ماذا نريد من الشباب؟

أخي الحبيب:

إنه سؤال متواضع، لكنه كبير وجليل وخطير بآن واحد..إنه سؤال يحتاج إلى إجابة ليست عابرة، إجابة تدرك الواقع بحقائقه ومشخصاته وتدرك المسؤولية بأبعادها الكبرى، وتستشرف المستقبل الواعد لهذه الأمة التي بدأت مسيرتها الحضارية بالشباب.

إن الأمة التي بوأها الله الشهادة على الخلق، وجعلها الرائدة للبشرية لا بد لها أن تتعامل مع رسالتها بجدية تتناسب مع عظمة تلك الرسالة.

وإن دعوة إسلامية عالمية تضع من أهدافها استئناف الحياة الإسلامية الراشدة وإعادة صياغة المجتمع وفق الصبغة الربانية والمنهج الرباني الهادي لا يسعها إلا أن تضع على رأس اهتماماتها وأولوياتها إعداد الشباب ليأخذ دوره في الإصلاح والإعمار والبناء.

ولئن كان هذا الواجب عاماً يشمل الأمة الإسلامية وشبابها فإن أبناء النخبة والصفوة من الأمة بحاجة إلى عناية خاصة تتناسب مع أقدار الآباء الذين يحملون الراية ويتزعمون المسيرة، ويضعون أنفسهم موضع الريادة والقيادة لجماهير الأمة الإسلامية، نعم الغرم بالغنم.و...

على قدر أهل العزم تأتي العزائم        وتأتي على قدر الكرام المكارم

وإذا كـانـت الـنـفــوس كــبــاراً             تعبـت فـي مـرادهـا الأجسـام

أخي الحبيب:

ندعو انفسنا وندعوك لخلوة مع النفس، وتأملات جادة وصادقة يرى الله فيها صدقنا وعزيمة قلوبنا على الإصلاح والتغيير فإن من سنته سبحانه وتعالى أنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال.

أخي الحبيب:

إن سائر الكائنات لا تنمو إلا بالرعاية والعناية والسقي والتغذية وإبعاد الآفات الضارة، ومعالجة الأمراض الطارئة، والسهر والدأب المستمر حتى تنبت البذرة ويقوى الساق ويورق الغصن ويظهر الثمر ويحين القطاف، أفيعقل أن يكون الإنسان نشازاً بين تلك الكائنات؟

تلك هي سنة الحياة والأحياء، فكيف إذا كان التعامل مع قمة الأحياء وسيد الكون وأستاذه، ذلك الإنسان الذي يزعم أنه جرم صغير وفيه انطوى العالم الأكبر؟!!!

أخي الحبيب:

إننا بعد عقود من التيه والضياع آن لنا أن نفيق وآن لنا أن ننفض النوم عن عيوننا والغفلة عن قلوبنا وأن نهب لتونا فنتدارك ما فات قبل أن يتجاوزنا القطار فنكون من المخلفين.

آن لنا أن نتقدم لئلا نكتب في عداد المتأخرين.

تأخرت أستبقى الحياة فلم أجد            لنفسـي حيـاة مثـل أن أتقـدمــا

تعالوا أحبابنا لنحيي في جيلنا الأمل بالعمل، تعالوا لنحدث النقلة من الفكرة إلى الخطوة، تعالوا إلى كلمة سواء، إلى تحقيق ما لا خلاف عليه، وإلى أن نتعاون على ما نتفق عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف فيه، أولسنا أول من دعا الناس لذلك؟ فكيف ننسى؟! إنه مما لا يختلف عليه اثنان ضرورة رعاية الأبناء وتربيتهم وتوجيههم وإعدادهم لحمل الرسالة الإسلامية العالمية، هل يشك في أولوية ذلك أحد؟

أخواننا الاحبة:

إن الجيل الجديد الذي هو أمانة في أعناقنا يعيش عصراً يختلف عن عصرنا، وأمامه تحديدات أخطر مما واجهنا يوماً ما..وأمامه فرص للنجاح لم تكن مهيأة لنا من قبل، ولئن حّملنا آباؤنا واساتذتنا وشيوخنا الأفاضل الراية والمسؤولية، فلا بد أن نحملها لأبنائنا من بعدنا، حتى تتواصل المسيرة ويستمر الركب يحدوه الشباب.

إنه لا بد أن نعيش عصرنا، ولا بد أن نسابق الزمن، ولا بد أن نقدم أبناءنا للتحدي الكبير، العولمة، الأنترنت، والفضائيات، والثورة المعلوماتية والإعلامية والتقنية....و...و...و.

ولا بد قبل ذلك أن نسعى مستعينين بالله تعالى وحده ضارعين إليه وداعين أن يحفظ هؤلاء الأبناء وأن يسلمهم وأن يسدد خطاهم حتى يكونوا ربانيين بحق سيرة وسلوكاً لا زعماً وادعاءً.

ولن يحصل شيء من ذلك دون ثمن وتضحيات وصبر ومصابرة وكل جهد يبذل في هذا الميدان مهما كبر فهو أقل مما ينبغي أن يكون فأين نحن يا إخواننا الاحبة؟ وكم قطعنا من الطريق؟ وكم تبقى من المشوار؟ أم أننا نفكر في اتجاه آخر وكأن هذا الحديث لا يعنينا بشيء؟

أخواننا الاحبة: لئن فاتنا خير كثير فقد بقي خير كثير، وأمة الإسلام كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره.

فلنشمر عن ساعد الجد ولنصدق الله في الطلب، فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم  يقول: إن تصدق الله يصدقك. وفي النفس حاجات وفيك فطانة.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وسوم: العدد 684