هل انتهى عهد التنظيمات في العمل الإسلامي؟
كان تعثر ثورات الربيع العربي التي تصدرت الحركات الإسلامية فيها المشهد، ضربة قوية لتنظيماتها وهياكلها، الأمر الذي ألجأ تلك الحركات - وبصفة خاصة جماعة الإخوان - إلى البحث عن مخرج لأزماتها، للعودة مرة أخرى إلى المشهد السياسي.
الحركة في تونس والمتمثلة في حزب النهضة بزعامة الغنوشي، بعدما اتجهت إلى عقد شراكة سياسية مع نداء تونس، حسمت أمرها مؤخرا، وأعلنت فصل الدعوي عن السياسي.
الأمر ذاته تدرسه قيادات الإخوان في مصر، إلا أن اختلاف الأوضاع لدى الإخوان في البلدين يلقي بظلاله على مدى إمكانية إعادة التجربة التونسية في مصر.
جاءت الثورات المضادة كفرصة كبيرة لأعداء الحركة الإسلامية لضرب العمل التنظيمي، وتجييش شرائح من المجتمعات العربية ضد الحركة الإسلامية كظهير شعبي للأنظمة المستبدة.
فالنهضة التونسي اتخذ القرار في ظل وضع قوي نسبيا، حيث يشارك في الحياة السياسية وله حضور بارز على المسرح السياسي، أما الإخوان في مصر فهم في ظل الانقلاب يعيشون أوضاعا صعبة بعد إقصائهم من العمل السياسي والدعوي والخدمي في الحياة بمصر، ومن ثم كان قرار فصل الدعوي عن السياسي يشوبه القلق.
ومن ناحية أخرى كيف ستنجح الجماعة حال اتخاذ القرار في الموازنة بين الحفاظ على هويتها وبين اعتبارات الظرف الراهن؟
الحركات الإسلامية وخاصة الإخوان، منذ نشأتها وهي كيانات شمولية أشبه ما تكون بدولة داخل الدولة، أو إن صح التعبير كانت مثل حكومات الظل، فلها باع في العمل الدعوي والخدمي والاقتصادي والإعلامي والسياسي، وتُجهز كوادرها لإدارة الدولة، بهدف تسلم السلطة عند القدرة عليها.
هذه التنظيمات رغم قوتها إلا أنها لم تكن توازي قوة مؤسسات الدولة، وتعرضت لتهديدات القوى المسيطرة على الواقع داخليا وخارجيا، وبالرغم من المكاسب التي كانت تحققها على الأرض، إلا أنها كانت تتحرك في المساحات التي تتيحها الأنظمة وفق لعبة التوازنات السياسية.
وجاءت الثورات المضادة كفرصة كبيرة لأعداء الحركة الإسلامية لضرب العمل التنظيمي، وتجييش شرائح من المجتمعات العربية ضد الحركة الإسلامية كظهير شعبي للأنظمة المستبدة.
فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سيصلح بقاء الحركات الإسلامية كتنظيمات تمارس العمل الشمولي؟ بمعنى آخر: هل الأفضل للحركة أن تتجه لفصل الدعوي عن السياسي، والسياسي عن الخدمي؟
الذي أراه أن الثورات المضادة التي تروج لفشل الإسلام السياسي، سوف تستأصل مثل هذه التنظيمات، وترغمها على العمل في الخفاء بما لا تستطيع معه الحركة التغيير المناسب في الواقع.
ومن ثم ينبغي أن يكون هناك شكل مختلف للعمل الإسلامي، بعيدا عن ارتباط الأنشطة ببعضها، بحيث تنتشر ثقافة العمل الجماعي في كل مجال من مجالات الحياة على حدة، فتكون هناك أحزاب سياسية لا تخضع لوصاية علماء الحركة ورموزها الدعوية، وتكون هناك جمعيات لا صلة لها بالمسار السياسي، وتكون هناك أنشطة دعوية لا يتم توظيفها في الشأن السياسي، بمعنى فك الارتباط بين كل هذه المجالات.
البعض قد يتوجس من الفكرة ظنا منه أنها تكريس للعلمانية، وإقرار لفصل الدين عن شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.....، لكن الأمر لا يعدو أن يكون عملا تخصصيا، يمكن أن يكون مظلة جيدة يتدفق تحتها الجمهور للعمل في خطوط واتجاهات عامة تحقق المصلحة الوطنية.
ربما يكون الأمر مثمرا إذا نضجت فصائل العمل الإسلامي على نحو أكبر مما هي عليه، ونظر كل فصيل إلى غيره نظرة تكاملية لا تنافسية.
ليست الحركة الإسلامية مُطالبة بالعمل الشمولي، وليست مطالبة بأن تكون حكومة ظل أو دولة داخل الدولة، إنما هي مطالبة بالإصلاح في شتى التخصصات، وهذا لا يلزم إدراج أعضائها وأنشطتها في عمل تنظيمي شمولي.
ومن ناحية أخرى فإن أبناء الحركة الذين سيتجهون مثلا للعمل السياسي بمعزل عن الدعوي، سيدخلون بنفس القيم التي تربوا عليها.
ربما يكون الأمر مثمرا إذا نضجت فصائل العمل الإسلامي على نحو أكبر مما هي عليه، ونظر كل فصيل إلى غيره نظرة تكاملية لا تنافسية، ما دامت المحركات والدوافع وثوابت المنهج واحدة.
ربما نكون أكثر احتياجا اليوم لنشر ثقافة العمل الجماعي (لا أعني به التنظيمات)، عبر رؤوس من الدعاة والسياسيين والاقتصاديين وغيرهم، يحملون المظلة الفكرية والمنهجية، ويتحركون وسط مؤيدين دون الارتباط بقيادات عامة.
قد يتفق معي أناس، ويختلف آخرون حول هذا الطرح من قِبَل كاتبة غير أكاديمية وليست متخصصة في شؤون الحركات الإسلامية، لكنها وجهة نظري في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من جهود حركات قدمت الكثير رغم أخطائها.
وسوم: العدد 686