خازوق سليمان الحلبي رحمه الله!
هل تعرف حضرتك الشاب السوري الوطني الغيور، الأزهري الجسور سليمان ابن ونس كوبار الحلبي، الذي اغتال القائد الفرنسي المحتل كليبير نائب نابليون وحاكم مصر بعده، وكان قد رحل من بلاده إلى المحروسة القاهرة ليدرس بالأزهر ثلاث سنين، حتى جاءت الحملة الفرنسية، بمصائبها الثلاث:
* الجيش العسكري الذي هزمه المصريون، وأخرجوه بخيبته وعاره.
* وجيش المستشرقين لصوص الثقافة والآثار، الذين صوروا مصر (طوبة طوبة) ولم يتركوا شاردة ولا واردة إلا ورصدوها!
* وجيش المومسات الذي زرع في مصر الفساد، انطلاقاً من شارع كلوت بيه، وبدأ به تفسخ يسميه المغموصون تنويراً وحرية وانعتاقاً!
فأراد سليمان ابن حلب الشام لسبب ما أن يتخلص من قائد الجيش المحتل، فكمن له، ونجح في قتله، لكنه لم ينجح في الهرب، فأمسك به حرس كليبير، وحوكم وأعدم..
وكان قرار المحكمة ديمقراطياً جداً، وإنسانياً جداً، وعادلاً جداً، فاسمع مني جداً:
يقول الجبرتي في تاريخه، بلغته الملحونة العجيبة: "فلمّا أن كان المتهم لم يَصدق في جواباته، أمر ساري عسكر أن يضربوه حكم عوائد البلاد، فحالاً انضرب لحد أنه طلب العفو، ووعد أن يقر بالصحيح، فارتفع عنه الضرب، وانفكت له سواعده، وصار يحكى من أول وجديد".
وفي المحاكمة طالب مقرر المحكمة سارتون أن تكون عقوبة الجاني من العقوبات التي يسوغها عُرف البلاد المصرية (!) فقضت المحكمة بأن تحرق يد سليمان الحلبي اليمنى، ثم يعدم فوق الخازوق، وتترك جثته فوق تل العقارب؛ حتى تفترسها الجوارح.
أما شركاؤه فيُعدمون بالقتل على الخازوق، وتصادر أموالهم؛ على أن تقطع رؤوسهم ثم توضع فوق الرماح، وتحرق جثثهم بالنار!
وقد قرأ أستاذي العلامة الدكتور عبد العظيم الديب الحادثة كما يلي:
شُكلت محكمة عصرية من ممثلٍ للادّعاء، وعدد من الأعضاء، وأمين سر، وجميعهم يرتدون الأوشحة، يعلوهم الوقار، يجلسون على منصة مهيبة، ويقف بين يديهم محامٍ فرنسي جاء للدفاع عن المتهمين، وفوق رؤوسهم علم الثورة الفرنسية، ولافتة تحمل شعارها المثلث (حرية - إخاء – مساواة) وبدأت المسرحية:
صال ممثل الادعاء وجال، وانبرى له ممثل الدفاع، وبين هذا وذاك مناقشة الشهود، وبعد هذه المسرحية الرائعة، أصدرت المحكمة العصرية أعجب حكم في التاريخ، بدأ بالكلام الظريف اللطيف الذي جاء في الديباجة؛ بعد الاطلاع على مرسوم تشكيل المحكمة، والاطلاع على مواد القانون برقم كذا وكذا، وبعد سماع الادعاء، ومناقشة الشهود، والاستماع إلى مرافعة المحامي الذي كلفته المحكمة بالدفاع عن المتهمين، (لم يعترف المتهمون بالمحكمة، وقاطعوها، ورفضوا الإجابة على أي سؤال موجه إليهم)، بعد هذا جاء الحكم العجيب الغريب ينص على الآتي:
1- تقطع رؤوس المشايخ الثلاثة: محمد الغزي، وعبد الله الغزي، وأحمد الوالي، وتوضع على نبابيت (عصيّ طويلة) وتحرق جثثهم بالنار (كانوا على علم بالأمر فاعتبروا متواطئين)!
2- ويكون هذا أمام سليمان الحلبي، وكل العساكر وأهل البلد الموجودين في المشهد.
3- تُشوى يد سليمان الحلبي اليمنى في النار أولاً.
4- إذا نضجت يده تماماً، واحترقت حتى العظم، يوضع على الخازوق، ويرفع إلى أعلى، حتى يراه الناس جميعاً.
5- تترك جثته هكذا حتى تأكلها الطيور والهوام.
6- يطبع هذا الحكم باللغة الفرنسية والعربية والتركية، ويعمم على البلاد.
هذا هو الحكم الذي ابتكر من فنون الوحشية، ما يعجز عنه الشيطان ذاته.
واحتراماً لعقل القارئ الكريم لن ندعوه إلى المقارنة بين ما حدث عند مقتل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، وبين مقتل كليبر ممثل الثورة الفرنسية، التي علمت الدنيا الحرية والإخاء والمساواة وبس..
وسوم: العدد 697