قراءةٌ في المشهد السوريّ في ضوء معركة تحرير جرابلس
بإعلان سيطرتها على مدينة جرابلس، مساء الإربعاء: 24/ 8، بعد عشر ساعات على بدء معركة، أطلقت عليها فصائل الثوار عليها اسم (درع الفرات)، هدفت منها طرد داعش من تلك المنطقة، بمساندة من القوات التركية و مباركة من التحالف الدولي، تكون الأمور قد أخذت منحنى جديدًا، يحمل المراقبين للمشهد السوري على قراءة الآتي:
1ـ يبدو أن العزم قد انعقد لدى إدارة أوباما على التخلّص من ورقة داعش، و جعلها ورقة انتخابية رابحة للديمقراطيين في مواجهة الجمهوريين، الذين باتوا يتهمونهم بصناعتها، هذا فضلاً على جعلها من الانجازات التي لربما تؤهل أوباما لنيل جائزة نوبل، بدعوى تخليص العالم من آفة الإرهاب.
2ـ انكشاف الأدوار الوظيفية التي كانت تقوم بها داعش؛ خدمة لمشاريع الدول صاحبة النفوذ في الملفين: السوريّ، و العراقي، حيث ثبت ذلك في كلّ المواجهات التي حصلت مؤخرًا فيهما، فلا أشلاء أو أسرى أو غنائم منها يتمّ تسويقها للمتابعين، تشي بوقوع معارك حقيقية معها، فالأمر لا يعدو عن تبخّر لها في أوقات قياسية، ما يُذكِّر بفصول المسرحية التي جعلتها سيدة الموقف في هذه المناطق فيما مضى.
3ـ انكشاف عوار جماعة صالح مسلم، فقد بانتْ خبيئتُهم من خلال الدور الذي كان يؤدونه بالتماهي التامّ مع النظام و حلفائه؛ فعلَتْ نبرةُ احتجاجهم من التدخّل التركي في جرابلس متزامنة مع نبرة النظام، لكأنّهما صدرتا من الجهة نفسها، في الوقت الذي صمتوا فيه عن تدخلات الروس و الإيرانيين و الميليشيات الشيعية العابرة للحدود.
4ـ ضحالة المستوى القيميّ لدى تلك العناصر التي دخلت إلى منبج و قرى ريف حلب الشمالي، قياسًا بالعناصر التي دخلت إلى جرابلس؛ فلا نهبَ للبيوت، و لا تجريفَ للمزارع، و لا طردَ للسكان، و لا حرق للسجلات المدنية تمهيدًا للتغيير الديمغرافي، بلْ نوم في الأزقة و الطرقات بعد انتهاء ساعات المعركة؛ تحاشيًا لانتهاك حرمات البيوت التي تركها أهلها في عهدة القوات المهاجمة.
5ـ سعي القوات المهاجمة على التقليل ما أمكن من إلحاق الدمار بالبنى التحتية و البيوت فيها، قياسًا بالدمار الهائل الذي أقدمت عليه تلك التي هاجمت منبج؛ ما يعزز القناعة بأنّ خير من يقاتل عن الأرض، و يحررها هم أهلها و أصحابها الحقيقيون، و ليس الدخلاء و المرتزقة الذين باتت تعلن عن مقتلهم في سورية مواقع الاتحاد الديمقراطي.
6ـ انسجام توجهات صُنّاع القرار في تركيا بعد فشل الانقلاب الأخير في: 15/7، فلم يعد هناك تعارض بين التوجهات السياسية و الأخرى العسكرية بخصوص الملف السوري، و لم يعد هناك خطوط حمراء في التعامل مع داعش من الممسكين بالملف من جانبه العسكري، الذين انكشفت علاقتهم بالانقلابيين، و كانوا يسعون لتوريط حكومة أروغان في العلاقة مع داعش من خلال غض الطرف عن تحركاته من و إلى سورية عبر الحدود التركية، لدرجة أنهم كانوا كثيرًا ما يجبرون فصائل الثوار على فصل الاشتباك معهم، متذرعين بالتوجيهات من القيادة في أنقرة.
7ـ إن الاستدرة الأمريكية نحو الاتحاد الديمقراطي رهنُ ظرفها، حيث أتت بعد إفشال مشروعها في التعامل مع فصائل ذات أبعاد محليّة في سورية، و إنها لعلى قناعة تامّة بإبقاء اليد ممدودة إليهم دون غيرهم، لضمان نجاح هذا المشروع؛ فهي لا تثق بثق بصالح مسلم لاعتبارات عدّة، يتصدّرها مشروعه الشوفيني المتعارض مع مصالح دول المنطقة و تحديدًا تركيا، و علاقته مع الأسد و حليفيه ( روسيا و إيران )، و هو الأمر الذي يجعله في ازدواجية لا ترتاح لها أمريكا.
و قد كان من أولى مؤشرات هذه الاستدارة الإيعاز لها العودة إلى شرق الفرات، متناسية تضحياتها في منبج على الرغم من فداحتها، و السماح لقذائف المدفعية و الطيران التركي أن يطالها لإجبارها على سرعة الاستجابة، و هو ما كان منها، إذْ أصدرت إلى عناصرها بسرعة الاستجابة قبل حلول يوم الأحد القادم: 28/ 8، الموعد النهائي الذي حددته لها القيادة التركية، و حتى أنها مُنِعتْ من الزحف نحو المناطق التي انسحبت منها داعش كتل العمارنة و قرية جامل، و لم يسمح لها في التفكير بالتقدم نحو معقلها الأهمّ في غرب الفرات ( مدينة الباب ).
8ـ إنّ التوقيت الذي صاحب هذه العملية، حيث نائب الرئيس الأمريكي في أنقرة ( و هو الرجل الأقوى في الإدارة الأمريكية الحالية )، التي أتاها ليعيد بوصلة العلاقات مع تركيا، عقب التوتر الذي شابها في أثناء المحاولة الانقلابية، التي أشير إلى تواطؤ أمريكي و أوروبي و إقليمي فيها، و ما صدر عنه من جملة المواقف التي تؤيد التوجهات التركية في التعامل مع الملف السوري، و مع رمزية ذكرى معركة مرج دابق ( زمانًا، و مكانًا )، و بعد إعادة رسم الخارطة في حلب لصالح الفصائل المدعومة تركيًا و خليجيًا؛ و بعد تسليك العلاقات التركية الروسية، و كذا الإيرانية؛ الأمرُ الذي يشي بأنّ ثمَّة سياسة جديدة باتت تنتهجها حكومة أردوغان نحو الملف السوري، ستحمل في طياتها مؤشرات إيجابية خلال الشهور الستة المقبلة، على حدّ تصريح رئيس وزرائه بن علي يلدرم.
وسوم: العدد 683