هل طلب أوباما "مصر الانقلاب" في "بيت الطاعة"؟!

هل طلب أوباما "مصر الانقلاب"

في "بيت الطاعة"؟!

سليم عزوز

زواج البنات سُترة’.. هكذا قالوا في الأمثال، والآن يمكنني أن أنام مطمئناً بعد أن علمنا أن مصرتسترت، زواجا شرعيا على كتاب الله وسنة رسوله، وعلى مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان. وهو المذهب المصري الرسمي المعتمد في الأحوال الشخصية. وكنت قلقاً عليها منذ أن كتب عبد الرحمن الأبنودي وصفاً لحالتها: ‘وبلدنا على الترعة بتغسل شعرها’. ولم يكن التلفزيون المصري قد أذاع الإعلان الشهير لوزارة الصحة الذي ينصح بأن نعطي ظهورنا للترعة، خوفاً من البلهارسيا. ومن لا يعرفون ربة الصون والعفاف، لا يعرفون عنها أنها ملتزمة وتسمع الكلام!

وزير خارجية الانقلاب نبيل فهمي، كعبد كل على مولاه أينما يوجهه لا يأتي بخير، وليس هو وحده فمولاه نفسه ما أن يفتح فمه، حتى يرتكب من الفضائح ما يكفي لتجريس قارة، لذلك فهو ‘المرشح الغائب’، الذي لا نشاهد سوى صوره في لقاءات مع وفود المؤيدين، التي تذهب إليه حيث يوجد. فالمرشح الضرورة بحسب وصف محمد حسنين هيكل للميس الحديدي يخاف من الجماهير، مع أنهم صوروا شعبيته على أنها عابرة للحدود. ومؤخراً تم الإعلان عن أنه اختص نصف دستة من الإعلاميين بمقابلة تلفزيونية، ومن بينهم إبراهيم عيسى ولميس الحديدي، وسيتم بث المقابلة على ست قنوات فضائية. وبالرغم من أن محاوريه من الموالاة، والأسئلة متفق عليها سلفاً وكذلك الإجابات إلا أنه تم رفض فكرة البث المباشر، والاتفاق على أن يكون اللقاء مسجلاً، لستر العورات، التي تتبدى للناظرين في كل مرة بعد أعمال المونتاج والقص واللزق، فلا يغني حذر من قدر!

فالفضيحة قدر جماعة الانقلاب تلازمهم في كل حركاتهم وسكناتهم. وظني أن وزير خارجية الانقلاب، وهو يرتكب فضيحة الزواج الشرعي من واشنطن، لم يكن يظن أن الكلام يمكن أن يصل إلينا. لسوء تقدير الانقلابيين للأمور.

جماعة الانقلاب ‘دقة قديمة’، وهم من ‘الزواحف من الرجال’، وهذا وصف مشتق من ‘القواعد من النساء’. انظر كيف أن فيلسوف الانقلاب وعرابه هو محمد حسنين هيكل الذي جاء للدنيا قبل ‘فحت البحر’، وشق الترع والمصارف، وظل طوال الوقت يتصرف على ذات القواعد التي كانت حاكمة في زمانه. وعلى أيامه كان هناك خطاب موجه للخارج، لا يعلم به الناس في الداخل، وآخر للداخل لا يكترث به جماعة الخارج. ولنا أن نعلم أن ما ذكره وزير خارجية الانقلاب كان لإذاعة أمريكية، وربما قال وهو يتحدث، وهل هناك أحد لا يزال يستمع للإذاعات في زمن التلفزيون ‘الملون’؟!

وبالتالي فظني أن كلام نبيل فهمي كان موجها في الأصل والفصل لدوائر صنع القرار في واشنطن، وللأجهزة الاستخباراتية، ولم يعلم أنه يمكن أن ينتشر على هذا النحو، ليصل إلينا، لأنه لم يصله نبأ أن العالم صار قرية صغيرة. وهذا الجهل هو المبرر لأن دبلوماسياً محترفاً يسقط هذه السقطة!

تجربة هيكل

هيكل كانت له تجربة أليمة مع الخطاب المزدوج، في كتابه عن حرب الخليج الثانية، وقد كشف الراحل محمد جلال كشك، في عدة مقالات بمجلة ‘أكتوبر’ المصرية، ومن النوع طويل التيلة، كالتي تطالعونها لي الآن. الاختلاف بين الوارد في الطبعة الأجنبية والعربية من الكتاب، ليس في حدود التحليل، ولكن الاختلاف كان في المعلومات والرسالة أيضاً.

لم يرد هيكل ولم يصد، لكن ربما رأيه أن ما حدث معه هو استثناء، سببه أن الكاتب الذي ضبطه متلبساً بذلك، يعيش في بريطانيا، وأنه متربص به. ثم إن جلال كشك وجد مساحة في مصر للكتابة. والإعلام في المحروسة الآن تم تأميمه لصالح الانقلاب، ولم يستنكر هيكل ذلك، لأنه هو من تغزل في تأميم الصحافة على يد ضباط الجيش عقب حركتهم المباركة في سنة 1952، ووصف قرارات التأميم، بقرارات ‘تنظيم الصحافة’، وباعتبار أن الصحافة نبت عشوائي، وأن ما حدث هو تنظيم لها.. هل هناك من يكره التنظيم؟!

فات القوم، أن النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي سيخترق عمليات التأميم التي فرضها العسكر على الإعلام، فصار إعلام الرأي الواحد، والصورة الواحدة، والخبر الواحد ولو كان كاذباً.

ربما لم يستمع مهتم منا لمقابلة وزير خارجية الانقلاب في الإذاعة الأمريكية، لكن الفضيحة وقفنا عليها من خلال نشر كلام الوزير على موقع الإذاعة ومنها وصل لمواقع التواصل الاجتماعي ليمثل فضيحة يتغنى بها الركبان!

جيل قادة الانقلاب ينظرون للراديو على أن زمانه قد ولى، لكن المستبدين يعملون له حساباً، ويكفي أن نعلم أنه في عهد مبارك وعندما تم السماح قانوناً بتملك الناس للقنوات التلفزيونية، فان الحظر ظل قائما فيما يختص بالإذاعات، وكان غالبا يتم ضرب عدد المستمعين للراديو في عدد مستخدمي ‘التاكسي’، وكانت المفاجأة ذات حصر أنهم بالملايين!

لكن الإذاعة الأمريكية ليست هي ‘بي بي سي’، أو ‘ صوت أميركا’، عندما كان المصريون يضعون أذانهم على جهاز ‘الترانزستور’ ليستمعوا إلى أخبار بلدهم في نشرات أخبارها!

حل الشعر والمشي البطال

لقد ظن وزير خارجية الانقلاب أن الدار أمان، فذهب إلى الإذاعة العامة الوطنية في أمريكا وتحدث عن العلاقة التي تربط واشنطن ومصر وإذا بها شرعية والحمد لله، وليست نزوة لليلة واحدة. كما أنها ليست زواج متعة الذي يحله الشيعة ويحرمه أهل السنة والجماعة. والأخير زواج منفصل يجوز له أن يتصل. ولكن ما أطربني حقاً أن مصرهم، وليست مصرنا، تزوجت واشنطن عند المأذون، زواجاً مستمراً. وسر طربي أن ‘مصر الانقلاب’ تسترت، بعد مرحلة مشت فيها على حل شعرها. ولغير المصريين أن ‘حل الشعر’ في تراث الأجداد مرتبط بممارسة الأعمال المنافية للآداب.

مصر الانقلاب’، التي يتحدث عنها نبيل فهمي، أنهت مرحلة ‘ المشي البطال’، وهي التي ذهبت إلى بوتين، حيث يقيم وقالت له: ‘هيت لك’، والآن هي ‘تستت’ وصارت واحدة ‘ست’، وانتقلت من مرحلة ‘الآنسة’ إلى مرحلة ‘المدام’. وربما هي ‘مدام’ منذ 3 يوليو، وأنها كانت في حكم الزوجة الناشز الى أن طلبها أوباما في ‘بيت الطاعة’.

ولغير المصريين أقول: ان قانون الأحوال الشخصية يعطي الزوج الحق في أن يطلب الزوجة في بيت الزوجية ‘الطاعة’، إن هي غادرته، شريطة أن تتوافر فيه الشروط التي ترتفع به ليكون بيتاً للطاعة. واعتقد أن البيت الأبيض تتوافر فيه أركان ‘بيت الطاعة’ قانوناً.

لقد صرخ عمرو أديب في برنامجه وهو يطالب بإقالة وزير الخارجية ‘فكل ما عملناه من 30 يونيه انهار’. وعندما قرأت ‘أنهار’ ظننت أن ‘مصر الانقلاب’ أسموها ‘أنهار’.. ‘أنهار بنت أبيها’، قبل أن أكتشف أنه يقصد ‘انهار’ من ‘الانهيار العظيم’.

فقد قدموا انقلابهم على أنه نقطة فاصلة في تاريخ المنطقة لأنه أنهى الهيمنة الأمريكية التي تكرست في عهد الدكتور مرسي، وصارت مصر على يد السيسي أكثر استقلالاً، وصور لنا إعلام الغبراء أن أوباما لا ينام الليل لان عبد الفتاح السيسي أخرج مصر من بيت الطاعة الأمريكي. وكيف أن لمبات الإنذار المبكر عملت في الكنيست عندما ظهر على المسرح الضاحك جماعة الانقلاب في 3 يوليو/تموز الماضي.

تذكرون، كيف أن إعلام الثورة المضادة، أكد أن شقيق أوباما ينتمي للإخوان، وفي تطور مفاجئ تبين أن أوباما نفسه ‘خلايا اخوانية نائمة’، وبالتالي فان قرار السيسي بالإطاحة بمرسي، مثل ضربة عنيفة لأوباما ولعائلته على القفا!

عمرو أديب وهو يقول إن كل ما فعلوه ‘انهار’، كان كاشفاً عن حال جماعة الانقلاب الذين يكذبون ومن كثرة الكذب يصدقون أنفسهم. وهم في حالتنا ظنوا أنهم نجحوا في الضحك على الشعب المصري ودفعه لأن يصدق أن السيسي ضد الإرادة الأمريكية. وبالتالي فان تصريحات نبيل فهمي عن ‘زواج عتريس من فؤادة’، انطلى على المصريين، فصدقوا أن عبد الفتاح في اليوم الأول لدخوله القصر الرئاسي سيوقع قرار الحرب على واشنطن.

لغة العواطف

في الواقع أن حديث فهمي لم يخرج عن الإطار السياسي لمرحلة الانقلاب. ولغة العواطف هي عنوان المرحلة. وفي عهد السيسي هناك كاتبة بدلاً من أن تعلن تأييدها له لرؤيته السياسية الثاقبة، كتبت عن حالة الوله التي انتابتها وكأنه ‘اميتاب باتشان’، ولهذا طلبت منه ان يقبلها جارية في البلاط. وكاتب جاء عنوان ما كتب ‘مصر للسيسي: زوجتك نفسي’. ورئيس الوزراء وفي مؤتمر دافواس قال إن السيسي معشوق النساء في مصر. فنبيل فهمي بما قال لم يغادر أحاسيس ‘كازينو الشجرة’. ويحسب له أنه تكلم في العلاقات الحلال فالحاصل هو زواج شرعي وليس نزوة ليلة واحدة.

إن مثل نبيل فهمي كمثل عبد الفتاح السيسي الذي يعرب عن حبه العذري لواشنطن عبر إعلامها، ظنا منه أن كلامه لن يصل للمصريين، تماماً كما فعلها الدكتور محمد البرادعي من قبل وفضح نفسه بكلامه لصحيفة أجنبية عقب الانقلاب العسكري مباشرة، من أنه ظل ستة شهور يقنع الغرب بقبول فكرة إسقاط الرئيس المنتخب!

إنها أزمة جيل، يسمي تويتر ‘طنيطر’، ولا يريد أن يصدق أن العالم صار قرية صغيرة.. أصغر من القرية الذكية.