تركمان سوريا تاريخًا وسكانًا

تعود بداية العلاقة بين العرب والترك إلى فترة الفتوحات الأموية للمنطقة المعروفة باسم ما وراء النهر والتي تمثل اليوم اسيا الوسطى (أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجكستان وقيرغيزستان). فنتيجة تلك الحروب الطويلة التي انتهت بفتح تلك المنطقة ظهر في العالم الاسلامي الرقيق الابيض التركي. ولم يكن لهذا العنصر في العصر الأموي أية اهمية سياسية أو اجتماعية حتى كان العصر العباسي وظهور الصراع العربي الفارسي الذي بلغ ذروته في الصراع بين الأخوين الأمين والمأمون وانتهى بإقصاء العرب وتقديم الفرس عليهم في السياسة والإدارة بعد أن حُسم الصراع لصالح المأمون والفرس الذين دعموه ضد أخيه الأمين وشيعته من العرب سنة 198هـ. فلما كان عصر المعتصم (218-227هـ) أراد أن يتخلص من النزاع الفارسي العربي، فأقصى كلا الطرفين العرب والفرس، واتخذ من الرقيق التركي عصبية له فاخذ شأن الأتراك منذ ذلك التاريخ يزداد حتى سيطروا على الدولة وإدارتها وجيوشها ثم انقلبوا على الخليفة المتوكل بن المعتصم وقتلوه سنة 247هـ وصاروا منذ ذلك التاريخ ينصبون الخلفاء ويعزلونهم حتى كان العام 333هـ عندما استطاع البويهيون الفرس الشيعة إقصاء الترك وحلوا مكانهم في السيطرة على الدولة... وبعد نحو قرن من سيطرة البويهيين الفرس حدثت الهجرة الكبرى للقبائل البدوية التركمانية المعروفة باسم الغز من تركستان باتجاه العراق والشام على شكل اجتياح عسكري للسلاجقة الذين أزالوا النفوذ البويهي والاسماعيلي والشيعي العربي في العراق والشام ابتداء من سنة 447هـ  وحلوا مكانهم. وفي فترة انقسام السلاجقة بعد موت سلطانهم ألب ارسلان نشأت الدولة التركية الزنكية في الشام والتي تولت قتال الصليبيين طوال عصرها (521-569هـ) قبل أن يرثها صلاح الدين الأيوبي وينشئ على تركتها الدولة الأيوبية.

وخلال فترة الاجتياح السلجوقي لبلاد الشام نفذت قبائل من الترك الغز باتجاه آسيا الصغرى (تركيا) بقيادة سليمان بن قتلمش  واستوطنوا تلك المناطق تحت اسم سلاجقة الأناضول الذين توسعوا رويدًا رويدًا واستطاعوا بعد قرون من وجودهم في الأناضول من تأسيس الدولة العثمانية التي ورثت الإمبراطورية البيزنطية ثم دولة المماليك في الشام ومصر وأنشأوا في المنطقة العربية لا سيما الشام ومصر جهازًا إداريًا وعسكريًا يقوم على العنصر السلافي من أبناء البلقان الذين كانوا يؤخذون أطفالًا ويربون تربية عسكرية تركية إسلامية وهم الذين عرفوا باسم الجيش الانكشاري.

يعود التركمان الذين يسكنون الشام اليوم إلى أصلين مختلفين: الأول وهم التركمان الغز (أوغوز) من بقايا السلاجقة الذين حلوا في المنطقة، وغالب تركمان الأرياف يعودون في وجودهم إلى زمن السلاجقة ولا سيما تركمان اللاذقية الذين يقطنون جبل الأكراد وجبل التركمان الذين كانوا في وجودهم الأول عبارة عن حاميات عسكرية من التركمان أسكنهم الأيوبيون والمماليك تلك المناطق لحمايتها من الإسماعيليين والنصيريين. وخلال العصر العثماني قامت الدولة العثمانية بتوطين مزيد من الأتراك في ريف حمص لحماية تلك المناطق من غارات البدو

والقسم الثاني من تركمان الشام هم من بقايا الجيش الإنكشاري العثماني، فبعد أن فكك السلطان محمود الثاني في نهاية القرن الثامن عشر الجيش الإنكشاري تحولت حامياته وأفراده في المنطقة إلى عناصر مدنية استوطنت المناطق التي كانت ترابط فيها وغالب هؤلاء يعودون في أصولهم البعيدة إلى العرق السلافي وإن كانوا ينسبون للعرق الاصفر الذي ينحدر منه الترك، وغالب تركمان المدن يعودون إلى الفترة العثمانية ومن هؤلاء انحدرت الطبقة السياسية السنية التي كان لها دور في حكم سوريا في فترة ما قبل البعث ومنهم عائلات الأتاسي والشيشكلي والكيخيا ومردم بك .... الذين مثلوا مرحلة حكم الأقليات العرقية تمهيدًا لمرحلة حكم الأقليات الدينية بعد جلاء فرنسا العسكري عن سوريا.

وقد يوجد في الشام من التركمان غير من ذكرنا يعودون في أصولهم إلى قبائل تركمانية حلت في المنطقة عند الاجتياح المغولي والتتري

أدت حالة المد القومي العربي في فترة الوحدة مع مصر وفي زمن البعث إلى ممارسات عنصرية ضد التركمان حظرت عليهم استخدام اللغة التركية وفرضت عليهم التعريب ومع ذلك حافظوا على لغتهم وتقاليدهم ضمن مجتمعاتهم، وخلال أحداث الثورة السورية تعرضت مناطق التركمان في حمص واللاذقية وحلب إلى ما تعرضت له سائر مناطق العرب من تدمير وتهجير فنزح الكثير منهم باتجاه تركيا.

يتواجد التركمان في كل أنحاء سوريا إما على شكل تجمعات تركمانية خالصة، أو على شكل اقليات ضمن الوسط العربي وأهم تجمعاتهم في حلب (مجموعة قرى شمال حلب) ودمشق (حي ساروجة) واللاذقية (جبل التركمان) وحمص (سهل الحولة) وفي الجولان. والغالبية العظمى منهم تدين بالإسلام (السنة).

لا توجد تقديرات واضحة لعدد التركمان في سوريا. وتختلف التقديرات بين مصدر وآخر، ففي حين اعتبر بعض الكتَّاب التركمان السوريين أن أعدادهم بين 750 الفا-1.5 مليون. أعلن المجلس الوطني التركماني أن عدد التركمان في سوريا 3.5 مليون. وهي تقديرات مبالغ فيها ولا تستند إلى أي دراسة ميدانية أو موثقة، وأفضل التقديرات الموثقة هي التي نشرتها وزارة الخارجية الامريكية عام 2009، إذ اعتبرت كلًا من التركمان والشركس يشكلون ما نسبته 1% من تعداد السكان العام المقدر وقتها 21 مليون، وهو ما يساوي حوالي 200 ألف نسمة.

وسوم: العدد 691