربها غورو سنة 1920 في سورية، و يراد لها الآن أن تجرب في سورية و العراق ، و ربما في بلدان عربية أخرى كاليمن و ليبيا و السودان و غيرها من الدول.
النظرية الثالثة-نظرية القضاء على المرافق الحيوية في الدولة ذات السيادة. و المعروف أن البلاد العربية جميعها تعد من دول العالم الثالث و من البلدان النامية، و القضاء على المرافق الحيوية فيها سيعيدها إلى عهد الجمل و الحصان، و هذا هو الذي قاله وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر لطارق عزيز في أثناء محادثاتهما في جنيف بعد اجتياح الكويت في مطلع التسعينيّات من القرن الماضي.
و هذه النظريات الثلاث هي التي تُتبنى من قبل أنصار المشروعين ، و هي التي تنفذ اليوم على الأرض السورية وقد هيأت لها المناخات المناسبة، بعد شرذمة الثوار و بعد حرف اتجاهات كثير منهم. أما الذي يقولونه فسلسلة من أكاذيب لا ولن تنتهي. حتى تستتم المؤامرة و ينتهي المشروع.
أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى
رئيس وحدة الدراسات السورية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 682