عفريت تحت السرير
....وفي سماعك لحديث الشيخ كشك اللاذع في سخرية، الظريف في مرارة، المضحك في سوداوية، تتذكر مباشرة قول الشاعر:
لا تحسبوا ضحكي بينكم طرباً فالطير (يرقص مذبوحاً) من الألم
فقفشاته محملة بالوجع، والابتسامة التي يرسمها على الشفاه ملغومة بالحداد على الأمة وحالها الوجيع! وهذه هي المهارة التي يتقاسمها الظرفاء على اختلاف أحوالهم ومواقعهم.
في مقال له بعنوان (مواقف وقصص للشيخ عبد الحميد كشك) جمع محمد محمود عبد الخالق جملة مواقف تعكس هذا المفهوم بقوة ومنها أنه قال ذات خطبة (بتصرف مني): قال لي أحدهم: أردت أن أحدد نسلي، فظللت حريصاً على إعطاء زوجتي حبوب منع الحمل ليظل الحمل ممنوعاً ثلاث سنوات، وذات ليلة نسيت المرأة أن تتعاطى الحبة، فلما جاءها المخاض ووضعت، سألت الحكيمة: هاتسموا الواد إيه؟ قلت: سموه فلاناً، وبعد خمس دقائق قالت: هاتسموا الثاني إيه؟ وبعد خمس دقائق أخرى قالت: هاتسموا الثالث إيه؟ قلت:
سبحان الله، منعت الحمل ثلاث سنوات، فلخصها الله في ربع الساعة، وولدت ثلاثة!
من الذي يملك الأمر كله؟ من الذي بيده الأمر كله؟ سلم له الأمر، إن تحديد النسل لن يحل المشاكل، إنما المعاصي، الخمور، الربا، الزنا، القمار، الظلم، الغيبة، النميمة، قطع الرحم، الزنا يورث الفقر، وبشر الزاني بخراب بيته ولو بعد حين/ المعاصي:
إذا كنت في نعمةٍ فراعها فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإله فإن الإله سريع النقم
وفي قفشة ثانية يرسم لنا صورة ساخرة وموجعة: زوج يطرق الباب، فتفتح له زوجته مرتبكة، ثم ترجوه: روح هات لنا عيش، ويعجب الزوج لماذا تصمم على نزوله قبل أن يدخل بيته، وإذا بطفله الصغير ينادي: يا أبتاه، في عفريت تحت السرير، عفريت من الإنس أم عفريت من الجن يا بني؟
ويدخل الزوج ليرى العفريت: ما نوعه؟ ما جنسه؟
يرى ذئباً آدمياً ينام تحت السرير كما ولدته أمه، من أين جاء؟
من أين جاء ذلك الذي يرابط تحت سرير زوج وزوجة؟
ولماذا تريد الزوجة من زوجها أن يشتري لها العيش، وقد خانت العيش كله، وخانت الملح، وخانت المعاشرة كلها؟ أتدرون من ذلك الخائن يا سادة؟
إنه جاره، والحبيب محمد يقول "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" هذا حق الجار على جاره في مجتمع التطور والعصرية!
ويقول: رزق مواطن مصري مولوداً فأبى أن يسميه محمداً أو عبد الله! سماه كارتر! كارتر! مواطن مسلم، مسلم، والمولود الثاني سوف يسميه فورد، والثالث نيكسون، والرابع جونسون، والخامس كيندي، والسادس إيزنهاور، إلخ...
هل سمعتم في أمريكا أمريكياً رزق بمولود فسماه محمداً؟
لماذا النفاق؟ لماذا هذا الأسلوب الرخيص يا أبا كارتر؟
أتنتظر من السفارة الأمريكية أن تمنحك عشرة جنيهات؟
اجعل بربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
ويقول: لما رخصت لحوم النساء في الحرام ارتفعت أسعار اللحوم عند الجزار، لما وقفنا طوابير على شبابيك تذاكر الأفلام، وقفنا طوابير على أبواب الجمعيات من أجل كيلو من اللحم، يعلم الله وحده من أي الذبائح هو؟
لما حقد بعضنا على بعض، ارتفعت الأسعار..
لما استبدلنا بالحلال الحرام، وعزف الشباب عن الزواج، اشتدت أزمة المساكن،
لما اختلطت لحوم الرجال بالنساء في المواصلات، رفعت من البيوت البركات
لأن الله تعالى هيأ للمرأة عملاً واحداً إذا عملت سواه خُربت البيوت وأطفئت مصابيحها، إن هذا العمل الذي وكل الله به المرأة هو بيتها، فلما خرجت النساء من البيوت، كانت في البيوت مصابيح أُطفئت أنوارها، وأصبح الأطفال وديعة في أيدي الحاضنات، والحاضنة لا تراعي الله ولا تعرف رسول الله.
وعن أحد التحقيقات الصحفية المنشورة يقول: تحقيق صحفي مع من؟
* مع عالم من علماء الذرة؟
* مع طبيب اكتشف لشلل الأطفال علاجاً؟
* مع مهندس اخترع محركات طائرة؟
تحقيق صحفي مع طفلة لا يزيد سنها على السنوات العشر! ماذا فعلت؟ ماذا أنتجت؟ إنها متخصصة في النشل، تعمل نشالة في خط المطرية، قالت بلسان المقال:
إن دخلي في اليوم الواحد، يبلغ كذا وكذا، وهذه الطفلة متخصصة في نشل ركاب القطار، وفي الطوابير المزدحمة على الجمعيات الاستهلاكية، هذا تخصصها، تخرجت في مدرسة جبل الجيوشي، وحصلت على أعلى الدبلومات في شق الجيوب، أناملها سحرية، حصيلتها في اليوم كذا....
سألها الصحفي: ألم تندمي مرة واحدة على ضحية من ضحاياك؟
قالت: ندمت مرة واحدة بعد سرقة لسيدة لم أجد فيه إلا خمسة عشر قرشاً، وروشتة لم تصرف دواءها!
شعب بائس، لسنا في حاجة إلى أفلام، ولسنا في حاجة إلى أقلام مسمومة، لسنا في حاجة إلى هذا الهزل المستمر ليلاً ونهاراً!
وعن هوس الكرة يقول: التقيت بأحد رجال بورسعيد يوم الاثنين الماضي، فرأيته حزيناً، قلت: سبحان الله، زعلان ليه؟! أتدرون لماذا يحزن؟ لأن الأهلي أحرز هدفاً في المصري!
فأردت أنا الآخر أن أدخل معه في نقاش، حتى أثبت أنني لست رجعياً، قلت له: ماذا فعل زيزو؟ وماذا كان موقف الخطيب؟ وما رأيك الشخصي في سيد عبد الرازق؟ وماذا تقول في حسن شحاتة؟ فقال :يا سي الشيخ: عندك معلومات تمام، فقلت أبداً:
ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً تجاهلت حتى قيل إني جاهل
فوا عجبا كم يدعي الفضلَ ناقصٌ ووأسفا كم يظهر النقص فاضل
ولا ينسى أن يلسع شيخ الأزهر: أقول بأعلى صوتي، إذا أردتم حماية الأموال: فأغلقوا الخمارات، أغلقوا شارع الهرم، أغلقوا صحارى سيتي، أغلقوا صالات القمار، مُروا النساء أن يخرجن محتشمات..
إن شيخ الأزهر لم يستطيع حتى الآن أن يطهر ميدان مسجد الإمام الحسين مما يرى حوله، أمر بذلك فلم يسمع لأمره كلام، وأقسم بالله لو كنت مكانه للزمت بيتي، حفاظاً على كرامة الإسلام، ميدان الإمام الحسين ترتكب فيه الجرائم باسم الدين!
ويسخر من حلول دعاة تحديد النسل فيقول: عجبت لبعض عباقرة مصر وهو يقترح لحل أزمة الغلاء: من لم يحدد نسله فاجعلوا للولدين الأولين نصيباً في التموين، أما الولد الثالث فلا نصيب له في السكر والشاي، وإذا تعلم يجب ألا يتعلم مجاناً/ امنعوه الشاي والسكر، وامنعوه وامنعوه، حتى كاد يقول: امنعوه من رحمة الله، أهذا كلام؟
والحديث عنه يطول فحسبنا هذه النتف من سيرته، رحمه الله وجمعنا به في الجنة... آمين.
وسوم: العدد 686