كلمات في التقويم والنقد الذاتي

لقد تربينا في صغرنا ـ وجزى الله خيراً جميع شيوخنا وأساتذتنا ـ على أن نذكر الحسنات والإيجابيات لأهلها ونغض الطرف عن السيئات والسلبيات ستراً لأهلها. وعلى ما في هذا الأسلوب من أدب وصفاء راق جداً إلا أنني بدأت أشعر بعد تجارب الحياة وتقلباتها وبعد تأمل المنهج الإسلامي في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن الصواب في غير المنهج الذي تعودناه من قبل.

وأنه لابد من رسم صور الحياة كاملة بما لها وما عليها ليحيى من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.

فها هو القرآن الكريم يرسم لنا صورة المجتمع الذي رباه الرسول صلى الله عليه وسلم على عينيه وهو المجتمع الأنقى والأصفى والأطهر والأكمل ومع ذلك فقد كانت له هنات وتراجعات وسقطات وقد خلدها القرآن الكريم للحقيقة وللتاريخ وللتربية وللعبرة ولبيان أن طبيعة البشر هكذا يحلقون ويهبطون ويرتفعون وينزلون وهم في جميع ذلك غير معصومين وليسول ملائكة أطهاراً.

- ولنتأمل مثل هذه الآيات الكريمات.

عبس وتولى... عفا الله عنك لم أذنت لهم... والله أحق أن تخشاه.. إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا.. قل هو من عند أنفسكم... إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم... وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً.. الآيات

إنها لفتات قرآنية تربوية وأمثالها كثير لمن تأمل . وهي شواهد على ما أقول.

ـ والقضية مرتبطة ـ والله أعلم ـ بالنية والطوية وصحة القصد أو فساده، فمن ذكر مواضع الخلل والسلبيات تشفياً وتجريحاً وانتصاراً للنفس والهوى فهو ونيته وله جزاؤه على عمله في الدنيا والآخرة.

ومن ذكر ذلك لبيان المنهج التربوي الذي يجب أن تتربى عليه الأمة الإسلامية ولبيان سبب الخلل وآثاره اعتباراً واتعاظاً لصاحبه ولغيره فهو بحسب قصده ونيته أيضاً وله جزاؤه في الدنيا والآخرة.

-                وعلى هذا المعنى وجد علم الجرح والتعديل، وعلم الرجال وأحوالهم، ذلك العلم الشامخ والميزان الذهبي الذي وزنت به رجالات الأمة وعلماؤها ومحدثوها وفقهاؤها وقياداتها، فعلا أقوام وسقط آخرون، وتوضحت حجة الله فيمن يؤخذ عنه هذا الدين ممن يجب أن يهمل ويكشف للناس زيفه ليحذروه. فليكن هذا المعنى قائماً في نفوس الدعاة عندما يتعاطون النقد والتصويب والتقويم لمسيرتهم أحداثاً ورجالاً. والله أعلم.

وسوم: العدد 689