وهل يمكن لسورية أن تنسى فلسطين..

عقاب يحيى

يعتب بعض الفلسطينيين على السوريين الثائرين أنهم نسوا، او أهملوا فلسطين ، دليلهم أنها لم تظهر في شعاراتهم، وجمعهم، وخطابهم، وتجمعاتهم . وهناك من يوجه اتهامات قاسية للثورة بأنها يمكن أن تبيع فلسطين مقابل صفقة مع الأمريكيين، والإسرائيليين، خاصة وان أصواتاً نشاذاً، وغير طبيعية طرحت مثل ذلك في الآونة الأخيرة..

الشعب السوري، وعلى امتداد تاريخ الصراع مع الصهيونية، وبدءاً من تأسيس الدولة اليهودية ـ كأكبر مؤامرة في التاريخ ـ من قبل الدول الكبرى المستعمرة لبلادنا، والمتواطئة ضد حقوق وأماني الأمة العربية ـ اعتبر فلسطين قضيته الصميمية، وكان بذلك اتفاقاً عاما بين مختلف مكوناته وقواه السياسية، حتى تلك التباينات حول موقع فلسطين من قضايا النضال العربي، لم تك تقلل من أهميتها في قلوب ووعي السوريين، واقصد بذلك إصرار القوميين ـ عبر مدار العقود ـ على اعتبارها القضية المركزية، أو المحورية للأمة، بكل ما يعنيه ذلك من نتائج في جميع المجالات ..

ـ وكنا دون مزاودة على أحد من الشعوب العربية.. نحاججهم في نظرة السوري المختلفة عن الجزائري والمصري والمغربي.. وحتى العراقي.. بل وحتى الأردني.. في أن فلسطين هي عند السوري لا تنفصل عن رؤيته لبلاده سورية، وكأنها قطعة من جغرافيتها، وحدودها، ولذلك ظل مرتبطاً بها ليس عاطفياً وحسب، أو إسلامياً على الطريقة العامة بل وعياً ومصيراً.

ـ هذه العلاقة التي قام الحزب القومي السوري الاجتماعي بفلسفتها ضمن مفهوم سورية الكبرى، أو الأمة السورية التاريخية المستقلة عن غيرها من العرب، وعن مفهوم القومية العربية قد عمل نظام الطاغية الأسد ووريثه على توظيفها واستثمارها في مشروع دولته الفئوية، الأحادية الاستبدادية، ومحاولة وضع اليد على القرار الفلسطيني والمقايضة فيه، موجهاً أكبر وأخطر الطعنات والضربات للنضال الفلسطيني، وللقضية الفلسطينية، ومسبباً في عديد النتائج السلبية التي تلاحقت.

ـ مع ذلك، ورغم انهماك السوري بأوضاع بلاده، وما حلّ به على يد طغمة قاتلة، ومستوى القتل والدمار.. ووصول الصراع إلى مستوى مصيري يتطلب بذل كل الجهود في جبهة تأمين الانتصار، وإسقاط نظام الطغمة.. فإن فلسطين حاضرة في وجدان وعقل الثوار، وهي فلسطين تلك التي رضعوا حليب الانتماء إليها، وحليب الحلم بتحريرها يوماً، واقله : وضع كل ما يقدرون لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين.. وإبقاء الصراع ـ التاريخي ـ مفتوحاً مع الصهيونية وكيانها الاغتصابي حتى يجد حلوله المنطقية، العادلة .

******

بقي أن نقول في الخامس عشر من ايار : ذكرى إعلان دولة إسرائيل والاعتراف الفوري بها.. والنكبة الفلسطينية..أنه رغم الهزائم الكثيرة المتلاحقة التي ألحقتها إسرائيل بالعرب : جيوشاً وأنظمة.. وحتى مقاومة فلسطينية.. ورغم نفوذها القوي عالميا، ووصلها مياه دجلة والفرات.. وطبيعة النظام العربي المحنّط، والمشلول، والتابع.. وتراجع زخم، وقوة أوراق الثورة الفلسطينية، وانشغال ـ العرب ـ بحيثيات ومصاعب ومتاعب " الربيع العربي ".. فإن إسرائيل وفي يوم إعلان مولدها ما زالت تعاني إشكالية هجانتها كدولة لقيطة وسط محيط معاد، وهي فشلت في أن تكون دولة يهودية خالصة، وفي القضاء على الشعب الفلسطيني، وجوداً، وعملاً، ومستقبلاً.. وبما يلقي بظلال كثيفة على مستقبل هذا الكيان وقابليته الموضوعية، والذاتية ـ في قادم الأيام ـ على الانتهاء : محواً أو ذوباناً وتعايشاً ..