توشك المقولة العامية " الرابح في الشرع خاسر " أن تنطبق على بنكيران

المقولة العامية المتداولة في الأوساط الشعبية " الرابح في الشرع خاسر " تقال لمن يلجأ إلى القضاء ، فيحكم هذا الأخير لصالحه دون أن ترجى من ذلك فائدة أو ربح  ، ويراد بهذه العبارة ثني من يلجأ إلى القضاء عن اللجوء إليه لأنه لا ينال حقه إلا بخسارة لا تقل عن خسارة من قاضاه ، خسارة فيها مصاريف مكلفة قد مشروعة وقد تكون مصاريف غير مشروعة . وكثيرا ما يتنكب الناس طريق القضاء أو الشرع كما يسمونه بالعامية أخذا بنصيحة " الرابح في الشرع خاسر " بعد ذهاب سورة الغضب عمن يختار طريق القضاء ، وبعد مراجعة حساباته باعتماد منطق الربح والخسارة . وحين يتساوى الربح مع الخسارة فلا تبقى فائدة في الربح بل لا يمكن أن يسمى ربحا وهو يعدل الخسارة . فهل تنطبق مقولة " الرابح في الشرع خاسر " على رئيس الحكومة السيد بنكيران ؟ بعد أن تصاغ هذه المقولة لتصبح " الرابح في الانتخابات خاسر "؟ قد تصح هذه المقولة الأخيرة كما تصح المقولة الأولى عند أهل التجربة، علما بأن الموروث الشعبي إنما هو نتيجة تجارب تجعل خبرة المجرب  فوق خبرة الطبيب  كما يقول المثل العامي . ومعلوم أن مقولة " الرابح في الشرع خاسر " فيها إشارة إلى فساد القضاء سواء تعلق الأمر بتكاليف اللجوء إليه الباهظة أم  تعلق بابتزاز من يزاولون القضاء لمن يضطرون للجوء إليه . فهل مقولة " الرابح في الانتخابات خاسر " فيها أيضا إشارة إلى فساد اللعبة الديمقراطية بشكل أو بآخر ؟ إن الرأي العام يتساءل ما الذي جعل رئيس الحكومة يفشل في تشكيل حكومة، وهو الرابح في الانتخابات ؟ فكما أن النفور من القضاء في حال فساده لا يشجع على اللجوء إليه ، فإن  فساد اللعبة الديمقراطية لا يشجع على خوضها .والمتأمل في موضوع تعثر تشكيل الحكومة يرى أن رئاسة الحكومة التي فرضت على السيد بنكيران بحكم حصوله على الأغلبية في الانتخابات كما هو مسطر في الدستور لا يجد معها خيارا آخر كما يجده الذين يعرقلون تشكيله للحكومة ، فهم لهم خيار مشاركته في الحكومة ، وخيار البقاء في المعارضة، بينما خياره وحيد ،وهو تشكيل حكومة لاغير. وإذا ما شكل بنكيران حكومة أقلية كان بمثابة من كلفه اللجوء إلى القضاء أو الشرع تكاليف باهظة تفوق ما حصل عليه حيث ستصير حكومة الأقلية تحت رحمة معارضة شرسة تعرقل عملها أو تحركها لتثبت فشلها في كل وقت وحين وهو ما يؤثر على تدبير شؤون البلاد. و تحصل لدى الرأي العام قناعة بأن تكليف  رئيس الحكومة بتشكيل الحكومة كان لا محالة مشروطا بوجود وزراء فيها كما تروج بعض وسائل الإعلام ،الشيء الذي جعله في موقف استجداء الأمين العام لحزب الحمامة الذي يبدو أنه اشترط حتى لا نقول فرض وجوده  ضمن تشكيل الحكومة على رئيسها وإلا لماذا يتصرف الأمين العام لحزب الحمامة وكأنه صاحب الرتبة الأولى في الانتخابات ؟ ولماذا يتخذ من بعض الأحزاب دروعا بشرية كما يقال من أجل عرقلة تشكيل الحكومة ؟ ولماذا يشترط خروج غيره من الحكومة للمشاركة فيها ؟ أليس في ذلك  مزايدة وتشكيكا في وطنية الغير ، و في أهليته لقيادة البلاد ؟ ثم ما حجم المسافة  بين إيديولوجية حزب الحمامة وإيديولوجية حزب الميزان التي ستجعل وجودهما في حكومة واحدة أمرا مستحيلا  كما هو الشأن بالنسبة لحزبي المصباح والجرار؟ إن موقف زعيم حزب الحمامة من تشكيل الحكومة يثير حوله  الشكوك بأن له ضلع فيما يسمى حكومة الظل التي رافقت حكومة بنكيران السابقة ، والتي لا زالت تمسك بزمام الأمور، وهي مصرة على ذلك .ومما يزيد من إثارة شكوك الرأي العام حول هذا الأمر تلميح رئيس الحكومة بأنه سيعود إلى بيته في حال تعذر تشكيل الحكومة ، الشيء الذي يقوي فرضية وجود حكومة ظل متحكمة . وقد يفهم من تلميح رئيس الحكومة أنه شكل من أشكال الضغط أو حتى التهديد لمواجهة عرقلة تشكيل الحكومة . ولئن سمح لرئيس الحكومة بالعودة إلى بيته كما يلمّح ، فإن ذلك سيعني الدوس على الدستور ، وهو دوس على إرادة الشعب ، والنتيجة هي انهيار التجربة الديمقراطية من أساسها والعودة بالبلاد إلى فترة غياب الديمقراطية  الحالكة . ولئن كانت الأحزاب جادة في صيانة مكسب التجربة الديمقراطية، فعليها أن تبرهن على ذلك من خلال جعل مصلحة الوطن فوق الاعتبارات الحزبية . وستثبت المواقف في القريب العاجل من  الذي يجعل مصلحة الوطن فوق مصلحة الحزب ، ومن يضحي بالوطن من أجل الحزب . و أخيرا نسال الله عز وجل  أن يحفظ هذا الوطن الغالي من فتنة توشك أن تعصف به ـ لا قدر الله ـ ،ويكون سببها تغليب المصالح الحزبية على مصلحته العليا .

وسوم: العدد 696