الموقف الشرعي من النظام القاتل وأعوانه على ضوء واقع الثورة السورية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه اجمعين وبعد .
من خلال مجريات الأحداث في بلدنا العزيزسوريا نرى بشائر نصر عظيم قريب - بعون الله – لأهلنا في سوريا على من أفسدوا في الأرض وأجرموا على مدار عشرات السنين ، وبناءً عليه يتساءل بعض الفضلاء عن موقف الشعب من النظام المجرم وأوليائه وزبانيته وشبيحته الذين أذاقوا الشعب الويلات الجسام وأعانوا النظام المجرم في كل مواقفه وإجرامه، وكانوا أداته المباشرة في هذا الظلم والإجرام والإفساد الخطير.
- ما هو الموقف من تلكم الفئات – بقطع النظر عن أي دين أو مذهب ينتمون إليه.
- ما هو الموقف من ضباط الجيش وجنوده ومن قادة وضباط الاجهزة الامنية الذين تلطخت أيديهم بدماء الشعب وعاثوا في الأرض فساداً وإجراماً.
تصدر هذه التساؤلات المشروعة في وقت نشهد فيه امتداد الجرح النازف الدامي لشعبنا على الأرض السورية المباركة ، فلا يكاد يخلو بيت فيها إلا وفيه من الشهداء اوالجرحىاوالمعتقليناوالمعاقيناوالثكالى والأيتام والأرامل مما لايخفى على احد فضلاً عن ملايين المهجرين .
- ما هو الموقف الشرعي الذي يجيب على هذه التساؤلات إذا قدَّر الله ومكَّن الشعب من رقاب هؤلاء المجرمين وذلك اليوم قادم باذن الله وعسى ان يكون قريباان شاء الله .
إنه لموقف في غاية الدقة لما يحيط به من صور الدماء والأشلاء والقتلى والجرحى وتختلط فيه مشاعر الألم والانتقام والثأر، مع مشاعر العزة والكرامة والحرية والأمل.
فهل يستطيع الإنسان أن يتجاوز عن مشاعره الخاصة والعامة، أو هل يستطيع أن يتغاضى عن آلامه وآلام أمته، والصور الدامية المأساوية أمامه؟ أو يتناسى الحقوقالمسلوبة التي ما زلنا نعيشها وآثارها، وسنبقى نعيشها طويلاً؟؟؟ والجواب مسبقا نعم لان الشعب السوريكريم بطبعه واخلاقه حضاري لا يعمل بردا ت الافعال.وهو حريص على ا يقاف نزيف الدم وهلاك الحرث والنسل . ولكن هذا الشعب العظيم الذي تربى على قيم الاسلام واخلاقهحريص على معرفة حكم الشرع ليلتزم به ويقف عنده ولايتعداه بغض النظر عن العواطف والمشاعر النفسية الخاصة .
الموقف الشرعي :
بعد النظر في الواقع المر الذي تمر به سوريا، وما وقع فيها من إجرام يمكن إجمال القولحيال ذلك بما يلي:
1- محاسبة كل من ثبت عليه القيام بجريمة في هذه الأحداث من قبل محكمة عادلة تتوفر فيها جميع اسباب الدفاع ويشهد لنزاهتها الاعداء قبل الاصدقاء .
2- لا يجوز إصدار أحكام عامة بحق أفراد أو فئات من مكونات الشعب السوري انطلاقاً من قوله تعالى : ( ولا تكسب كل نفس إلآ عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) ( الأنعام -164)
ومن قوله تعالى : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )
ومن قوله تعالى : ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين ) ( البقرة - 194)
3- من شارك في القتال ضد شعبنا في سوريا ثم عدل وألقى السلاح واستسلم للمجاهدين قبل أن يقدروا عليه فله الأمان؛ لقوله تعالى : ( فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً ) ( النساء - 90)
ولقوله تعالى : ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفورٌ رحيمٌ ) ( المائدة – 34 )
4- لا تسقط الحقوق الخاصة والادعاءات الشخصية بالتقادم بل تحال الى محاكم مدنية عادلة ما دام لها مطالبون مع التشجيع على العفو والتسامح .
5- ومن خلال النظر في الآيات القرآنية والسنة النبوية يتبين لنا أنه ليس في ديننا الإسلامي إبادة جماعية لحزب أجرم بعض أعضائه،أو لفئة أو لطائفة اجرم بعض ابنائها ، أو استئصال لجميع أفرادها، صغاراً أو كباراً، رجالاً أو نساءً، مقاتلينأومسالمين .
- يقول الله تعالى : ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) ( البقرة -190 )
يقول الامام ابن كثير رحمه الله في تفسيره : (( وقوله (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) أي قاتلوا في سبيل الله، ولا تعتدوا في ذلك، ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي كما قاله الحسن البصري من المثلة والغلول وقتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم، والرهبان وأصحاب الصوامع، وتحريق الأشجار وقتل الحيوان لغير مصلحة؛ كما قال ذلك ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومقاتل بن حيان وغيرهم )) ( تفسير ابن كثير جـ 2 صـ 233)
- ومما جاء في السنة النبويه في النهي عن قتل غير المقاتلين والمشاركين في القتال بأي صورة من صور المشاركة :
- ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((وجدت مرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان )) ( صحيح البخاري – رقم الحديث 3014 -3015 . وصحيح مسلم رقم الحديث 1744 )
6- يحاول البعض هنا أن يستشهد بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في بني قريظه يوم غدروا بنقض العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، ويظنون
أن النبي صلى الله عليه وسلم عمم عقوبة الغدر على هؤلاء ، وهذا غير صحيح ، فقد قتل النبي صبى الله عليه وسلم مقاتليهم ، وهذا أيضاً ليس على عمومه ، لأن المقصود هنا من كان من أهل القتال وشارك في الغدر فعلاً ، بدليل أن بعض الروايات ذكرت أنه لم يقتل إلا من كان في الحصن عشية الغدر، فلم يقتل مزارعاً أو تاجراًأو مسافراً أو راعياً من بني قريظة كان خارج الحصن وقت الغدر، وهذا يؤكد أن علة القتل والعقوبة هي المشاركة الفعلية في الغدر،
ويؤكد هذا ما ذكره الإمام الشافعي في كتابه الأم حيث قال : (( وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة ، عقد عليهم صاحبهم ( أي رئيسهم ) الصلح بالمهادنة ( مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فنقض ( أي المهادنة )وغدرولم يفارقوه (أي أصحابه ) فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل مقاتليهم .... وليس كلهم اشترك في المعونة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكن كلهم لزم حصنه فلم يفارق الغادرين منهم إلا نفرٌ، فحقن ذلك دماءهم .... )) ( الأم للشافعي جـ 4 صـ 186)
7- اشتمل المجتمع الإسلامي من أول نشوء دولة الإسلام في المدينة المنورة وما حولها على مكونات عدة؛ حيث اليهود الذين تحالفوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم على المناصرة ، ثم ازداد تعدد وجود المكونات المختلفة بعد توسع الفتوحات الإسلامية من يهود ونصارى وفرس وصابئة ووثنيين وملل أخرى، وتعايشوا مع المسلمين على مرّ السنين جيراناً وتجاراً وصناعاً وأطباءً وكتاباً وفعاليات أخرى، فكان شأنهم شأن المسلمين، لهم حقوق وعليهم واجبات المواطنة التي تسري على جميع مواطني المجتمع الإسلامي، كل منهم يمارس معتقداته وعباداته بحرية، ولا يكرهون على تغيير أي شيء من هذه المعتقدات أو العبادات يقول الله تعالى : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) ( البقرة -256 )
وقد أمرنا سبحانه وتعالى بحسن معاملة من لم يسء للإسلام أو المسلمين منهم وأن نبرهم ونقسط إليهم، قال الله تعالى ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) ( الممتحنة -8)
ويقول تعالى : ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) فعاشت هذه الأقليات بين المسلمين تتمتع بكامل حريتها وحقوقها لا تمس بظلم ولا ينالها ضيم .
*- وسوريا بلد اسلامي من تلك البلاد التي فيها اصناف من الملل والمذاهب والطوائف والاعراق
وحين قام الشعب السوري يطالب بحريته وكرامته وحقوقه الإنسانية المشروعة بصورة سلمية ، قام النظام المجرم القاتل بمقابلة ذلك باستعمال السلاح والقتل والاعتقال والتشريد، وعندها شاركتبعض هذه المكونات مع النظام في اجرامه بحق الشعب ظنا منها انه الحامي لها والمدافع عن حقوقها وغاب عنها ان هذا النظام المجرم على النقيض من ظنها فيه وتاريخه مع الاكراد والدروز وغيرهم شاهد على ذلك .
*- وهنا يعاد ويكرر التساؤل : هل يتحمل جميع أفراد المكونات التي ينتمي إليها من أجرم من أبنائها بحق الشعب نتيجة إجرامهم بوقوفهم عوناً للنظام في إجرامه وتنفيذ مخططاته الإجرامية؟ ، نقول: ليس هذا من
الإنصافولا العدل ولا من الإسلام في شيء ، حيث الأصل أن لا يؤخذ الإنسان إلا بجريرة عمله الذي قام به ، ولا تتعدى عقوبته الى غيره ممن لم يبدر منه ما يسيء إلى غيره، يقول الله تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) .
***- وبناءً على كل ما سبق ، فإنه يجب أن يكون شعار المرحلة القادمة هو معاقبة من أجرم بحق الشعب أياً كان انتماؤه لأي مكون من مكونات المجتمع السوري، دون النظر إلى معتقده وديانته،
*- اما شعار الإبادة اوالاستئصال او التشريد الجماعي لأي فئة او طائفة او مكون بذريعة ان فيهم او منهم من ساهم مع النظام في الاجرام فليسشعارنا ولامقبولا في شريعتنا الاسلامية وقيمنا العريقة التي نشأ ت عليها مجتمعاتنا في ظل الاسلام العظيم .
هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة التأصيل الشرعي
29 رجب 1436 هه الموافق8\5 \2015
الإرسال 1 3– 5- 2015
وسوم: العدد 685